المقالات

بلال الكايد.. كزهر اللوز أو أبعد

بلال الكايد هو نموذج للمقاوم الوطني الفلسطيني في سجون العدو الصهيوني, لا يتناول غير الماء فقط، قرأت مقالات كثيرة عنه, فمن عرفوه يشيدون بدماثته وصلابته وصبره، وهو غير متعصب لجبهته. يجادل بهدوء ولا يفرض رأيه على أحد، مستمع جيد لمحدثيه، فلسطيني عربي وطني وقومي حتى العظم. جرى اعتقاله منذ سنوات طويلة…

بلال الكايد .. هذا الأسير الفلسطيني المقاوم.. ابن البلدة الفلسطينية المتكئة على سفوح الجبال العديدة المحيطة بها، وسط الأنهار الكثيرة القريبة منها, والتي جفف مياهها عدونا الصهيوني الشايلوكي, المحاول سرقة تاريخنا واستبداله بتاريخ مختلق جديد. عدو قميء, حاقد, كريه ومتطفل على كل ما هو إنساني, مثل قملة في الشعر, تدرك مصير قصعها إن آجلا أو عاجلا.

بلال الكايد, ابن الجبهة الشعبية، الشاب الجميل الطلعة، الأنيق حتى في سجنه، ابن عصيرة الشمالية, التي طالما زرتها قبل عام 1967 وبعده, حتى سجني, وقد رأيت في محطتيه نابلس وطولكرم، الكثيرين من أبطالها. البلدة، التي رست جذورها قبل ميلاد الزمان. البلدة, التي أخذت اسمهما من عصر العنب لصنع النبيذ منذ العصر الروماني، ولأنها استمرت في عصر منتجها الوفير سنويا من الزيتون, حافظت على ذات الاسم. أشجار اللوز تملأ البلدة أيضا، تزينها بهذا الألَق الفلسطيني, السابح في اللازورد، وفي عبَق المتوسط وعكا، وقد شهدا انكسارات الغزاة أجمعهم على أقدامهما, واللذان حتما سيريا انكسار المشروع الصهيوني مثل كل من سبقه من الغزاة, ومثلما يقول المبدع الطاهر وطار في رائعته «العشق والموت في الزمن الحراشي», (ما يبقى في الوادي غير حجارة).

كل ما سبق لعب دورا في تنشئة بلال، لأن الإنسان ابن طبيعته وواقعه. لقد أبدع الكاتب رسول حمزاتوف عندما خط رائعته «داغستان بلدي». بعد قراءتي لما خطه عن داغستان, تمنيت بحرارة أن أكتب تحت عنوان «فلسطين بلدي» بعد النصر! لكنني أثق, أن يوما قادما بعد تحرير وطننا من النهر إلى البحر, ومن رأس الناقورة حتى رفح, سيقوم كاتب فلسطيني ما، بالكتابة تحت هذا العنوان.

أدرك تماما, كم انتظرك أهلك وأحباؤك، ووالدتك خاصة يا بلال, يوما بعد يوم على مدى أربعة عشر عاما ونصف العام, وقد كانت الأم تؤرخ ليوم تحرر فلذة كبدها من معتقلاتهم الفاشية عامًا بعد عام، تماما كما أحصت «عذراء أورليان» أيام سجنها دقيقة بدقيقة. ذهبت العائلة إلى بوابة السجن الفاشي. انطفأت الفرحة في العيون، عندما قررت محكمة المابعد نازيين الجدد، إعادة تحويل بلال إلى «الاعتقال الإداري»، والذي هو قرار توقيف دون محاكمة، لمدة تتراوح بين شهر إلى ستة أشهر إلى سنة، تتجدد تلقائيا بشكل متواصل لبعض الأسرى، ويتذرع الكيان بوجود ملفات «سرية أمنية» بحق المعتقل الذي تعاقبه بالسّجن الإداري. كان ردك, جديرا بنضالك وكفاح شعبك: إعلان الإضراب, وقد مضى عليه حتى اللحظة 45 يوما, خسرت فيها عشرات الكيلوجرامات من وزنك, وأخذوك مرارا إلى المستشفيات. نعم إنك تخوض معركة الإرادة والأمعاء الخاوية, تدافع بها عن كل زملائك السبعة آلاف أسير. رفاقك في الجبهة بمن فيهم الأمين العام القائد أحمد سعدات, لم يخذلوك كعادتهم مع كل مضرب عن الطعام. قسّموا أنفسهم فرقا تضرب عن الأكل, لمساندتك في معركة التحدي, والخاسر بالتأكيد, هو العدو.

بلال الكايد هو نموذج للمقاوم الوطني الفلسطيني في سجون العدو الصهيوني, لا يتناول غير الماء فقط، قرأت مقالات كثيرة عنه, فمن عرفوه يشيدون بدماثته وصلابته وصبره، وهو غير متعصب لجبهته. يجادل بهدوء ولا يفرض رأيه على أحد، مستمع جيد لمحدثيه، فلسطيني عربي وطني وقومي حتى العظم. جرى اعتقاله منذ سنوات طويلة، وأوقفته إسرائيل مجددا بموجب الاعتقال الإداري.

إضراب بلال الكايد, أعاد إلى الأذهان الإضراب السابق الذي قام به سجناء الجبهة احتجاجًا على العزل الانفرادي, وقد استمر مدة 23 يومًا, وكان مرشحًا للاستمرار, لكان سلطات السجون وبطريقة غادرة وخسيسة أفهمت اللجنة العليا للسجناء (وهي المسؤولة عن الإضراب): أنها استجابت لطلبهم, وأنها ستوقف العزل الانفرادي, أخذت اللجنة قرارًا بفك الإضراب. كذلك تعهدت إسرائيل للوسطاء المصريين الذين ساهموا في الطلب من اللجنة, بإنهاء الإضراب, لكن الدولة الصهيونية كعادتها: لا تقيم وزنًا لوعودها وتعهداتها، فبعد فك الإضراب عادت إلى ممارسة العزل الانفرادي للكثيرين من المعتقلين. كما يعيد إضراب بلال إلى الأذهان, إضراب كافة سجنائنا لأجل إنهاء الاعتقال الإداري, لكن العدو الخسيس، كعادته لا يفي بوعوده.

الأفضل والأكثر تأثيرًا لتحقيق النتائج المرجوة من الإضراب تتمثل في: قيام جميع السجناء الفلسطينيين ويبلغ عددهم حوالي (السبعة آلاف) بالإضراب في وقت واحد، فالمعنى في هذه الحالة يكون أكثر عمقًا, إن من ناحية الإثبات للعدو: بأن معتقلينا موحدون، فهم أولًا يناضلون من أجل قضيتهم الوطنية الفلسطينية, ثم بعد ذلك يأتي الانتماء التنظيمي.لا نريد كشعب فلسطيني أن تنعكس حالة الانقسام القائمة في الخارج, في داخل السجون، فمعتقلونا (كلهم ومن جميع الفصائل) حولوا السجون إلى مدارس نضالية للقضية الوطنية، ومحطات للصمود الفولاذي في وجه العدو الصهيوني, الذي يهدف إلى تفريقهم وكسر شوكتهم وإذلالهم.

لقد رفضت الحكومة الصهيونية الطلب الذي قدمه محامي بلال لها، والذي طالب بإطلاق سراحه. المحكمة الصهيونية أيدت السلطات في استمرار اعتقاله من خلال شكل الاعتقال الإداري. الذي نود أن نسأله: لو أن يهوديًّا في إحدى دول العالم قام بمثل هذا الإضراب فما هي ردود فعل العالم؟ بالتأكيد: سيكون الجواب: تقوم الدنيا ولا تعقد! أقول ذلك وفي الذاكرة إضرابات عن الطعام قام بها يهود إبّان الحقبة السوفياتية، كان حينها يقف العالم على قدميه ولا يقعد! وبخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.

إبّان وجود جلعاد شاليط في الأسر، أخذت حكومة نتنياهو قرارًا بتحويل حياة الأسرى الفلسطينيين إلى جحيم، وكأنها كانت عظيمة من حيث الظروف قبلا؟ رغم إطلاق سراح شاليط في صفقة تبادل الأسرى وقد كان يعيش في ظروف سبع نجوم، يتزايد التشديد على أسرانا! كل التحية لهم ولأسيرنا البطل بلال الكايد.

د.فايز رشيد

00:20 – 31 يوليو, 2016

مقالات ذات صلة