أرشيف المنتدى

لاجئ فلسطيني يفضّل المخيم في لبنان على أوروبا

لاجئ فلسطيني يفضّل المخيم في لبنان على أوروبا

camp-13-09-2016.webp

صورة من مخيم فلسطيني

لم يجد اللاجئ الفلسطيني وسيم في ألمانيا تلك الجنّة التي حلم بها وقطع آلاف الكيلومترات للوصول إليها، متحدياً غضب بحر إيجة مع زوجته وطفله الرضيع.

الإقدام على هذه المغامرة، لم يأت من فراغ، فانعدام فرص العمل في لبنان والحاجة دفعاه، إلى اتخاذ قرار الهجرة. أتمّ الإجراءات اللازمة. سافر من بيروت إلى اسطنبول بطريقة شرعية. فور وصوله إلى مطار العاصمة التركية بدأت رحلة المعاناة.

الخطوة الأولى هي التوجه إلى ساحة في مدينة أسطنبول تسمى سكراي. ذهل بما رآه هناك، المئات من سماسرة البشر، تعجّ بهم الساحة، يتربّصون بالمهاجرين. سريعاً تعرّف بأحدهم، وخاض معه مفاوضات شاقة أفضت إلى الاتفاق على المبلغ الذي سيتقاضاه السمسار لقاء تهريبه عبر بحر إيجة وصولاً إلى اليونان.

1200 دولار أميركي على الرأس الواحد بلغة السمسار التركي، أي 2400 دولار على وسيم وزوجته، أما طفلهما فقد احتسب على البيعة، فيما الدفع نقداً، على أن تشمل هذه الصفقة أجرة الفندق الذي نزل به وسيم وعائلته.

في الوقت المحدّد، حضرت إلى الفندق حافلة صغيرة (مخصصة نظرياً لـ 15 راكباً) ذات زجاج اسود داكن، استقلها وزوجته وطفلهما مع حوالي 25 شخصاً آخرين وجلّهم من العائلات الفلسطينية والسورية.

انطلق الفان إلى جِهة مجهولة بالنسبة لجميع الركاب الذين كانوا معزولين عن العالم الخارجي بسبب الزجاج الحاجب للرؤيا. ساعات قليلة حتى وجد الجميع أنفسهم في منطقة قريبة من البحر مع آلاف المهاجرين، وتبين لوسيم لاحقاً أنها نقطة التجمّع الأولى.

في هذه المرحلة، يغيب السمسار عن المشهد، ويحلّ بدلاً منه معاونوه الذين يبدأون بإذلال المهاجرين وإهانتهم وتهديدهم بقوة السلاح وإجبارهم على السير مشياً على الأقدام لمسافات طويلة في طريق جبلية وعرة، مع أطفالهم وحقائبهم، إلى أن تطأ شاطئ البحر، النقطة الأخيرة قبل الانطلاق إلى اليونان.

تتوالى الصدمات على وسيم، فوسيلة عبورهم إلى أثينا عبارة عن زورق مطاطي يبلغ طوله حوالى 9 أمتار، أرغم وعدداً من الشباب المهاجرين على تعبئته بالهواء، تمهيداً للسفر.

الصدمة التالية، تمثلت بصعود حوالى 55 شخصاً مع حقائبهم على متن الزورق، فيما الاتفاق الذي أبرمه وسيم مع السمسار، كان يقضي بوضع 40 شخصاً فقط.

لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فوجئ وسيم بعدم وجود قبطان لقيادة الزورق، إذ أن معاوني السمسار، كانوا يقومون باختيار شخص ما من ركاب الزورق، بطريقة عشوائية، ويعمدون إلى تسليمه دفة القيادة، سواء أكان على دراية بذلك أم لا.

ومع ضيق الخيارات أمام وسيم للاعتراض على عدم وجود قبطان رسمي، انطلقت الرحلة. ما إن قطع الزورق مسافة تبلغ حوالى 50 كيلومتراً تقريباً، حتى بدأت تتسرّب مياه البحر إلى الزورق، بسبب الحمل الزائد، فسارع الركاب إلى رمي حقائبهم في البحر للتخفيف من الوزن، والقيام بتفريغ المياه من الزورق. وبدلاً من أن تكون اليونان الوجهة، أصبح الهدف العودة إلى نقطة الانطلاق والنجاة من الغرق.

كان الحظ حليف الركاب الذي تمكّنوا من العودة إلى الشاطئ بسلام، حيث قام وسيم على الفور بنقل طفله وزوجته من الزورق الى بر الأمان، غير أن هذا الأمر لم يرق لمعاوني السمسار الذين حاولوا إجبار الركاب الذين تركوا الزورق العودة إليه، لكنهم جوبهوا بالرفض. فيما بقي قسم من الركاب ومعظمهم من النساء على متنه، فعمل السماسرة على إرجاع هؤلاء إلى البحر، ليتبين لاحقاً أن الزورق غرق بمن كانوا فيه، وكان يبلغ عددهم حوالى 30 شخصاً.

لم يستسلم وسيم، فتح خط تواصل مع سمسار آخر. تمّ الاتفاق على رحلة ثانية باءت بالفشل أيضاً. لكن هذا الأمر لم يمنْعه من بلوغ عتبة التسع محاولات. في المرة العاشرة، شاء القدر أن يكون إلى جانبه، حيث التزم السمسار بوضع 45 شخصاً في الزورق وبقيادة قبطان حقيقي أوصلهم بسلام إلى اليونان عبر بحر إيجة.

في أثينا، مكث وسيم 5 أيام، تنقل خلالها مع زوجته وطفله من حديقة الى أخرى، حيث تولّت جمعيات إنسانية رعايتهم وتأمين الطعام والشراب له ولزوجته والحليب والدواء لطفلهما.

ومن اليونان، انتقل وسيم مع عائلته بالباخرة إلى مقدونيا. هناك تسلّمته الشرطة المقدونية التي قامت بإجراءات معينة لتسفيره إلى صربيا التي وصلها بالقطار، ومنها الى النمسا.. وأخيراً المانيا.

في أحد هايمات المانيا المخصصة لاستقبال اللاجئين، استقرّ وسيم وأقام فيه لمدة 4 أشهر، كانت كافية لتبدّد جميع أحلامه، بعدما وجد نفسه مع عائلته منبوذين، حتى أن طفله لم يحظ بالرعاية الطبية المطلوبة عندما ساءت حالته الصحية، فلم يجد مَن يقدّم له شيئاً سوى الدواء، بعد 4 أيام على مرضه.

لم يتحمّل وسيم هذا الواقع المرير الذي وضع نفسه به، فقرر الرجوع الى لبنان على نفقته الخاصة، بعدما تمكّن من ادخار بعض المال الذي كان يأتي لعائلته كمساعدة من الدولة الألمانية.

المصدر: جريدة السفير