المقالات

عن دور سورية القومي باختصار شديد

عن دور سورية القومي باختصار شديد

نضال حمد

كثيرا ما يعلق البعض في مواقع التواصل الاجتماعي او في الشبكة الالكترونية بشكل عام فيقولون ان سورية لم تقاتل طوال السنوات الماضية. وبان سلاحها وجد فقط للتكديس والتخزين ولا فائدة منه لأنه لا يستخدم إلا في قمع الشعب السوري والمعارك الجانبية. هذا الكلام بعيد عن الواقع و لا أسس له. ولو سلمنا فرضا بقصة الاحتفاظ بحق الرد كما تقول بعض الكتابات والتعليقات التي لا ترى سوى ما تريد رؤيته، فلسورية أسبابها الجوهرية والتي افهمها وأتفهمها بدوري، في السنوات الماضية سنوات الشباب والفورة الثورية كنت كشاب ناشئ وكمراهق سياسي وحزبي ثوري مستعجل و”محروقة بصلتي” كما يقول مثلنا الشعبي، وكنت اردد نفس هذا الكلام كببغاء لا يعرف سوى تكرار أشياء يسمعها ولا يفهمها. الآن وبعدما كبرنا وعجنتنا التجارب السياسية والعسكرية والحياتية وتعرفنا على العالم الأوسع والأرحب أصبحنا نفكر بأسلوب ناضج وأكثر واقعية ومنطقية وعقلانية. بكل بساطة لقد علمتنا ذلك تجاربنا السابقة وهي ان سورية وحدها لا تستطيع خوض معركة مع الكيان الصهيوني، الذي بدوره هزم كل الأنظمة العربية مجتمعة في حروب عديدة ولم تهزمه سوى مقاومة حزب الله والقوى الوطنية والقومية واليسارية والإسلامية اللبنانية والفلسطينية بدعم سوري مباشر في حربين وحيدتين سنتي 2000 و 2006 في لبنان. مع تذكير بصمود فلسطيني لبناني رائع وأسطوري إبان الغزو الصهيوني للبنان في شهر حزيران – يونيو 1982 ومن ثم حصار بيروت الشهير الذي استمر في ظل صمت عربي مطبق نحو 3 شهور متواصلة. ان دخول سورية في هكذا مغامرة قد يكلفها دمارها خاصة أن الأنظمة الأخرى كلها مستسلمة وفي جيب الصهاينة والأمريكان.

تحضرني الآن محطات كان فيها لسورية مواقفها العربية القومية المكلفة التي تدفع هذه الأيام فواتيرها كما دفعها نظام العقيد معمر القذافي بأثر رجعي بالرغم من تحوله السياسي الدراماتيكي في السنوات الأخيرة وقبل الإطاحة به واغتيال العقيد القذافي وأفراد من عائلته بطريقة بشعة جدا وبمساعدة عسكرية ضخمة من حلف الأطلسي والرجعيات العربية. :

في حرب رمضان أو تشرين أول – أكتوبر سنة 1973 أوقف السادات المعارك في سيناء فسحب الصهاينة قواتهم من هناك الى جبهة الجولان وبقيت سورية تقاتل لوحدها في الجولان لعدة أشهر وكادت تدمر. لولا تدخل الجيش العراقي واستبسال الجيش السوري ومعه قوات جيش التحرير الفلسطيني والفدائيين الفلسطينيين على جبهات القتال.

في 1982 حاول السوريون دخول معركة غزو لبنان وكلفهم ذلك دمار معظم وحداتهم البشرية والصاروخية والمدفعية والدبابات والدروع المنتشرة في لبنان. أضف لذلك سقوط حوالي 100 طائرة مقاتلة سورية في معركة جوية غير متكافئة مع الطيران الصهيوني الحديث في الأجواء اللبنانية.

ورغم انعدام الحماية الجوية وخروج سلاح الطيران والصواريخ المضادة للطيران من المعركة بعد تدميرها فقد أبلى الجنود السوريون بلاءا حسنا في معاركهم ضد الصهاينة في جبل لبنان والبقاع واستطاعوا أيضا وقف التقدم الصهيوني وإبادة بعض القطعات الصهيونية المتقدمة باعترافات الصهاينة أنفسهم.

بعد توقيع اتفاقية 17 أيار 1983 بين آل الجميل والفاشيين الانعزاليين اللبنانيين مع الكيان الصهيوني برعاية امريكية أعادت سورية تسليح المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وخاضوا كلهم معا معركة إسقاط الاتفاقية وتحرير لبنان من الاحتلال الصهيوني والتدخل الغربي الأمريكي الأطلسي المباشر عبر القطعات البحرية والجوية التابعة للأسطول الخامس الأمريكي ممثلة بالبارجة نيوجرسي وغيرها في معارك سوق الغرب والجبل.

بعد 1982 لولا موقف سورية واحتضانها ودعمها للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية لما كان هناك مقاومة في الوطن العربي من محيطه الى خليجه والعكس. ومن ثم وبعد استسلام الجميع ودخولهم إسطبل أمريكا والصهاينة بعيد مؤتمر مدريد ومن ثم اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والصهاينة واتفاقية وادي عربة بين الأردن والصهاينة، اللتان جاءتا مكملتين لاتفاقية كمب ديفيد بين نظام أنور السادات في مصر والصهاينة بقيادة الجزار بيغن، لم يبق في الساحة الرسمية العربية الرسمية إلا سورية تعلن الرفض والمواجهة وتبني المقاومة ودعمها. ولم نجد كفلسطينيين مكانا يأوينا بالرغم من الخلافات السياسية المتقطعة بين الجانبين سوى الشام بمدنها وقراها ومخيماتها. فهل يعتقد البعض انه كان يمكن تغيير المعادلة شرق المتوسط لولا موقف النظام السوري؟ ..

يعني بوضوح أكثر لو أن الشعب السوري أراد أن يستقبل الفصائل الفلسطينية ويسمح لها بالعمل والإقامة في سورية والنظام رفض ذلك، هل كان يمكن لنا البقاء هناك والاستمرار بعملنا كمقاومة؟. طبعا لم يكن ممكنا ولا يمكن. ولنا أمثلة عربية عديدة في مصر مبارك والأردن الرسمي وغيرهم من دولنا العربية العتيدة.

سورية لم تقبل الاستسلام للمشروع الصهيوني الأمريكي الرجعي العربي، ولا ما يسمونه السلام ولم تدع أحدا من العرب والفلسطينيين للاستسلام او المفاوضات والتطبيع والسلام ورفضت كل ذلك، ولم تعمل به لا بل حاربت لأجل إسقاطه. وفي 2006 استقبلت سورية اللاجئين اللبنانيين وفتحت لهم كل سورية. تماما كما فتحت للمقاومة اللبنانية كل مستودعاتها من الأسلحة. فكان النصر المبين لرجال الله في الميدان وللأمة العربية والإسلامية ولفلسطين أولا على كيان الصهاينة الغاصبين.

وسورية هي التي دربت وسلحت وآوت المقاومة الفلسطينية بكل أنواعها من اليسار الى اليمين الى الإسلاميين ( حماس والجهاد) وفتحت لهم المعسكرات والقواعد وسلحتهم ودربتهم ووفرت لهم المكاتب والمقار والظهر السند. ورغم هذا خرج من بين ظهرانينا بعض المتطفلين على العمل السياسي والمقاوم وغدروا بسورية وبفلسطين وبالأمة العربية.

متناسين ومتجاهلين وبعضهم حتى متنكرين وناكرين ان صواريخهم التي دكت تل أبيب والقدس والمدن والمستوطنات الصهيونية في فلسطين المحتلة والتي حمت غزة من العدوان، لم تأت من قطر وتركيا والسعودية بل هي صواريخ سورية وإيرانية ومن حزب الله.

ما يحدث في سورية مؤامرة وتدمير متعمد ومرسوم لسورية وجيشها ومقدراتها ومدنها وقراها وما بنته خلال السنوات الماضية. فالذين ينقلون جرحاهم للعلاج في مستشفيات الكيان الصهيوني في صفد والجولان المحتل ونهاريا لن يحرروا فلسطين ولن يقيموا نظاما عادلا في سورية. هؤلاء بكل بساطة خونة وعملاء ومأجورين ينفذون مشاريع أعداء الأمة.

إذا كان بديل النظام السوري الحالي ان تحل شريعة الغاب مع “داعش” و”النصرة” والجماعات الإسلامية التكفيرية وكل الذين يعيثون دمارا وقتلا وتجهيلا في سورية والوطن العربي، فمن الطبيعي ان نجد عقلاء الأمة كلهم مع النظام السوري وضد هؤلاء الذين لم يطلقوا طلقة واحدة في سبيل تحرير فلسطين او مقاتلة الصهاينة الغاصبين. والفرق بين هؤلاء القتلة والنظام السوري ان القتلة يخدمون مشروع تدمير الأمة بينما النظام السوري بجيشه العربي وشعبه الأبي يدافع عن آخر معاقل هذه الأمة المستباحة.

ميزان احترامي أنا اللاجئ الفلسطيني المشرد لأي طرف ودعمي له، هو موقفه من قضية فلسطين والكيان الصهيوني والمعسكر المعادي للأمة.. ومكان استخدام هؤلاء للسلاح وهدف الاستخدام سواء تحت شعار الثورة أو الجهاد أو الخ .. فأي سلاح يستخدم ضد العروبة والدول التي ترفض الاستسلام والتطبيع والسلام الكاذب هو سلاح مشبوه ومرتبط بمعسكر الأعداء وبمشاريعهم التدميرية، التي هي مشاريع كونداليسا رايس والثورة الخلاقة، التي ينفذها عملاء الصهاينة وأقزام الصهيوني الفرنسي برنارد ليفي وشرق أوسطه الجديد. ان مشروع ضرب سورية ونهج المقاومة هو مشروع تحقيق الحلم الصهيوني بإقامة كيان الصهاينة من الفرات الى النيل .. لا بل من المحيط الى الخليج ومن الخليج الى المحيط.

نضال حمد – أوسلو

مقالات ذات صلة