أخبار الجاليات العربية

محاضرة الرئيس في مدينة مونشنغلادباخ الالمانية

نص كلمة فخامة السيد الرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، أمام مبادرة منشن غلادباخ الألمانية حول فرص السلام في الشرق الأوسط:_

سعادة السيد نوربرت بوديه عمدة المدينة،

سعادة السيد رولف كونينغز

السيدات والسادة أعضاء مبادرة منشن غلادباخ،

السيدات والسادة الحضور،

أود بداية أن أشكركم على دعوتكم الكريمة لي، لأتحدث إلى هذه النخبة المحترمة من الشخصيات المرموقة، موجهاً التحية والتقدير لكل واحدٍ منكم، ومهنئاً بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس مبادرة منشن غلادباخ، هذه المبادرة الرائدة، التي وضعت نصب عينيها جملة من الأهداف النبيلة خدمة للمجتمع المدني وتنمية الاقتصاد في منطقتكم، وذلك عبر هذا التجمع المتميز من الأعضاء المنتمين إليها، من شركات ومؤسسات لامعة على المستوى الإقليمي والعالمي.

وهي فرصة أتقدم من خلالها بالتحية والتقدير للمشاركين في هذه الندوة من المؤسسات الأهلية والاقتصادية والشخصيات الألمانية السياسية منها والثقافية، إضافة إلى رجال المال والأعمال، الذين آمنوا وعملوا في إطار من التعاون والتضامن الذي يمكنهم من تحقيق التقدم وتقديم المساعدة للآخرين من أجل ضمان مستقبل أفضل لمنطقة منشن غلادباخ وسكانها وبنيتها التحتية، هنا في منطقة شمال غرب الراين، بل وفي جميع أنحاء ألمانيا.

وبهذه المناسبة، نود أن نشيد بمستوى العلاقات الثنائية الألمانية الفلسطينية مقدرين عالياً للحكومة الألمانية، ولشعب ألمانيا الصديق، كل ما يقدمونه لفلسطين من دعم اقتصادي أسهم في تمكيننا من بناء وتمكين العديد من مؤسسات دولتنا الفلسطينية، وإقامة عدد كبير من مشاريع البنية التحتية، على أسس علمية وعصرية ستسهم في رخاء وازدهار المجتمع الفلسطيني.

السيدات والسادة،

أجدد لكم الشكر والتقدير على عقدكم لهذه الندوة تحت عنوان:” فرص السلام في الشرق الأوسط ‘، ودعوتكم لنا بالمشاركة.

إن اهتمامكم هذا يبعث في نفوسنا مزيداً من الثقة والأمل بضرورة تحقيق السلام في منطقتنا، فجوهر الصراع ولبه كان ولا يزال قضية فلسطين. أما الظلم التاريخي الذي وقع على شعبنا الفلسطيني، منذ ما يزيد على ستة عقود ونصف من الزمن، فهو مثقل بالكثير من المعاناة والدماء والدموع لشعبنا.

وانطلاقاً من إيماننا وقناعتنا بضرورة تحقيق السلام والتعايش، فإن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني حيثما وجد، قد تحملت المسؤولية، واتخذت قرارات تاريخية صعبة، وأقرت عبر مؤسساتها وهيئاتها القانونية، القبول بإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، على أقل من ربع مساحة فلسطين التاريخية.

وها قد مضى منذ شروعنا بعملية التفاوض مع الإسرائيليين ما يقارب عقدين من الزمن، ولا زالت فلسطين وشعبها، ينتظران موعدهما مع الحرية والاستقلال وتجسيد السيادة على التراب الوطني الفلسطيني، طبقاً لقرارات الشرعية الدولية؛ ومبادرة السلام العربية، المعتمدة في قرار مجلس الأمن (1515) كسبيل لتحقيق السلام والاستقرار في منطقتنا.

السيدات والسادة،

إنني إذ أتحدث إليكم اليوم باسم دولة فلسطين وشعبها، لأشعر بأننا لسنا وحدنا في هذا العالم، وأن هناك الكثير من الأصدقاء ومحبي الحرية والعدل والسلام، الذين يؤازروننا لتحقيق أحلام شعبنا، وتطلعاته الوطنية للعيش بكرامة في وطنه فلسطين.

وتعلمون أن دولة فلسطين أصبحت عضواً مراقباً في الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني من العام الماضي، وجاءت هذه العضوية لا لتنفي الشرعية أو تنزعها عن أحدٍ، وإنما لتكريس شرعية دولة يجب أن تقام هي فلسطين، وأن المجتمع الدولي الذي صوت للاعتراف بفلسطين وبغالبية كبيرة، إنما كان يعطي قوة دفع لدعم خيار السلام، وبث الحياة من جديد في عملية السلام.

ولقد كنا عند كلمتنا في وعدنا لأصدقائنا في أوروبا والعالم، حينما قلنا لهم إن عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة ليست بديلاً عن المفاوضات وأننا سنعود لمائدة المفاوضات وأنه لا يوجد تعارض بين الانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة والذهاب للمفاوضات. وها نحن قد عدنا للمفاوضات.

وها قد بدأت منذ أسابيع جولة جديدة من المفاوضات، بفضل الجهود الحثيثة، والتي نقدرها عالياً لفخامة الرئيس باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة، ووزير الخارجية السيد جون كيري.

وأود أن أجدد التأكيد أمام هذا الحضور الموقر، بأننا باشرنا هذه المفاوضات وسنمضي من جانبنا قدماً فيها بنوايا صادقة مخلصة، وعقول منفتحة وتصميم وإرادة قوية على النجاح، وسنحترم وننفذ كما دأبنا على ذلك التزاماتنا كافة، وسنخلق بيئة مؤاتية لإنجاح هذه المفاوضات، بغية التوصل لاتفاق سلام خلال تسعة أشهر.

السيدات والسادة،

إننا لا ننطلق من فراغ ولا ندور في متاهة، وإنما نحن على دراية بخط النهاية ومحطة الوصول، فغاية السلام الذي ننشد تحقيقه محددة، وهدف المفاوضات واضح للجميع ومرجعية عملية السلام وأسسها ومرتكزاتها مثبتة منذ عهد بعيد؛ فنحن طلاب حق وعدل وسلام، نسعى لرفع ظلم لحق بشعبنا منذ النكبة عام 1948.

إننا نتطلع لتحقيق سلام عادل ينعم بثماره الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي، وشعوب المنطقة كافة، فهدف المفاوضات هو التوصل لاتفاق سلام دائم يقود إلى قيام دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، لتعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلا عادلاً ومتفقاً عليه وفق القرار الأممي 194، وكما نصت عليه مبادرة السلام العربية.

نجدد التأكيد بأننا لا نقبل الدخول في اتفاق مؤقت جديد وبما في ذلك الدولة ذات الحدود المؤقتة، أو الانخراط في ترتيبات انتقالية، فهدفنا التوصل إلى اتفاق دائم وشامل ومعاهدة سلام بين دولتي فلسطين وإسرائيل تعالج جميع القضايا، وتغلق جميع الملفات، الأمر الذي سيتيح الإعلان رسمياً عن نهاية النزاع والمطالبات؛ وفقاً لقرارات الشرعية الدولية وبما في ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي والقرار التاريخي للجمعية العامة للأمم المتحدة برفع مكانة فلسطين، وقرارات وبيانات الاتحاد الأوروبي، والمنظمات الإقليمية والدولية، وهذه المرجعيات أصبحت في السنوات الأخيرة تحظى بالإجماع الدولي الشامل.

السيدات والسادة،

يدفعنا الأمل والتصميم، وحقوقنا العادلة والمشروعة، للمضي قدماً في طريق السلام، والمجتمع الدولي مطالب بدعم المسار التفاوضي، وبتذليل العقبات لإنجاحه، عبر الالتزام بغايات السلام، وأهداف المفاوضات ومرجعياتها، وأسس الاتفاق الدائم.

السيدات والسادة،

لقد علمنا التاريخ بأن سياسات الحروب والاحتلال والاستيطان والهيمنة والجدران والقمع والاعتقال وهدر كرامة الشعوب هي لزوال، وإن وفرت هدوءاً فهي لن توفر إلا هدوءاً مصطنعاً وزائفاً، وقصير العمر.

ولذا فإن على إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال أن تتخلى عن عقلية بناء الأسوار وغطرسة القوة، والعبور إلى الفضاء الرحب للاعتراف بحقوق الآخر والتعاطي بصورة تحترم مبدأ التكافؤ لصنع السلام العادل في أرض الرسالات السماوية، حيث مهد السيد المسيح عليه السلام ومسرى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ومثوى سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام، وإرساء جسور التعايش والجوار الحسن، والكف عن اختلاق الذرائع والهواجس الأمنية لتكريس احتلالها، والإدعاء بمطالب في القدس الشرقية، تخرج الصراع والنزاع من محدداته وطبيعته السياسية إلى نزاع ديني في منطقة مثقلة أصلاً بالحساسيات، الأمر الذي نرفضه بصورة قاطعة انطلاقا من رفضنا للتطرف والإرهاب بكل أشكاله.

لقد قبلنا بأن تكون القدس عاصمة للدولتين، وأن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية، ونؤمن بأن القدس يجب أن تكون مفتوحة للعبادة لأتباع الديانات الثلاث، الإسلامية والمسيحية واليهودية.

السيدات والسادة،

إن صنع السلام العادل هو الخيار الإنساني والمنطقي والمجدي، ونحن نؤمن بأنه خيار ممكن، وإنني على ثقة بأن الشعب الإسرائيلي هو الآخر يريد السلام، وأن غالبيته تؤيد حل الدولتين؛ إن تحقيق السلام بين فلسطين وإسرائيل هو المدخل الإجباري للتوصل إلى السلام الشامل بين الدول العربية والإسلامية وإسرائيل طبقاً لقرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية، التي تضمن اعتراف 57 دولة عربية وإسلامية بإسرائيل حال إنهاء احتلالها لدولة فلسطين والتوصل إلى سلام نهائي معها.

السيدات والسادة،

إن الفترة القادمة، هي فترة أمل وانبعاث اقتصادي في فلسطين، حيث قدم السيد جون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، مبادرة لتوفير حزمة مشاريع لإنعاش الاقتصاد الفلسطيني، تتيح الفرصة للقطاع الخاص الأجنبي والدولي للاستثمار في فلسطين. ففي فلسطين قانون استثمار عصري مرن، يشجع المستثمرين على القدوم إليها وهم مطمئنون، ونعمل على توفير بنية تحتية وقانونية كفيلة بضمان حرية الاستثمارات الوافدة والمقيمة وتشجيعها، ففلسطين دولة ناشئة، تتمتع بمجتمع شاب، وانفتاح حضاري، ولدينا سوق عمل وإنتاج منفتح على أسواق المنطقة يمكن الاستثمار فيه، على نحو يؤدي إلى منفعة متبادلة كبيرة.

وإنني من هذا المنبر، أدعو المشاركين في هذه الندوة من رجال المال والأعمال لزيارة فلسطين، والاطلاع على الأوضاع فيها، واستطلاع الفرص الاستثمارية المتوفرة والممكنة وما تحمله من آفاق مستقبلية واعدة ومفيدة لنا جميعاً ممن يرغبون في الشراكة معنا، حيث يستطيع المستثمرون عقد شراكات مع المستثمرين ورجال الأعمال الفلسطينيين.

ففلسطين تتمتع بفرص واعدة، ومجالات رحبة وكبيرة لموقعها الجغرافي ولأهميتها في مجال السياحة، والاستثمارات الزراعية والصناعية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وإنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية من خلال الاستثمار في حقول الطاقة البديلة وخاصة الشمسية منها، والتي توجد لدى ألمانيا خبرات منقطعة النظير فيها وفي سواها من المجالات الصناعية والعلمية.

سعادة السيد نوربرت بوديه عمدة المدينة،

سعادة السيد رولف كونينغز

السيدات والسادة،

إننا نعمل دون كلل أو ملل على بناء مؤسسات دولتنا المستقبلية القادمة، ونحن مصممون على النجاح، ونواصل ثباتنا وصمودنا على أرضنا، ونمضي في جهودنا لتحقيق المصالحة الوطنية، وتعزيز دعائم الأمن والسلم الأهلي والمجتمعي وأسس مجتمع مدني قائم على التعددية والديمقراطية، وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.

ويحدونا الأمل بغدٍ مشرق لشعبنا ولكافة شعوب ودول المنطقة دون استثناء. وإن الفشل، في جولات المفاوضات الجارية، ستكون له عواقب لا نتمناها لمنطقتنا والعالم. ومن هنا فإن المجتمع الدولي مدعو لتكثيف العمل واغتنام الفرصة لإنجاحها لما فيه خير الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي وشعوب المنطقة والعالم بأسره.

أجدد لكم التحية، والشكر لمؤسستكم العتيدة ولشعب ألمانيا الصديق ومتمنياً لكم كل التوفيق والنجاح والازدهار.

والسلام عليكم

مقالات ذات صلة