بوابة مخيم البداوي الأهلية

المرحوم الاستاذ محمد عبد المجيد

شخصيات ما زالت في الذاكره || المرحوم الاستاذ محمد عبد المجيد


المرحوم الاستاذ محمد عبد المجيد - مخيم البداوي
محمد عبد المجيد نجم

لن ألقي سلاحي ….. شاعر من زمن الثورة

يُعتبر الشاعرُ هو الراصد والمعبّر عن كل تحرّكات عصره، والصوت الناطق باسمه، ولا سيما في القضية الفلسطينية العادلة والمنتقلة على أيدي الشعراء جيلاً بعد جيل. ونحن اليوم بصدد الحديث عن شاعر حرّك قلمه ليكون الوجدان الناطق باسم شعبه.

المرحوم الاستاذ محمد عبد المجيد - مخيم البداوي

محمد عبد المجيد نجم:
ولد الشاعر في صفورية قضاء الناصرة في فلسطين سنة 1940. عرف وطنه عن قرب، فتنشّق هواءه ولعب ملاعبه. شرد عام 1948 كغيره من أبناء الشعب الفلسطيني تحت ضرب المدافع عن وطنه، فمن الجنوب اللبناني إلى بعلبك حتى حط به الترحال عام 1958 في مخيم البداوي شمال لبنان. حصل عام 1962 على الموحّدة السورية من مدينة دمشق، وزاول مهنة التدريس في مدارس الأنروا، وخلالها كان منتسباً إلى الجامعة العربية في بيروت قسم اللغة العربية وآدبها وتخرّج منها سنة 1967.

عرف بحبّه وتعلّقه الكبير باللغة العربية وهو القائل “كيف لا أعشقها وهي لغة القرآن”. بدأت محاولاته الشعرية عام 1961. ومن خلال قصيدة “محنة الانفصال” وكأنّ نفس الشاعر أبت الخضوع والهوان فجاء صوته معبّراً عن محنة ألمّت بقطرين عربيين، فتحدث عن انفصال مصر وسوريا:

ركن العروبة أنت أمال الغد …… لا عاش يا مصرُ اللئيمُ المعتدي
لا عاش من خان المواثيق الأولى …… ترنو إليها العرب عند المقتصدِ
فالركب سائرٌ والنهاية بالمطاف …… هي وحدة عربية للسؤددِ


المرحوم الاستاذ محمد عبد المجيد - مخيم البداوي

وفي قصيدة “حنين إلى الوطن” يقول:

أنا شاعر الأحرار لا متغزّلٌ …… أدع الحرام لمن يعافى حسابا
لا شيء يشجيني كفقدي موطناً …… خضر المرابع افتديه هضابا


نلاحظ من خلالها نكوص الشاعر إلى الماضي، إلى البلد المفقود، الذي يعيش في سحيق أيامه، والذي كلما تذكّره تفتّقت ذاكرته جراحاً لا تندمل وتُشفى إلا بعودته إلى وطنه الذي أُبعد عنه ظلماً وجوراً، فنراه يقول في القصيدة ذاتها:

لا لست أنساك فلسطين وإن …… أوصد الغدر لنا بابا فبابا
كيف أنساك وفي قلبي لظى …… وغداً يا أم نفديك الشبابا
أنا منك بلى وإليك عائد …… حقق الله منادي والإيابا


الشاعر الذي ولد في قريته “صفورية” وعرف كرمتها وحدائقها مع أترابه، يصاب بانشطار نفسي بين واقعه الذي يمثّل له “اللاجئ” وبين بلده الذي خلّفه وراءه، ولا يستطيع أن يعود إليه، أو أن يفعل له شيئاً سوى أن يعبّر بقلمه عن هذا الواقع:

عهدَ الصبا هل تذكرين ملاعب …… هل تذكرين صحابي الأترابا
أيام نلهو في خمائلنا وما …… …… كنا لنحسب للفرق حسابا
ما كنت أنسى كرمتي وحدائقاً …… كم جُلت فيها لاهيا مجتابا
أو نبع قسطل في صفورية انجبلت …… منه دمائي كطعم الشهد قد طابا


ولنلقِ نظرة إلى هذه الأبيات المأخوذة من قصيدة “وسام الشعب” وصفاً لسان حال الذين تخلّوا عن البندقية ولهثوا خلف “السلام”:

قالوا: الراويةُ أُكمِلت بَطُلَ الكلامْ …… فلتمضِ توّاً نحو مؤتمر “السلامْ”
لا الحرب نربحها وإن طال المدى …… والصلح أجدى بعد أن طال الخصام
كانت مشيئة بنا أو فلنقل …… تلك المشيئة أصلها الدول العظام
ولنجمع في مجلس الأمن الذي …… يسعى لإقرار السلام مع الأنام


يتميز أسلوبه هنا بالتقريع الاستفزازي الغاضب، واللوم والعتاب والأحكام القاسية، حيث يحمل المسؤولية للحكام، وإنه غاضب ناقم على ما يجري حوله، فيذوب قلبه حرقة ولوعة وأسى، وهو الثائر دوماً وأبداً، الرافض لكا معادلات “السلام” غير “المتوازنة”، والناقصة للركن الأساسي فيها وهو العدل. فالمسافة بين ما يعيشه ويراه وبين ما يرنو إليه ويتمناه مسافة كبيرة وهوة واسعة، وهذا ما يدفعه إلى طلب استفتاء للشعب:

قلت اسألوا الشعب الأبي فإنه …… رفض الهزيمة عندما حلّ الظلامْ
يا شهر يونيو عد فذكر هبّةً …… قامت تجلجل عندما كُشف اللثام
غطت بلاد العرب من أطرافها …… ومضت تعاهد ربّها بالانتقام
لا! لن تذلّ شعوبنا ببساطة …… فالشعب قد نال الوسام ولن يُضام


توفّرت للشاعر الجرأة والشجاعة في قول كل ما يريده دون خوف، فيعود مرة أخرى ناقماً ومستهزئاً بمن صنعوا الهزيمة. وإذا أمعنّا النظر والملاحظة في هذه الأبيات فإننا نكتشف بأن قوة الدفق الشعري وغزارته عند نجم تجعل الكلمات والألفاظ والجمل تنساب أحياناً أنسياباً متلاحقاً وعفوياً.

قل لأصحاب الجريمة …… قل لمن صنعوا الهزيمة
قل لمن هانوا وخانوا …… ورأوا السلم غنيمة
أنا من شعب أبيٍّ …… خاض ثوارت عظيمة
أنا سلني، أمتي غرا …… ءُ ما هانت كريمة
أنا لن ألقي سلاحي …… وعلى أرضي جريمة
أنا ماضٍ في كفاحي …… نحو أهدافي القويمة


وكأن نفس الشاعر عصيّة على نسيان نكبة ألمّت به، وسلبته موطناً لن ينساه ما دام حيّاً، فيقول في قصيدة “بان الطريق”:

أيار ذكراك في قلبي تؤرّقني …… نار وتحرقني لا لست انتحبُ
أيار والنار لا أنساهما أبداً …… لن يُرجع الدار إلا النار والغضبُ


أما قصيدة “بالإسلام ننتصر”، فيتخطى الشاعر بها واقعه الفلسطيني الخاص، إلى واقع أكبر. ويعبّر عن فرحته بانتصار الإمام الخميني في ثورته ضد الشاه، فتضحك جوارح الشاعر وهو التواق إلى انتصار الإسلام من كل قلبه. ويدل هذا التخطي على سعة اطلاع الشاعر واهتمامه بالشؤون العامة الدولية:

الله أكبر بالإسلام ننتصرُ …… شعب إيران فليهنا لك الظفرُ
فالحق قد جاء وضاح الجين وقد …… زهقت أباطيل شاه هدّه القدرُ
يا آية الله كم أرويت من ظمأٍ …… وضفت من حِما كي يهنأ البشرُ


لم تقتصر أشعاره على الشعر السياسي والوطني، بل تجاوزته إلى حدود أخرى. فالشاعر قد أيقن أن الرياضة مهمة جداً لتربية جسم الإنسان، ففيها ينمو ويصبح قوياً. فشجّع الشباب في قصيدته “الرياضة” على ممارسة الرياضة والانتساب إلى الأندية الرياضية، لأنها تصون الأنفس من الغضب، وهي برأيه أدب:

قالوا الرياضة لهو قلت لا وأبي …… فما الرياضة إن عُدت سوى أدبِ
بها النفوس تُربّى خير تربية …… والجسم ينمو قويّاً ثابت الرّكبِ
لها منافع شتّى لا يقدّرها …… سوى الرياضي في نادٍ وفي لعبِ
روحٌ رياضية صانت شبيبتنا …… عند التنافس عن غيٍّ وعن غضبِ


وقد تغزّل الشاعر بالملوخية:

إن الملوخية الخضراء قد لبّت …… ثوب الزفاف إذا ترنو محياها
فاقت بزينتها كلّ النبات فما …… يهدي الأنام سواها يوم جلواها
يكفيها شرفاً أن الملوك لهم …… في حبها شغف فالكل يهواها
إنى وإن عشت دهراً سوف أذكرها …… مهما نسيت فإني لست أنساها


وقال في العدس:

إن ضاقت عيشك فاطبخ شوربا العدسِ …… واشكر إلهك في صبح وفي الغلسِ


سخّر الشاعر كلمته في سبيل بلاده مدافعاً عنها حتى الرمق الأخير، وفي 25 من نيسان 1986 رحل مخلفاً شعره على صفحات الزمن.


ميسون جمال مصطفى