أرشيف المنتدى

المصالحة الفلسطينية في ظل أزمة المواقف!

المصالحة الفلسطينية في ظل أزمة المواقف!

سألني صديقي الذي جاء لزيارتي : هل حقا ً تمت المصالحة الفلسطينية المنتظرة في لقاء قطر! أم أنه توقيع على معركة إنتخابية قادمة مجهولة الرؤية والنتائج ، كما هو حال العالم العربي هذه ألأيام ! ولماذا لم يصاحب توقيع إتفاق الدوحة بين فتح وحماس المهرجان الخطابي المُعتاد .. بل قابله فتور ملحوظ على مستوى الشارع الفلسطيني ، وإهمال إعلامي عربي لأهمية الحدث ، رغم سعي محطة الجزيرة لأبرازه كإنتصار قطري بعد إنهزام مصداقيتها التي ملكتها من خلال شعارها ” الرأي والرأي ألآخر” ! ثم لماذا جاء تصريح كل من أبومازن ومشعل مقتضب ولا يحمل على التفاؤل .. وخالي من علامات التقة ، وكأنه حصل بالأكراه ؟! وأخيرا َ لماذا عُقدت المصالحة في الدوحة وليس القاهرة !

إبتسمت وقلت لصديقي : لقد أمطرتي بهذا الكم من ألأسئلة بدون سابق إنظار وكأنه حِملٌ ثقيل تريد التخلص منه ! قال : هو كذلك ، فكل شيء أصبح يحدث بدون تسلسل منطقي لحالة الحدوث ! فهل يعقل أن ينجح أمير قطر بما عجزنا عنه مرارا ً وتكررا ً؟! ثم هناك محاولة قطرية سابقة للتوفيق بين الفصيلين ولم تنجح ! فما الذي تغيّر ألآن ؟!

لم أستطع كبت إبتسامتي ، رغم جدّية الطّرح من قبل صديقي . قدّمتُ له سيجارتي التي للتو قد أشعلتها وقلت : مهلا يا صديقي نحن في زمن الربيع العربي ، زمن المتناقضات . لقد أسموه ربيعا َ رغم القتل والدمار، ألبسوه ثوب الحرية والديمقراطية رغم ثوب المصالح والصراعات السياسية الذي يرتديه ! إدّعوا أن الربيع العربي قام من أجل المواطن العربي فمات المواطن من أجل ربيع مؤامراتهم ! يا صديقي أهمية المواطن العربي هذه ألأيام تكمن في كونه محرقة لهذا الربيع المزعوم ، فحذاري من غبار التفاؤل وألأمل المزعوم !

إعتدل صديقي في جلسته بعد أن نظر إلى صورة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر مثبتة بصدر الغرفة ثم قال : إذا لم يكن إعلان قطر مُصالحة فلسطينية ، فما تفسيرك للحدث ؟ قلت بعد أن قدمت له القهوة التي أحْضَرَتها لتا الحاجة أطال الله بعمرها :

منذ أن نشأت إسرائيل على أنقاض الوطن الفلسطيني من خلال نظرية اللامنطق المدعومة بالقوة العسكرية والمالية ، تكونت في مقابل ذلك داخل كل عقل عربي ومسلم بذرة إسترجاع الحق لأهله . منذ ذلك التاريخ ونظرية اللامنطق ألأسرائيلية تعمل على قتل وإلغاء تلك البذرة ، بذرة إسترجاع الحقوق التي تأصلت داخل العقل العربي ، وكل من لا يريد أن ينطلق عبر تلك القاعدة الفكرية في قراءة أحداث التاريخ العربي المعاصر، فهو إما أجيرٌ بثقافته لأحد السياسات .. وإما مُثقف عابث لا يريد فهم حقائق ما جرى ويجري على الساحة العربية ! فالقضية الفلسطينية رؤية فكرية عربية عامة متأصلة قبل أن تكون قرارا ً فلسطينيا َ، وهي قضية لها مؤشراتها في كل القرارت العربية سلبا أو إيجابا ً ، فالزعامات العربية المتعاقبة سواء كانت ( بلغة التصنيف ) تقدمية أو رجعية ، لا تستطيع أن تتخطى المسألة الفلسطينية وتكون بمعزل عن المُساءلة المصيرية من قبل الشارع العربي ! لذلك ترى الحدث العربي مهما وُضعت له عناوين إستهلاكية، مُرتبط بشكل مباشر بالقضية الفلسطينية . حتى الربيع العربي المزعوم هذا .. خضع للتقييم من قبل الشارع العربي في مدى الضرر والنفع الواقع على القضية الفلسطينية . وللتقريب أكثر في فهم ما يدور ، لم يجتهد أمير قطر المرة تلو ألأخرى في التقرّب من القضية الفلسطينية إلا من منطلق فهمه لحالة الحب والعداء التي قابله بها الشارع العربي ، وكيف ناصره وأيّده في حرب تموز عندما وقف عبر محطته الجزيرة مع حزب الله ضد إسرائيل . وكيف عاداه وإتهمه بالخيانة عندما وقفت جزيرته ضد سورية وقوى الممانعة العربية . لذلك كان لابد له من محاولة إستعادة تأييد الشارع العربي له من خلال فصل المسار الفلسطيني عن المسار السوري ، ليثبت صحة مواقفه وأن القضية الفلسطينية ليست سورية . وهذا لن يتأتى له ، إلا من خلال إتمام المصالحة المصتعصية بين فتح وحماس ، وتوظيف القرار الفلسطيني خدمة لأهدافه، وما المبالغ والأغراءات التي قُدّمت لحركة حماس من أجل أن تتخلى عن مقر إقامتها في دمشق ، وتقديمه ألأغراءات المالية الكبيرة للملكة الأردنية لتستقبل خالد مشعل وتكون مقرا ً بديلا ً لقادة حماس .. إلا محاولة قطرية لكسب ود الشارع العربي الذي إتهمه بالتآمر على تصفية القضية الفلسطينية وإتباع أجندات تتوافق مع نظرية اللامنطق ألتي أوْجَدت إسرائيل .

إنفرجت آسارير صديقي المتعاطف مع حركة حماس ، لكنه ما لبث أن عاد وعقد حاجبيه ثم قال : وهل حماس بغافل ٍعن كل هذا ، ولا تُدرك أبعاد تلك السياسات ؟! قلت إسمع يا صديقي ، هناك فرق بين أن تُدرك الحقيقة وبين واقع لا تملك تغييره رغم أنه يتنافى مع الحقيقة ذاتها! فحماس تدرك أبعاد لعبة السياسات ، لكنها تُذكرني بالشاعر العربي المتنبي الذي قتله بيت من قصيدة شعرية نظمها في لحظة إعتزاز بنفسه . قاطعني صديقي بلهجة العاتب ، وكيف ذلك ؟! قلت :

لقد تأسست حركة حماس بناء على مُرتكز ديني في نضالها الفلسطيني ضد إسرائيل ، وهذا المُرتكز الديني صِيغت فلسفته الفقهية من المفهوم العقائدي للأخوان المسلمين ، وبناء على هذا التجانس أقامت علاقتها الوثيقة الصلة بالأخوان المسلمين ، هذه العلاقة لم تمنع حركة حماس من رسم تحالفاتها ألأخرى مع سورية وإيران وحزب الله وباقي قوى التحرر في المنطقة العربية والعالم . ولكن ما يسمّى بالربيع العربي والذي يبدو أن ألأخوان يقودنه قد أجبر حماس على إتباع لغة التفاضل والأجتهاد في ألأمساك بالعصا السياسية من الوسط . خاصة وأن ألأخوان المسلمين يتزعمون ألآن الحرب الدولية على الأرض السورية ضد نظام البعث الحاكم هناك ، ولأن سورية وما تمثله من مواقف وطنية مساندة للقضية الفلسطينية وقوى التحرر ، ونظام ممانعة له إرتباطاته وتحالفاته في المنطقة العربية والدولية . أصبح من العسير إذا لم يكن من المستحيل أن تقع حماس في فخ العداء لسورية . فهي قارئة جيدة للتاريخ ، وتدرك أنه ما من زعيم فلسطيني أو عربي وقف معلنا عداءه لسورية ،إلا وكان مصيره الهزيمة أو الفشل ، والتاريخ واضحٌ بهذا الخصوص . لذلك جاء الموقف السياسي لحركة حماس بالنسبة لما يحصل على أرض سورية مرتبكا ً غير واضح المعالم ، فهي لم تعلن العداء لسورية وإن ذهبت إلى القاهرة وعمان والدوحة ووقعت وثيقة المصالحة ، ولم تعلن مساندتها لسورية ضد تحالف الأخوان المسلمين مع الغرب ..

قاطعني صديقي بلغة لا تنمّ عن إرتياح متسائلا ً : إذن هي أزمة متشابكة المصالح والقناعات ! قلت بعد أن قدّمت له سيجارة أخرى وملأت فنجان قهوته :

هي كذلك ، وإن كنت لا أزال أرى الباب الحمساوي مواربا ً بين نصف مُغلق ونصف آخر لا يزال مفتوحا ً، ولن يطول الوقت قبل أن تحزم حماس أمرها . وما الفتور في مصالحة الدوحة وزيارة خالد مشعل للأردن التي لم تؤسس لشيء يُذكر ، إلا دليل على أن مسألة التحالفات لم يُحسم أمرها بعد . هناك يا صديقي،عند البوابة الدمشقية تقف العقول .. ويكمن سرّ الحدث ! ولنا في التاريخ عبرة لمن يريد أن يعتبر !

وقف صديقي بعد أن صافحي قائلا : أرجوا أن لا تدفع القضية الفلسطينية ثمن الصراعات وحماقاتها ! قلت وأنا أرافقه إلى باب غرفتي : القضية الفلسطينية يا صديقي ، أكبر من أن يُحجّمها موقف أو أن يأسرها قرار، فهي بذرة مُلتحمة تنبعث للحياة مع كل طفل فلسطيني وعربي يُولدُ عند كل إشراقة صباح ..

ولنا لقاء

أبورياض