المقالات

الشيخ القرضاوي في غزة || وجهة نظر..!!

الشيخ القرضاوي في غزة: وجهة نظر..!!

هل يستطيع المرء منا أن يناضل من أجل تحرير فلسطين وفي نفس الوقت يؤيد احتلال أو توجيه ضربات عسكرية أمريكية ضد شعوب عربية، أو غير عربية، أخرى؟ هل يمكن للحرية أن تُفصَّل حسب مقاسات محددة؟ هل يمكن أن يكون الفرد المبدئي منا متشدداً في مواقف محددة ومتساهلاً في مواقف شبيهة؟ وبالذات إذا كان هذا الفرد له مكانة دينية واعتبارية عالية المقام.

هذه الأسئلة المشروعة تدور في أذهان الكثيرين منا بعد وصول الشيخ يوسف القرضاوي في أول زيارة له منذ عام 1958 الى قطاع غزة، والحفاوة الكبيرة التي استقبل بها، مع إمتناع العديد من الشخصيات وممثلي الفصائل الوطنية عن مقابلته أو الترحيب بزيارته.

كان الشيخ قد أجاز الاستعانة بقوات الناتو قبل عامين للتخلص من نظام معمر القذافي في ليبيا بعد أن كان قد أباح دمه. وكان البعض قد تساءل وقتها إن كانت الإستعانة “بالمشركين” مباحة؟!

وكان الشيخ قد أطلق عبارات تحريضية قبل عدة أيام من الهجوم الإسرائيلي الأخير على سورية، حيث دعا الولايات المتحدة الأمريكية الى “أن تقف وقفة رجولة، وقفة لله، وقفة للحق وللخير وتتدخل للدفاع عن الشعب السوري!” والسؤال المنطقي في هذا السياق ما هي الشعوب التي تدخلت أمريكا للدفاع عنها سابقاً؟ وبما أنه أصبح هناك أسبقيتان قامت من خلالهما أمريكا بالاستجابة لدعوات الشيخ القرضاوي، هل من الممكن دعوتها أن “تقف وقفة رجولة” مرة أخرى للدفاع عن الشعب الفلسطيني؟ لم يسجل التاريخ لأمريكا موقفاً مسانداً لقوى التحرر في العالم مطلقاً. على العكس من ذلك، فإن معظم العمليات الديمقراطية الحقة والتي أدت الى فوز قوى ديمقراطية تحررية مستقلة عن أمريكا وتدافع عن قرارها الوطني المستقل، كانت تُحارَب وتُجهَض بشكل دموي إما من خلال تدخل عسكري سافر، أو تدبير انقلابات عسكرية. فمن تجرية مصدق في إيران، الى باتريس لومومبا في الكونغو، الى هيوجو تشافيز في بوليفيا، الى سلفادور الليندي في تشيلي، كانت الولايات المتحدة، ولا زالت، تنظر االى مصالحها الإمبريالية فقط.

لا شك أن الشيخ قد قام بزيارة المباني المهدمة في القطاع، ورأى الدمار الهائل الذي خلفته الآلة الحربية الإسرائيلية. ولا شك أنه يعلم أن الطائرات التي قصفت هذه البيوت وقتلت 1434 شهيد، من بينهم 434 طفل، وجرحت عشرات الآلاف عام 2009، وعادت عام 2012 لقتل 200 وتدمير العديد من المؤسسات والبيوت، هي من نوع “اف15″ و”اف16″ و”أباتشي” المصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية..! ولا شك أن الشيخ الجليل يعلم أن الحصار الخانق الذي تفرضه اسرائيل على القطاع الصامد الذي يزوره كان لا يمكن أن يستمر بدون الدعم الأمريكي..! وهو يعلم أيضاً أن أكثر من 70% من سكان القطاع البطل هم لاجئون شُردوا من ديارهم عام 48 ولا يُسمح لهم بالعودة بسبب موقف الولايات المتحدة الأمريكية..!

هي نفس أمريكا التي تملك أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط على بعد أمتار من منزل الشيخ الجليل..! نفس القاعدة التي انطلقت منها الطائرات الأمريكية لمهاجمة العراق وقتل مئات الآلاف من الأطفال والنساء.

هي أمريكا التي حافظت على معظم الأنظمة الديكتاتورية في العالم النامي، وبالذات العربي منها. هي نفسها التي دعمت نظام الديكتاتور المخلوع حسني مبارك، كنز اسرائيل الإستراتيجي، لما يزيد عن 30 عاماً، وحاولت إنقاذه في بداية الثورة المصرية المجيدة.

هل يقوم الشيخ بالدعوة للتخلص من النظام الوهابي في المملكة العربية السعودية، مثلا، والذي يعلم القاصي و الداني مدى قمعه للحريات؟ وهل يطلب من أمريكا التدخل دعماً لثورة البحرين؟!

ولكن هذه الأسئلة قد تُعتبر “مغرضة” لأن الشيخ، في عيون مريديه، قد يُعتبر منزه عن الهوى..! وحتى لا يكون لدى البعض شك فإن الموقف المبدئي يكمن فيدعم الثورات الشعبية للتخلص من الأنظمة الديكتاتورية القمعية كلها، بما فيها النظام السوري الدموي، التي تتحكم في العالم العربي، بدون أي تدخل أجنبي. ولا شك أن الجنون القمعي، المغلف بطائفية بغيضة تلامس الفاشية، الذي استخدمه النظام السوري منذ بداية الثورة، وبالذات في أول 6 أشهر، قد أدى الى هذا الإستقطاب الثنائي الذي وقع في شراكه الشيخ الجليل وقرر أن الإستعانة بالشيطان شيء مستباح. ولكن بالإضافة لذلك نجد تناغماً واضحاً بين الموقف الرسمي القطري-الخليجي، في إطار المحور الجديد المتشكل في العالم العربي، وموقف الامام القرضاوي.

* أكاديمي فلسطيني من قطاع غزة، محلل سياسي مستفل وناشط في حملة المقاطعة.

haidareid@yahoo.com

بقلم: د. حيدر عيد

مقالات ذات صلة