المقالات

المؤتمر الثالث عشر لفلسطينيي أوروبا وحلم التطلع للعودة

المؤتمر الثالث عشر لفلسطينيي أوروبا وحلم التطلع للعودة

نزار بدران

انعقد في برلين يوم السبت الموافق 25 نيسان (إبريل) الماضي، المؤتمر الثالث عشر لفلسطينيي أوروبا. ثلاثة عشر عاماً من الإصرار على تأكيد الحقوق الفلسطينية لهم ولأولادهم، وحقهم في العودة إلى بلادهم، والذي كان هو شعار المؤتمر لهذا العام.

حوالي الخمسة عشر ألف أوروبي فلسطيني، تواردوا إلى برلين، واحتفلوا معاً بكل أطيافهم الفكرية والسياسية، وبكل مستوياتهم الاجتماعية ومن كل الأقطار الأوروبية.

ماذا يدفع هذه الجالية المهمة بعددها(300000) وبمستواها الثقافي والاجتماعي العالي للتأكيد على حق العودة إلى ديارهم. وهم الذين يحصلون على نفس حقوق الأوروبيين، ويتمتعون في كثير من الأحيان بجنسيات أوروبية.

الانتماء لفلسطين هو في الحقيقة انتماء لأرض، وُلدنا فيها أو وُلد آباؤنا وأجدادنا بها، شربنا حبها مع لبن الأمهات، وحكايات الآباء الذين عايشوا النكبة، أو ما تلاها من كوارث.

الانتماء لفلسطين والعودة إليها متى شئنا، هو حق أساسي لكل إنسان فلسطيني، أينما كان مكان ولادته أو نشأته، حق العودة للاجىء الفلسطيني إلى وطنه، ليس حقاً مقيداً بالقانون الإنساني.

اندماج الفلسطينيين في أوروبا، لا يعني الابتعاد عن فلسطين، وإنما حصولهم على وسائل قوة جديدة لهم وللشعب الفلسطيني عامة، فالمواطن الفلسطيني الأوروبي يستطيع أن يوصل صوته إلى أعلى المستويات في دولته، ويُعيد إلى دائرة الضوء حقه وحق جاليته، وحق كل المُهجرين بالعودة إلى ديارهم، وهذا ما بدأه تجمع فلسطينيي أوروبا منذ المؤتمر الأول.

أسماء أوروبية كبيرة من سياسيين وكُتاب وصحفيين شاركتنا مؤتمرنا من دول عدة، وقد علا صوتها لدعم حق عودتنا إلى أرض وطننا التاريخي. وبشكل عام فإن الرأي العام الغربي بأغلبيته، يدعم حق الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه؛ وما فشل المظاهرة المعادية التي نُظمت ضد انعقاد المؤتمر من أصدقاء إسرائيل، إلا دليل على ذلك الدعم، فلم يشارك في تلك المظاهرة إلا بعض العشرات، وقد عادوا خائبين، رغم سيطرة اللوبي الصهيوني على وسائل إعلام كبيرة، ولكنها لم تتمكن من تحريك الشارع الألماني ضدنا.

فلسطينيو أوروبا وأوروبيي فلسطين، هم جزء من اللاجئين الفلسطينيين الذين تمكنوا من الهجرة إلى أوروبا، وأصبحوا مع مرور الزمن قوة فلسطينية ورافداً جديداً للحق الفلسطيني، وخصوصاً حق العودة، شعار التجمع هو مفتاح العودة، هذا ما يقض مضجع نتنياهو وحكومته، ويفسر الحملة المسعورة التي شنتها هذه الأوساط ضد المؤتمر. هذه الحملة التي انقلبت على الساحر، وأعطت المؤتمر شهادة ميلاد، فالعدو لن يخشانا لو لم نكن مؤثرين.

حق العودة.. والتي ظنت إسرائيل أنها بدأت بإنهاء حلمه عند الفلسطينيين، خصوصاً بعد اتفاقيات أوسلو، بدأ يُطل برأسه من جديد، إن فلسطينيي أوروبا لن يتخلوا أبداً كباقي الفلسطينيين عن هذا الحق الدائم الذي لا يسقط بالتقادم، ولا نتصور أن أي جهة سياسية مسؤولة تنفرد باتخاذ قرارات تُضيع هذا الحق، ونحن نُدرك مدى الضغوط الأمريكية والصهيونية على السلطة الفلسطينية لذلك.

الفلسطيني الأوروبي، استطاع أن يحول حصوله على حقوقه المدنية الكاملة في مواطنه الجديدة، إلى وسيلة فعالة لنضاله ونضال شعبه، وليس كما ظن الصهاينة وآخرون أن بالامكان التخلص منهم للأبد، وحضور العائلات الفلسطينية بأطفالها، يؤكد أن الزمن لصالحنا؛ وقد بدأ الإسرائيليون باكتشاف أن هذا التهجير إلى ما وراء البحار، سيرتد عليهم كالسهام، طال الزمن أم قصر. فالرأي العام الغربي بدأ يتغير إيجابا لصالح الحق الفلسطيني، بسبب نشاط هذه الجالية لصالح حق العودة، ونموذج أفريقيا الجنوبية وإهدارها زمن التمييز العنصري، للحقوق الأساسية للسود، هو بكل تأكيد هاجس يؤرق القادة الإسرائيليين، وقد بدأ يُذكر علانية بتصريحات المسؤولين الغربيين.

إن المقارنة مع لاجئي لبنان، الذين عاشوا ووُلدوا في تلك البلاد منذ ستين سنة، يُظهر مدى ظلم القريب، الذي كان يجب أن يكون مصدر العون والدعم، إلا أن لاجئي هذا البلد، يفتقدون لكافة حقوقهم المدنية؛ من قبيل حقهم بالعمل، والتنقل والمشاركة في بناء لبنان وطنهم الثاني. كل ذلك تحت مزاعم الحفاظ على فلسطينيتهم والخوف من التوطين!.

منذ متى كان انتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان، وسلب الفلسطينيين لحقوقهم المدنية، وسيلة لمساندتهم لاستعادة حقوقهم الوطنية؟ علماً أن لبنان وقع على كافة المعاهدات الدولية والعربية، بما فيها اتفاقية الدار البيضاء لعام 1965، والمُتعلقة بحقوق الفلسطينيين في الدول العربية، إن هذا الوضع يُهمش هؤلاء اللاجئين، مما يؤدي إلى زيادة تعقيد الوضع اللبناني الداخلي، وليس كما يظن الساسة اللبنانيون لمنع تعقيده، هذه السياسة المتُوافق عليها لبنانياً لن تكون لصالح فلسطين ولا الفلسطينيين، فمثال فلسطينيي أوروبا يُظهر أن احترام الحقوق هو واحد، واغتصابها أيضاً واحد، فلا يجوز أن نضع أنفسنا في لبنان بصف مغتصبي الحق الفلسطيني.

فلسطينيو سوريا وبشكل خاص في مخيم اليرموك، تبدو هشاشة وضعهم كذلك واضحة للعيان وللقاصي والداني، حيث يحفظ لهم القانون الدولي الحق بالعيش الكريم والحماية زمن الحرب، إلا أن السلطة التي تُفقد السوري حقه، لا يمكنها أن تحفظ ذلك لغيره.

فلسطينيو أوروبا يعملون من خلال مؤسساتهم ونقاباتهم لدعم إخوانهم في الشتات، وداخل الوطن، وهم يزيدون يوماً بعد يوم، من تأثيرهم في الداخل الأوروبي لصالح القضية الفلسطينية. لهذا لخصت كلمة رئيس المؤتمر، السيد ماجد الزير، حقيقة هذا الدور، عندما أظهر بوضوح الانتماء الثنائي لهذه الجالية، لأوطانها الجديدة التي تعيش فيها، إلى جانب انتمائها الأبدي لفلسطين، هذه الثنائية هي مصدر قوة وليست مصدر ضعف، وعلى حكومات دول الشرق الأوسط التي تستقبل اللاجئين هذه الأيام، أن تحترم حقوق هؤلاء وتحترم المواثيق الدولية، فالحق واحد لا يتجزأ.

طبيب عربي مقيم في فرنسا

مقالات ذات صلة