المقالات

بلغاريا إذ تنضم للحرب على حزب الله وحماس

بلغاريا إذ تنضم للحرب على حزب الله وحماس

عريب الرنتاوي

دخلت بلغاريا على قوس الأزمات الممتد في طول المنطقة وعرضها، مرتين خلال شهر واحد، ومن البوابة ذاتها، بوابة ما بات يعرف بـ”الحرب على الإرهاب”.. في المرة الأولى، حين أعلنت صوفيا عن تورط حزب الله في هجوم بورغاس على السائحين الإسرائيليين في تموز/ يوليو الماضي والذي أودى بحياة خمسة إسرائيليين وسائق الحافلة البلغاري.. وفي المرة الثانية، حين أقدمت الشرطة البلغارية على مداهمة فندق يقيم فيه ثلاثة من نواب حركة حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني هم صلاح البردويل ومشير المصري واسماعيل الأشقر، واقتادتهم إلى المطار حيث جرى تسفيرهم إلى تركيا. نواب حماس لم يدخلوا الأراضي البلغارية عبر “الأنفاق”، بل جاءوها بتأشيرات دخول رسمية، للمشاركة في فعاليات مؤتمر إقليمي نظمته إحدى الجهات البلغارية غير الحكومية.. وزير الداخلية البلغاري تسفيتان تسفيتانوف قال أن “هؤلاء الاشخاص دخلوا بلغاريا بتأشيرات لكنهم اظهروا منذ دخولهم أن لديهم دوافع مختلفة عما أعلنوا عنه”.. والحقيقة أننا لا نعرف ما هي هذه الدوافع التي تذرّع بها الوزير لتبرير قرار مؤسف بحق نواب منتخبين من الشعب الفلسطيني. أغلب الظن، أن القرار البلغاري جاء تحت تأثير “النفوذ” و”السطوة” التي يتمتع بها “اللوبي اليهودي” وجهاز “الموساد” الإسرائيلي في هذه الدولة الأوروبية الشرقية الصغيرة.. وهذا الإجراء يلقي بظلال كثيفة من الشك، حول كل ما قيل عن اتهامات بلغارية لحزب الله اللبناني بالضلوع في عملية تفجير حافلة بورغاس السياحية، لا بل أن كل ما قيل ويقال عن “اتهام مفبرك” للحزب، من صناعة إسرائيلية خالصة.. قد اكتسب صدقية إضافية بعد حادثة طرد نواب حركة حماس.. فقد بات واضحاً لكل أعمى وبصير، أن صناعة القرار في صوفيا تُدار من قبل تل أبيب، وأن الدولة التي خرجت ألوف الطلبة الفلسطينية من مختلف المعاهد والتخصصات، تريد أن تصفي الحساب مع تاريخها الاشتراكي، وتدخل “جنة الغرب ورساميله” من بوابة الموساد واللوبي اليهودي. وسيكون بمقدور حزب الله وأصدقائه بعد اليوم، أن يرفعوا أصابع الاتهام في وجه الدولة البلغارية “الأسيرة”.. فإذا كان الحزب متهم بالتورط بفعلة إرهابية، حدثت بالفعل على الأرض البلغارية، فما المسوّغ لهذا التصرف اللا أخلاقي بحق قادة حماس ونوابها؟.. هل كانوا في مهمة “إرهابية” إلى صوفيا، وما هي “الدوافع الأخرى” التي دفعت الوزير تسفيتانوف لتحريك “قواته” على عجل، لاقتحام الفندق وإلقاء القبض على النواب الثلاثة وطردهم خارج حدود بلاده؟. يبدو أن بلغاريا قررت الدخول بقوة على خط “الحرب على الإرهاب” ومن البوابة والمنظور الإسرائيليين، وهي تجند نفسها اليوم للقيام بدور متقدم لـ”شيطنة” حزب الله وحركة حماس، ودائماً بلا أهداف أو مصالح بلغارية مجردة، بل خدمة لأهداف إسرائيلية وقحة وفجّة.. وهو الأمر الذي يفسر إلى حد كبير، تردد دول الاتحاد الأوروبي في اعتماد الرواية البلغارية لحادثة بورغاس، وعدم تجاوبه لدعوات صوفيا وتل أبيب بإدراج حزب الله في اللائحة الأوروبية السوداء للمنظمات الإرهابية. المؤسف إن هذا السلوك البلغاري المعادي للقضايا العربية، يجد ترحيباً من قبل أوساط عربية، ولاعتبارات أنانية وانتهازية ضيقة، تتصل بالصراعات المحلية على السلطة والنفوذ في لبنان وفلسطين.. فثمة فريق لبنان بدأ مبكراً في الترويج للرواية البلغارية وكأنها من حقائق العصر ومسلماته، بل وبدأ بـ”تقدير البلاء قبل حدوثه” والتبشير بالعقوبات الأوروبية القادمة على لبنان وحكومة ميقاتي (حكومة حزب الله)، لكأن ما صدر عن صوفيا، لا يأتيه الباطل عن يمين أو شمال، أو لكأن القوم يتمنون لو أن حزب الله متورط في الحادثة، وأنه سيلقى جزاءه المرير عليها. أما فلسطينياً، فقد تكشف اتصال وزير الخارجية البلغاري نيكولاي ملادينوف الهاتفي بنظيره الفلسطيني رياض المالكي عن محاولة بلغارية للتبرؤ من الزيارة والزائرين، فالوزير البلغاري كان معنياً بأن يبلغ نظيره الفلسطيني بأنه لم يتم استقبال النواب الثلاثة من قبل مسؤولين حكوميين بلغار، وكذا فعلت ممثلة وزارة الخارجية البلغارية مع السفير الفلسطيني في صوفيا، وبصورة توحي بأن السلطة كانت تطلب توضيحاً عن الزيارة، بدل أن تدين الإجراء البلغاري المهين للشعب الفلسطيني ونوابه المنتخبين، بصرف النظر عن هويتهم السياسية والإيديولوجية، وبمعزل عن حسابات الصراع الفلسطيني الداخلي الأنانية الضيقة. مؤسف كيف تبلغ صراعاتنا الداخلية حداً من التفاقم، يجعل مصائب قومٍ منا عند القوم الآخر فوائد.. ويجعل “المعادلة الصفرية” هي الناظم الأول والأخير لعلاقات القوى فيما بيننا، فكل مكسب يحققه فريق هو خسارة صافية للفريق الآخر، والعكس صحيح، حتى وإن كانت “إسرائيل” هي المستفيد الأول والرابح الأخير.

الدستور، عمّان، 17/2/2013

مقالات ذات صلة