المقالات

قراءة في تشكيل حكومة السلطة الفلسطينية الجديدة

قراءة في تشكيل حكومة السلطة الفلسطينية الجديدة

رامز مصطفى

«كلام الليل يمحوه النهار» قبل أن تمضي مهلة الشهر التي اتفق عليها طرفا الانقسام في الساحة الفلسطينية «حماس وفتح» في الرابع عشر من شهر أيار الماضي في القاهرة لبدء المشاورات لتشكيل حكومة الوفاق الوطني بموجب اتفاق الدوحة الذي وُقّع في السادس من شباط 2012 بادر رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس إلى تكليف الدكتور رامي الحمد الله بتشكيل حكومة السلطة خلفاً لحكومة الدكتور سلام فياض وبدورها سارعت حركة حماس للردّ على هذا التكليف فاعتبرته تكريساً للانقسام من قبل حركة فتح.

في اللحظة التاريخية التي تعيشها المنطقة نجد أن جملة المخاطر والتحديات التي تتعرّض لها القضية الفلسطينية لا تتناسب بالمطلق مع جديّة التوجّهات من قبل طرفي الانقاسم في الساحة الفلسطينية في بعديها السياسي والوطني. فبدل التوقف عن الهروب الدائم إلى الأمام تأتي خطوة تشكيل الحكومة الجديدة في الضفة برئاسة الحمد الله لتزيد من الانكشاف الفلسطيني أمام الهجمة المسعورة التي تقودها حكومة نتنياهو في التهويد والاستيطان وانفلات المستوطنين في قرى ومدن الضفة الفلسطينية المحتلة وتخريب وإحراق كل ما تقع أيديهم عليه مضافاً إلى ذلك ما يحضّره الوزير جون كيري من خطة لإنجاز ما يسمى بالتسوية التاريخية بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» والتي لن تخلو من المطبّات السياسية للقضية الفلسطينية» أو ما تبقى منها «حيث ستستجيب بالتأكيد لمتطلبات الكيان «الإسرائيلي»» هكذا هي الإدارات الأميركية بديمقراطييها وجمهورييها.

وحتى لا يشكّل كلامنا نوعاً من ترف المزايدات الذي تضجّ به الساحة الفلسطينية فإن قراءة متأنية لحكومة الدكتور رامي الحمد الله وتشكيلها في هذه المرحلة الجدّ دقيقة وخطيرة توصلنا إلى نتيجة مفادها بأنها قفزة في المجهول السياسي.

1 ـ إن الإصرار على تشكيل الحكومة من خارج سياق المتفق والمتوافق عليه بين طرفي الانقسام «فتح وحماس» تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة رئيس السلطة السيد محمود عباس. وليس آخر هذه اللقاءات ما تمّ الاتفاق عليه في القاهرة في منتصف الشهر المنصرم يؤكّد أن الإرادة السياسية في ما يتعلق بتنفيذ المصالحة لا زالت بعيدة وفي مكان آخر فبقيت الحكومة في غزة وإلى جانبها حكومة في الضفة. وهناك من لا يزال يراهن على أن ثمة متحولاً استراتيجياً في المنطقة أو خطة سياسية يحملها الوزير كيري الذي ينتظر أن يزور فلسطين في القريب العاجل قد تخدم توجهاته ورؤيته.

2 ـ إن مكونات الحكومة الجديدة وبقاء ما يقارب ثلثي أعضاء حكومة الدكتور فياض على رأس وزاراتهم وخصوصاً ما يسمى بالسيادية منها تعزّز الشكوك بأن التغيير الحكومي لم يكن على خلفية النهوض بالأوضاع الفلسطينية في الأراضي المحتلة بكل عناوينها بل أتى في سياقين الأول الخلافات بين حركة فتح وفياض حيث بقيت الحكومة ورحل رئيسها أما الثاني فهو إعطاء المهلة الزمنية الكافية للوزير كيري من قبل السلطة الفلسطينية وهي الثلاثة أشهر العمر الافتراضي لحكومة الدكتور رامي الحمد الله. وهذا ما يفسّر إبقاء وزارات ما يسمى السيادية على وضعها السابق استعداداً لما سيحمله الوزير كيري لكل من حكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية من خطة لدفع العملية السياسية بينهما عبر المفاوضات المباشرة والتي أساساً لم تتوقف بحسب ما أقرّ به ياسر عبد ربه حديثاً عن أن لقاءات قد جرت بين الطرفين الفلسطيني و«الإسرائيلي».

3 ـ دستورية وقانونية تشكيل الحكومة على اعتبار أن الرئاسة قد انتهت صلاحياتها منذ عام 2009 وكذلك المجلس التشريعي عام 2010 يطرح السؤال التالي هل فترة الثلاثة أشهر العمر الافتراضي لحكومة الدكتور الحمد الله كافية للتصدي لمجمل التحديات والمشاكل المالية والاقتصادية والحياتية ورواتب الموظفين والغلاء الفاحش؟ هذا إذا ما سلمنا بأن مهام العمل السياسي واتخاذ القرارات المصيري تتبع لرئاسة السلطة على اعتبار أن النظام السياسي الفلسطيني هو رئاسي برلماني كما يبرّر البعض.

4 ـ التشكيلة الحكومية بصيغتها الراهنة وبعد خروج ممثلي الفصائل والمستقلين منها أصبحت الحكومة على قاعدة ليس هناك أحد أحسن من أحد فحكومة غزة حمساوية وحكومة الضفة فتحاوية.

5 ـ وفوق كل ذلك فإن خطوة تسمية نائبين لرئيس الحكومة الأول الاقتصادي محمد مصطفى من الضفة والثاني الأكاديمي زياد أبو عمرو من قطاع غزة أتت في سياقين الأول ما حكي عن تسوية قد تمّت بين السلطة والأميركيين قضت بتسمية الدكتور الحمد الله رئيساً للحكومة في خطوة فُهمت على أنها إرضاء للأميركيين عن فقدانهم للدكتور سلام فياض وهذا ما فسّر مسارعة الوزير الأميركي جون كيري لتهنئة كل من رئيس السلطة والحكومة على التكليف. أما الثاني أراد رئيس السلطة الفلسطينية بخطوة تسمية النائبين تقييد صلاحيات رئيس الحكومة قبل أن يبدأ مهام عمله.

ممّا تقدم فإن مصير حكومة الدكتور رامي الحمد الله لن تكون بأفضل حال من سابقاتها فحجم المشاكل والهموم والتحديات والمطالب أكبر بكثير من إمكانيات وقدرات حكومة مقرر لها الرحيل في سقف زمني هو آب المقبل.

مقالات ذات صلة