أرشيف المنتدى

ما قبل غزة ليس كما بعدها!

ما قبل غزة ليس كما بعدها!

ما قبل غزة ليس كما بعدها!

لم يسبق أن وقف الشارع العربي من الإجرام الإسرائيلي بحق قضياه العربية سواء كان المعتدى عليه هي أرض فلسطينية لبنانية مصرية أم عراقية.. بهذه اللا مبالاة الصادمة ! كانت هبّته فيما مضى قادرة على تصويب القرار السياسي والعسكري العربي تجاه عدوانية إسرائيل مهما كان متخاذلاً! ولم يسبق أن وقف إعلامنا العربي (إلا القليل من رحم ربّي) وقفة المتفرج على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في غزة أو أيّ شعب عربي آخر! بل لم يكتفي هذا الإعلام باللامبالاة، بل ذهب وأثناء إرتكاب إسرائيل جرائمها ضد أهلنا في غزة، ذهب ليتحفنا عبر شاشاته المستنيرة بأخبار هيفاء وهبي وأخواتها.. ومايا دياب وأبناء صنعتها. وكأنها مساهمة إعلامية منه محكومة التوقيت والأهداف!. ومن يراقب هذا الإعلام الداخل بيوتنا بلا إستئذان.. لا يرى سوى مسلسلات غناء رقص وكل ما من شأنه تخدير إرتباطك بالوطن!.

الغريب أن هذا الإعلام هو نفسه كان (وطني وعروبي وإسلامي) عندما أرادها حرباً على سورية! إلى أن جاء الإختبار الحقيقي له. غزة هاشم فضحت جريمة تحالفاتهم! فجأة أصبح هتك العروبة لديهم مسألة فيها نظر، وإجرام إسرائيل في غزة قضية يمكن أن تُغتفر! وقتل أطفالها لا يحرك فيهم الخبر، إنطفأت غيرتهم الكاذبة وأُغلقت أبواب فتاويهم الماجنة وإنزوى جهادهم الفاسق!.

ولكن، ما بال الشارع العربي هو الآخر وقف صامتاً أمام جرائم إسرائيل.. لماذا تبلّد حتى الإعاقة؟! هل فقد وطنيته وإنسانيته، أم أنه سيء الذكر (الربيع العربي) قد نجح في تفتيت شخصيته العربية فما عاد يرى الوطن سوى سلعة.. والشرف بدعة.. والدين ليس إلا صنعة؟! أم هو كما يقول أكثرهم تفاؤلاً.. قد أصابه وكعة أخلاقية وإنهزام فكري عارض، ما يلبث أن يزول؟!.

أيّ إن كانت المُسمّيات، فألأكيد هو أن غزة هاشم رغم جراحها، صمدت وبزنود أهلها ضحّت.. وبسواعد رجالها قاتلت. لترسم خطوطاً واضحة البيان في شجاعة مقاومتها، ولتؤرخ نهجاً جديداً أقره العدو قبل الأخ والصديق عنوانه ( ما قبل غزة ليس كما بعدها) وعلى كافة الصعد.. وفي التفاصيل نقول:

على الصعيد الفلسطيني:

1- لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية عبر صمودها البطولي أمام آلة الجيش الإسرائيلي الذي (كما يقال) لا يقهر.. أنها ليست رقماً هامشياً يُمكن تجاوزه داخل مربع التحالفات الإقليمية. وأن الندية التي أظهرتها وجها لوجه أمام الجنود الإسرائيليين المدججين بأعتى أنواع الأسلحة وقتل وجرح العدد الكبير منهم، هي التي سترسم خريطة التعاطي لمرحلة ما بعد غزة.

2- إن ثبات المقاوم الفلسطيني في غزة قد منح القرار السياسي الفلسطيني صلابة وجرأة إفتقدها الشارع الفلسطيني في قياداته منذ عقود. وهي صلابة أجبرت الوفد الإسرائيلي مُرغماً على العودة إلى القاهرة لبحث الشروط الفلسطينية بعد أن رفض قبل ذلك مجرد الإشارة إليها. وهي قراءة تُدرك إسرائيل مرارة أبعادها.

3- لقد وحّدت المقاومة الفلسطينية الموقف السياسي الفلسطيني في مدة لا تزيد عن 10 أيام من عمر الصمود في غزة. بعد أن عجز قيادته السياسية على فعل ذلك منذ أحداث 2007 الدامية. لتثبت المقاومة الفلسطينية من جديد كما فعلتها في (معركة الكرامة 1968م) أنها الضامن الوحيد لوحدة القرار الفلسطيني وتطلعات شعبه، وإن الإستجداءات الخارجية لم تجلب لنا سوى الإملاءات والمزيد من التفكك في القرار الفلسطيني!

على الصعيد العربي والإسرائيلي.

1- إن إصرار شعبنا الفلسطيني في غزة على خلق بيئة حاضنة لمقاومته قد أربك حسابات حكومة نتنياهو وبعض العواصم العربية المتحالفة معها. وهو ما أفرز بوضوح ما شاهدناه من غضب عربي مُمنهج على المقاومة الفلسطينية إلى حد إتخاذ مواقف إعلامية مساندة لإسرائيل في حربها الإجرامية على غزة. وهو عداء في إعتقادي إستباقي ومحدد الأهداف في محاولة واضحة من قبل هذه الدول العربية لكبح الإرادة الفلسطينية المقاومة أملاَ في إبقاء القرار السياسي الفلسطيني وقضيته مخموراً داخل عباءة التبعية العربية المرتبطة بمصالح إسرائيل والدول الغربية الحليفة لها.

2- إن فشل هدف (التحالف) العربي الإسرائيلي في نزع سلاح المقاومة العربية عبر ثلاثة حروب خاضتها إسرائيل نيابة عن حلفائها ضد حزب الله في تموز 2006 وضد حماس في 2008-2009 والآن ضد المقاومة الفلسطينية، قد أعاد الثقة بنجاح نظرية المقاومة والكفاح المسلح لإستعادة الحقوق.. بعد أن تراجعت لعقود أمام نظرية الإتفاقات والحلول التفاوضية!

3- لقد نجحت المقاومة الفلسطينية وقبلها حزب الله في تأسيس (قناعة مخيفة) لدى قادة إسرائيل، أن الحرب القادمة إن أقدمت عليها إسرائيل فلن تسلم مدنها وقراها وإقتصادها وبنيتها التحتية من الدمار والشلل التام. وهو ما قد لمست إنعكاساته الكارثية في حربها الآن على غزة.

على الصعيد الدولي:

1- أن سرعة تنامي الشبكة العنكبوتية للتواصل الإجتماعي وقدرتها على نشر الحدث لحظة وقوعه كان له الأثر الأقوى في كشف وجه إسرائيل الدموي أمام الرأي العالمي واربك السياسة الغربية أمام شعوبها. التي خرجت في مظاهرات غاضبة ضد إسرائيل ووصفتها بالنازية.. مطالبة حكوماتها بإدانة إسرائيل وعدم التعاون معها عسكريا وإقتصاديا. وكمثال على صدى غضب الشارع الغربي:

– أسبانية أعلنت وقف تصدير الأسلحة لإسرائيل.

– رئيس الوزراء البريطاني كان واضحاَ في إنتقاد إسرائيل. حتى وصل الأمر بالمتحدثة باسم الحكومة البريطانية التي قالت أن بلادها تراجع كل تراخيص تصدير الأسلحة لإسرائيل بسبب الصراع المتصاعد بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة.

– أكثر من دولة في أميركا اللاتينية قطعت علاقاتها مع إسرائيل واصفة إيها بالدولة الإرهابية.

– السفير البريطاني في إسرائيل حذر الإسرئيليين من أن أوروبا ستصبح خلال 5 سنوات كدول أميركا اللاتينية في علاقاتها المتوترة والمقطوعة مع إسرائيل إن لم تتدارك إسرائيل سياساتها تجاه الفلسطينيين.

– الخارجية الألمانية قالت: «لا أرى أن الحكومة الألمانية التزمت الصمت في الأسابيع الأخيرة». وأكدت على أهمية البدء في التفكير من الآن بشأن الوضع السياسي في غزة عقب انتهاء الحرب.

هذا التغيير الملموس في الرأي العام الغربي تجاه دموية إسرائيل كان له رافعة شكّلها الصمود الفلسطيني في غزة. وإذا ما أضفنا فشل العقلية العسكرية الإسرائيلية المتكرر منذ حرب تموز في لبنان وإلى الآن في تحقيق حسم عسكري حقيقي أمام المقاومة الفلسطينية واللبنانية. ندرك مدى القناعة لدى الغرب بأن إسرائيل باتت عبئاً عسكريا وإقتصاديا وأخلاقياً على المجتمعات الغربية وحكوماتها.

كلمة في نهاية السطر:

وأنا أستمع لمحطة الميادين.. إستوقفتني جرأة طفل فلسطيني، رغم المعاناة والقتل والدمار.. قال رسالته وبكل وضوح وإصرار وكأنه يخاطب العدو قبل الصديق، قال: دمنا ما بروح هيك!

وإلى لقاء

أبورياض