المقالات

حمام تركي

حمام تركي

ايلي كرمون

السياسيون والمحللون الذين يؤمنون بانه يمكن تحسين علاقات اسرائيل تركيا من خلال الاعتذار العلني ودفع تعويضات لمصابي مرمرة تلقوا هذه الايام دليلا على أن الامر متعذر تحت حكم رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان.

في أعقاب ما وصفته وسائل الاعلام كغارة لسلاح الجو الاسرائيلي على قافلة صواريخ مضادة للطائرات متطورة في اثناء العبور من سوريا الى حزب الله في لبنان، صرح وزير الخارجية احمد داوداوغلو يقول ان تركيا لن تبقى غير مبالية أمام الهجمات الاسرائيلية على الدول الاسلامية وألمح بان سوريا كان ينبغي لها أن تهاجم اسرائيل. أما اردوغان فأعلن يقول ان ‘الهجوم الاسرائيلي غير مقبول على الاطلاق’، اتهم اسرائيل ب ‘ارهاب الدولة’ وحذر من ان ‘التاريخ لن يغفر لدولة اسرائيل’.

وتبدو تصريحات الزعماء الاتراك متهكمة في ضوء المساعدة التركية للمعارضة السورية بالسلاح، التدريبات، الاموال والتنسيق مع السعودية وقطر، اللتين تمولان المعارضة السورية الاسلامية. وحرصت تركيا أساسا على تعزيز مكانة حركة الاخوان المسلمين السوريين على امل أن تحقق موطيء قدم مستقبلي في ما يجري في سوريا.

كما أن هذه تصريحات تهكمية أيضا في ضوء طلب تركيا الحصول من الناتو على صواريخ ‘باتريوت’ للدفاع ضد أعمال الرد السورية وموافقتها على نصب رادار يحميها ويحمي اوروبا من تهديد الصواريخ الايرانية، رغم المعرفة بان اسرائيل هي جزء من منظومة الرادار المضادة لايران.

تستند الاستراتيجية التركية الى عنصرين: محاولة لقيادة العالم الاسلامي السني والانتصار في المواجهة بين الكتلة السُنية والكتلة الشيعية بقيادة ايران. ومنذئذ تقف الانتفاضة السورية في مركز هذه الاستراتيجية فيما تحاول ايران الحفاظ على ذخرها الاهم في العالم العربي وتركيا تحاول ان تنسب لنفسها التغيير في النظام العلوي ونيل التفوق الاستراتيجي الاقليمي.

يرى أردوغان نفسه منذ زمن بعيد بانه زعيم العالم الاسلامي، مثابة السلطان العثماني الجديد، مثلما وصف في اثناء المظاهرة الجماهيرية المؤيدة لتركيا التي نظمتها حماس وجمعية ؟؟؟ في غزة في شباط 2010، قبل أشهر من حادثة مرمرة. وقد عانق حركة حماس الاسلامية منذ زيارة خالد مشعل الى تركيا في 2006، قبل وقت طويل من حملة ‘رصاص مصبوب’ وحادثة مرمرة، على حساب قيادة السلطة الفلسطينية. وفقط عندما رفعت السلطة الفلسطينية طلبا لقبولها الى الامم المتحدة كمراقب، تذكرت تركيا أن تصبح أيضا سيدة أبو مازن كي لا تفوت هذه المكانة الخاصة في ظل استمرار الدعم النشط لحماس.

مشكلة تركيا في الساحة العربية هي المنافسة مع مصر بقيادة الاخوان المسلمين، والتي تتطلع الى استعادة المجد وقيادة العالم العربي. وليس صدفة أنه لم يسمح لاردوغان بزيارة قطاع غزة في اثناء زيارته المغطاة اعلاميا الى مصر في ايلول 2011. وفي تلك الزيارة رد الاخوان المسلمون في مصر بغضب على نصيحة اردوغان تبني النموذج التركي للدولة العلمانية، وصرح مسؤولو الحركة بان اردوغان لا يمكنه ‘ان يقود المنطقة أو يرسم مستقبلها’.

ويأتي دعم تركيا لحماس والقضية الفلسطينية أيضا لاغراض داخلية: لتعزيز مكانة اردوغان في الرأي العام الاسلامي والقومي في تركيا. والهجوم على اسرائيل في السياق السوري يأتي على ما يبدو لتعزيز مكانة اردوغان في اوساط العلويين في جنوب غرب تركيا والطائفة الكبيرة، العلمانية في معظمها، للعلويين الاتراك، الذين يعارضون السياسة المناهضة لسوريا، تمهيدا للخطوات لتغيير الدستور وتطلعه لان ينتخب في 2014 رئيسا ذا صلاحيات موسعة. ولما كانت هذه الاعتبارات ستؤثر على السياسة الداخلية والخارجية التركية في المستقبل المنظور، من الصعب أن نرى اي تغيير في سياسة اردوغان تجاه اسرائيل وتوقع تحسن في العلاقات بين الدولتين.

معاريف 5/2/2013

القدس العربي، لندن، 6/2/2013

مقالات ذات صلة