المقالات

قراءة هادئة في علاقة حماس وقطر

قراءة هادئة في علاقة حماس وقطر

عدنان أبو عامر

حين قررت حماس مغادرة سوريا، في قرار تاريخي سيكون له ما بعده من تبعات ونتائج، علمت يقيناً أن الوطن العربي بمساحته الزائدة عن 14 مليون كم2، ودوله الـ22، سيضيق عليها، ولن يقبل أي بلد استضافتها على أراضيه، لاعتبارات كثيرة ليس أقلها غضب الإدارة الأمريكية من جهة، ومن جهة أخرى عدم منح الإسلاميين في بلاده دعماً شعبياً من خلال تواجد قادة فلسطينيين إسلاميين بينهم، بما فيها دول الربيع العربي التي نجحوا فيها كمصر، تونس، وليبيا.

ولذلك أجرت حماس اتصالات مع بعض الدول التي يمكن أن تستوعبها، وتفتح لها حدودها، ومن ضمنها: الأردن، السودان، لكنها أبدت اعتذاراً دبلوماسياً عن ذلك، وإن رحبت بقدوم العشرات من كوادرها المغادرين من سوريا إليها.

في هذه الحالة، ظهرت أمام حماس خيارات جغرافية لم توضع على أجندتها في السابق، ولو من باب الدعابة الساخرة، كأن ينتقلوا إلى دولة قطر، بعد أن باتوا كما قال دبلوماسي غربي موجودين أغلب الوقت في الطائرات، ويتنقلون بينها وبين مصر والأردن وتركيا والسودان، ويقومون بالاتصالات للعثور على قواعد جديدة.

• الدعم المالي

تعود علاقة حماس بدولة قطر إلى سنوات ما بعد فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة إثر فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، وفي حين غابت العديد من الدول عن مساعدة الفلسطينيين، ظهرت قطر مع تركيا ماليزيا وبعض المنظمات والعربية والإسلامية، للتخفيف من آثار الحصار، وقد أعد كاتب هذه السطور دراسة مستفيضة رقمية إحصائية بحجم المساعدات القطرية المقدمة لقطاع غزة.

وازدادت العلاقة جرعة ثقيلة العيار حين عقدت “قمة الدوحة” خلال الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة 2008-2009، ودعت إليها قائد حماس خالد مشعل، وجلس للمرة الأولى بجانب رؤساء عرب وإقليميين، أبرزهم: “الشيخ حمد، بشار الأسد، أحمد نجاد، طيب أردوغان”، وأعلنت قطر تقديم 250 مليون دولار لإصلاح الأضرار الناجمة عن آلة الحرب الإسرائيلية، رغم اعتبار الحركة لنتائج القمة بـ”المنقوصة وغير الفعالة”.

كل ذلك منح قطر دور اللاعب الرئيس في الملف الفلسطيني بشكل جلي، انطلاقاً من رؤيتها لحصار غزة بأنه ظالم لا يستند لمشروعية قانونية أو أخلاقية، مما دفع برئيس حكومة حماس في غزة إسماعيل هنية، وعدد من وزرائه للإعراب عن شكرها، لأن دعمها للشعب الفلسطيني مستمر دون توقف، و”بلا اشتراطات”، وباتت تشكل دائماً الداعم السياسي والمادي، وللمشاريع الإنسانية والخيرية.

• التوازنات الدقيقة

لم يتوقف دعم قطر لحركة حماس على الجانب المالي المقدم على شكل هبات ومنح ومشاريع ميدانية، وليس أموالاً نقدية، كما تأمل حماس، لتعويض توقف الدعم الإيراني، وإعلان حماس بصورة غير مسبوقة أنها تعاني أزمة مالية خانقة، وفقاً لما أكده خالد مشعل وخليل الحية وسامي أبو زهري،وهم قادتها في الداخل والخارج.

بل اتضح العمق الإقليمي الذي وفرته الدوحة لحماس، باعتبارها “العرابة” لها في المحافل الإقليمية والدولية، وهنا تأتي زيارة أميرها إلى غزة في أكتوبر 2012، ودعوته في القمة العربية الأخيرة في مارس 2013 لعقد قمة مصغرة لبحث مصالحة فتح وحماس، اعتبرتها الأولى خطوة قطرية للدفع بالأخيرة لسحب حصرية تمثيلها.

هنا يقع بعض من يكتبون في علاقة الجانبين في إشكالية تقديم فرضيات غير مستندة لمعلومات، باعتبار أن الدعم القطري لن يكون بدون ثمن من حماس، رغم عدم إنكار كاتب السطور لوجود “المال السياسي”، كما أن حماس ليست ساذجة إلى حد أن ترى في دولة قطر جمعية خيرية، لكنها تنتهج سياسة خاصة أكثر مبادرة وتوازناً من باقي دول الخليج العربي الأكثر تحفظاً واحتفاظاً بنمط واحد من العلاقات والسياسات، ورغم انفتاحها الإيجابي على الحركة، فإنها الدولة التي تستضيف أهم القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، ولا يمكن أن تمنحها ما تحتاجه من الدعم الذي يلزم مقاومتها المسلحة.

لذلك تعلم حماس جيداً أن الدعم القطري المأمول لن يتجاوز الشق المالي والجانب السياسي فقط، دون أن يصل الدائرة العسكرية التي تمتعت به حماس إبان انخراطها في تحالفها مع إيران وسوريا، رغم أنها الأكثر إلحاحاً وطلباً، لاسيما من جناحها العسكري كتائب القسام، وهو ما كان محور نقاش بين الجانبين داخل الحركة في “الابتعاد عن حلفاء الأمس والاقتراب من أصدقاء اليوم”.

وتدرك حماس أيضاً أن قطر، وإن كانت لا تأتمر بتعليمات الإدارة الأمريكية كما يقول خصومها، لكنها في الوقت ذاته ليست بصدد أن تشق عصا الطاعة معها، وتستجلب عداءها من جهة، ومن جهة أخرى فهي دولة تعرف حجم قدراتها، وتدرك أن أفقها في العلاقة مع حماس سياسي دعائي مالي في حده الأقصى.

واستكمالاً لذلك، فإن ما تمتعت به حماس في دمشق وطهران من ظروف الأريحية والاستقرار أضعاف ما تعيشه اليوم بالدوحة، لم يمنح القيادتين السورية والإيرانية حق التدخل يوماً في قراراتها، رغم ما وفرتاه لها من دعم مالي وتدريب عسكري، فكيف والحال مع قطر، الحاضنة المستجدة، التي أكثر ما يمكنه أن تقدمه للحركة مجرد استضافة لبعض قياداتها دون حراك فاعل على أرضها يسند عملها المسلح في الداخل.

• القرار المستقل

ولعل الزائر للعاصمة القطرية اليوم يجري مقارنة موضوعية عن الفروقات الهائلة التي تختلف فيها عن نظيرتها السورية، فقيادة حماس في دمشق كانت تجوب البلاد طولاً وعرضاً، ومنزل خالد مشعل في حي المزة كان يشبه إلى حد بعيد قصراً رئاسياً من حيث الحراسة الأمنية، والزائرين الفلسطينيين والسوريين والعرب، وقد استمعت إلى دعابة تداولها بعض السوريين حين كنت هناك قبل سنوات مفادها أن مشعل في مكانته المرموقة وصل لأن يكون الرجل الثاني في الدولة بعد الرئيس الأسد، وهو ما ضحى به الرجل مقابل موقف مبدئي من الثورة السورية دفع ثمنه باهظاً!

هذا الوضع الذي توفر لحماس في دمشق، لم يحولها -كما تقول- ألعوبة بيد النظام هناك، ولعل حالة القطيعة معه حالياً أثبتت عدم صحة الاتهامات الكثيرة ضدها حول تبعيتها لسوريا وإيران، وأنها مجرد أداة لخدمة مشاريعهما في المنطقة، وهو ما ينطبق عليه الحال على قطر.

الدوحة من جهتها، لم توفر لحماس حتى كتابة هذه السطور 10% مما وجدته في دمشق بين عامي 2000-2011، مما يجعل تأثيرها على الحركة بعيداً لأن يصبح سحرياً، أو أن تصبح جزءً من منظومتها السياسية في المنطقة، لاسيما مع وجود فروقات جوهرية في سياسة الجانبين، فهي لا تخفي تواصلها مع إسرائيل، رغم إغلاق مكتب التمثيل التجاري هناك، مما يضع قادة حماس في حرج شعبي من هذه العلاقة.

لكن حماس وهي تحاول الخروج من هذا المأزق في علاقتها مع قطر، تعتبر أنها تجري اتصالات مع مختلف الأطراف العربية، وإقامة علاقات إيجابية معها، بغض النظر عن توجهها السياسي، وانتمائها الفكري، وإعلان جاهزيتها للتعامل معها لتشجيعها على القيام بواجبها ومسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني، ونصرة قضيته العادلة، لحشد الرأي العام العربي.

وفي ذات الوقت ترفض حماس التدخل في شئونها الداخلية، لأنها ليست جزءً من النظام السياسي “الداخلي” العربي، ولا التجاذبات الداخلية لأي من دوله، لذلك تنأى بنفسها عنها، خاصة وأن قطر –شاءت أم أبت- باتت جزءً من إشكالية عربية إقليمية، وبات اسمها له حساسية شديدة في أكثر من عاصمة عربية، بدءً بالرياض، ومروراً بالقاهرة، وليس انتهاءً بدمشق!

كما أن حماس في علاقتها المستجدة، وتحالفها المتوقع مع قطر تختلف معها في سياساتها تجاه إسرائيل، وتصورها النهائي لحل الصراع معها، لكنها لا تسعى لفتح معارك جانبية معها، واحتفظت بحق التعبير عن ملاحظاتها بشكل موضوعي وملتزم، ونقدها لبعض المواقف القطرية لإيجاد توازن في علاقاتها السياسية.

أخيراً..لعل الوضع الصعب الذي تعيشه حماس، بانتقالها من دمشق التي وصفتها بـ”عاصمة المقاومة وقلعة الممانعة” إلى الدوحة الداعية لإيجاد حل سياسي “واقعي” مع إسرائيل، بدأته منظمة التحرير حين

طردت عام 1982 من بيروت “عاصمة الكفاح المسلح” إلى تونس، التي حكمها “بورقيبة”، ودعت حينها لحل لطي صفحة المواجهة مع إسرائيل! فهل تتكرر النهايات رغم الاختلافات الذاتية والموضوعية؟

المونيتور، 22/4/2013

مقالات ذات صلة