أرشيف المنتدى

أزمة مصالحة أم هي أزمة وطن !

أزمة مصالحة أم هي أزمة وطن !

عندما قررت فتح وحماس إعادة فتح ملف المصالحة بينهما ، إعتقدنا أن هناك ما يستدعي لهذا ألأمر الجلل ! لكن ، وما أن بدأت اللقاءات بين فتح وحماس ، حتى تبين أن الأبواب ما زالت موصدة أمام رغبة الحلول ، وأنها مجرد أماني فرضتها غياب الخيارات البديلة لكلا الطرفين !

إذن ، ما الذي دفعهم لأعادة محاولة وضع ملف المصالحة على طاولة البحت ، وإعطاء صورة تفاؤلية للشارع الفلسطيني الذي أعيته المحاولات السابقة الفاشلة ! ولقد ساء شعبنا الفلسطيني أن يرى مهرجان التوقيع على إتفاق القاهرة من قبل فتح وحماس برعاية العراب المصري عبارة عن مجرد محاولة متعثرة من محاولات القفز على الثوابت والموانع لكلا الفريقين ، فلا حركة فتح أوقفت التفاوض رغم بياناتها المتضاربة بهذا الخصوص ، ولا هي تخلت عن نهج تحالفاتها المكبّل لحراكها السياسي ، ولا حركة حماس رضخت لشروط الرباعية رغم التململ الحاصل في موقفها السياسي ، ولا هي غيّرت من تحالفاتها المفصلية ! وهنا نتساءل ، هل كانت كل من حماس وفتح بحاجة لأنتكاسة جديدة تضاف إلى إنتكاساتهم المتكررة بهذا الخصوص ، أم هي نتيجة محسومة بمعرفة الطرفين ، ولعب في الوقت لضائع ؟! وللأجابة على هذه الأنتكاسة الجديدة في ملف المصالحة الفلسطينية الفلسطينية نستعرض ألآتي :

هناك ثلاثة عوامل دفعت بملف المصالحة الفلسطينية إلى واجهة ألأحداث وهي :

— الربيع العربي وتغييراته ألمتسارعة ، ثم وصول ألأخوان المسلمين إلى سدة الحكم .

— فشل إستحقاق أيلول الذي أربك سياسة الرئيس عباس ، وعزز الدعم الأميركي الغربي للسياسة الأسرائيلية المتعنتة .

— الأزمة السورية وما أفرزته من تساؤلات حول مصير العالم العربي والشرق ألأوسط بعموم سياساته .

هذه العوامل الثلاثة ، أجبرت الجميع بما فيها الدول ألكبرى ، إلى إعادة تقييم أوضاعها الداخلية والخارجية ، فالربيع العربي فرض تحالفات جديدة وأفرز قناعات لم يكن من الممكن حدوثها ، فدولة قطر بتحالفاتها الجديدة لم تعد قطر التي كانت قبل الربيع العربي ، والحليف التركي لسوريا وعرّاب المفاوضات ألأسرائيلية السورية سابقا ً ، أصبح اليوم الخصم اللدود لسورية ورافع لواء إسقاط النظام فيها ، ومصر لم تعد مِلكا لنظام حسني مبارك ألأزلي ، بل التغييرالحاصل فيها فتح باب التأويل والأجتهاد على مصارعيه في أين سيؤل قرارها السياسي على المستوى العربي والدولي ! وليبيا بمقتل معمر القذافي ، أصبحت أسيرة للموقف الغربي وأعضاء حلف الناتو بعد أن أحرقوا وأذابوا كل أثر لكلمات الكتاب ألأخضر فيها . وتونس بعد زين العابدين بن على ، جاءت برئيس بروليتاري قليل الخبرة ،لا يملك مقومات الصمود بين أغلبية مسلمة ودول غربية ساندوا وصوله لسدة الحكم وهو كاره لربطة العنق رمز ثقافتهم .

تغيّرات الربيع العربي هذا فرضت نفسها على القرار الفلسطيني ، بل أفقدته وضوح الرؤية في إتخاذ القرار ، فكان لزاما ً إعادة المحاولة في المصالحة الفلسطينية الفلسطينية ، من أجل أن تطفوا القضية الفلسطينية على سطح ألأحداث بعد أن غيّبها الربيع العربي ، ثم الخوف الفلسطيني من التغلغل الأسرائيلي في مجريات أحداث الربيع العربي على حساب مركزية القضية الفلسطينية في أولويات الشارع العربي .

وفي الحديث عن فشل إستحقاق أيلول نرى أنه أسقط من أيدي حركة فتح مُمثلة بالسلطة الفلسطينية زخم القناعة بجدوى التفرّد بالقرار الفلسطيني بدون توحد قطبي النضال الفلسطيني ، وهي إنتكاسة سياسية لسلطة عباس ، أجبرته على إمتصاص آثارها السلبية بتصريحاته الأيجابية بإتجاه المصالحة ، حيث رأى في المصالحة مع حركة حماس ” فرصة زمنية ” تعيد توازنه السياسي ، بعد أن أربكه موقف حلفاءه ألأميركي والغربي في إفشال إستحقاق أيلول . وإذا كنا نتحدث عن تعثر السياسة الفتحاوية ، لا يعني أن حماس أصلح حالا من أختها اللدودة حركة فتح ! فالأزمة السورية وضعت حركة حماس في موقف لا تحسد عليه ، فلا سورية قادرة أن تقنع حماس بوضوح المستقبل على أراضيها ، ولا حماس قادرة أن تجاهر بمساندتها للموقف السوري . فمساندة حماس للنظام السوري ، سيعنى حتما وقوفها في وجه حليفها العقائدي الأخوان المسلمين الذي بدأ يتسلم زمام السلطة في دول تونس وليبيا ومصر، وهذه أبواب جديده لحماس تعمل على توطيد علاقتها بهم وعدم إستعدائهم ، ولكن ما يقلق حماس ليس هذه القضية فحسب ، بل ماذا لو إستطاع النظام السوري أن يخرج من أزمته وهو أقوى مما كان عليه ! هل تريد حماس إعادة تجربة ياسر عرفات عندما تخلى عن النظام السوري في سنة 1982م وإلتحق بركب الدول المعتدلة والتي أوصلته عبر المفاوضات إلى ما وصل إليه !

حقيقة ، إن سياسة حماس على مفترق طرق ، دروبها غير مضمونة النتائج . لذلك وجدت نفسها كما هو الحال بالنسبة لحركة فتح أمام إستحقاق قرار العودة إلى طاولة حوار المصالحة ، فهو القرار الوحيد لكلا الطرقين لو فشلوا في تحقيقه لن يُلزمهم بعداوات جديدة . وقد تكون فترة المصالحة كافية لتوضيح معالم أحداث الربيع العربي وفي أيّ إتجاه سترسوا سفينته المُبحرة داخل دول الشرق ألأوسط .

نستنتج مما سبق ، أن المصالحة الفلسطينية الفلسطينية تمر بمرحلة الجمود ، أو لنقل البيات الشتوي إلى حين إنقشاع الغبار عن الصراع الحاصل على الساحة العربية بين أطراف حسمت أمرها بعيدا عن دعايات الديمقراطية والحرية الكاذبة ، بأن يكون هناك في نهاية المطاف دول منتصرة على حساب دول مهزومة ولا مكان للحلول الوسطية بينها . وعلى الأخوة ألأعداء فتح وحماس واجب ألأنتظار بعد أن ينجلي غبار المعركة ، ليتدبّروا أمرهم ويقرروا على أي السياسات المنتصرة ستتم عقد بنود المصالحة !

أما القضية الفلسطينية ومصيرها المجهول ، فإن لم تتدارك قياداتنا مسألة تغليب مصلحة الوطن على أي قضية أخرى ، وصياغة تحالفاتها لأجل الوطن وليس لأجل تحالفات نفعية ، فإن مصير قضيتنا لن يعود مرتبط بالمصالحة الفلسطينية الفلسطينية ، ولا بسياسات فتح وحماس، بقدر إرتباطها بنتائج الصراعات القائمة والتي لم تتضح وجهتها بعد .

ولنا لقاء

أبورياض