شؤون فلسطينية

لماذا استقلت من الجبهة الشعبية وانتقلت الى ضيافة اخوتي الجزائريين

لا أريد أن أكرر ماسجلته في كتابي ” بيروت مدينتي ” ، لكن للتذكير أشير هنا الى أن بوادر ” شللية ” ، ظهرت في المكتب السياسي بعد أن شفينا من الاختراقات الاميركية والاسرائيلية التي وصلت الى أعلى المستويات ، وسببت توترا دائما ومتصاعدا بين ماكان يرى خطورة هؤلاء المشكوك بهم وبين المناضلين التاريخيين .

فقد قام هؤلاء وعلى رأسهم ” وليد قدورة ” ، بدور هدام وخطير وسلموا الحكيم جورج حبش أكثر من مرة لاسرائيل ، وكان الفشل الذريع لاسرائيل من باب الصدفة والحدس لا أكثر ، فقد بلغ العملاء عن سفره لبغداد فاختطفت اسرائيل طائرة الميدل ايست المتجهة لبغداد بناء على معلومات من عميلهم .

وليد قدورة الذي كان مازال في الصفوف القيادية بعد أن تخلى عن الذين انشقوا عام 1972 ، وشكلوا الجبهة الثورية رغم أنه كان مهندس الانشقاق وشاركه ” ابو شهاب ” ، الذي تبين انه يعمل مع المخابرات العراقية وغيرها ، وقصفت اسرائيل منزلا في شملان كان يستخدمه الحكيم خلوة للكتابة الا أن اسرائيل اخطأت الهدف ، ودمرت المنزل المجاوربدلا من منزل الحكيم وهكذا .

فقام الشهيد وديع حداد ” عبر صلاته الواسعة ” ، بالحصول على صور من شيكات قبضها ” ابو احمد يونس ” ، الذي أعدمته الجبهة الشعبية بعد أن أثبت أنه كان وراء قتل عبدالوهاب محمد عضو اللجنة المركزية وزوجته ” اخت ليلى خالد ” ) ، وثبت أنه كان يقوم باتصالات مع أجهزة مخابرات أجنبية ، واختطف اردنيين أثرياء بهدف ابتزازهم بالأموال كفدية دون علم القيادة ، وكل هذه الأمور خلقت توترات ونوعا من الشللية التي كنت أكرهها لما تسبب من انفلاش وضياع بوصلة العمل الثوري ضد العدو .

وأصبح واضحا لدي أن هنالك حملة تستهدفني كما تستهدف كل عضو قيادة فاعل وفعال وتعارض أفكاره واقتراحاته لافشال المبادرات الخلاقة ، وأذكر مثلا عندما رفضت هذه الشلة اقتراحا لي في المكتب السياسي لاعتمادالفاكس طريقة لايصال مجلة الهدف للولايات المتحدة لطباعتها هناك بدلا من شحنها توفيرا للتكاليف ، وكانت سوق الولايات المتحدة أكبر أسواق الهدف لكن شحنها كان مكلفا ، وقدمت الدراسة في الاسبوع الذي أعلن فيه عن اختراع الفاكس ، وكان حينها عبارة عن جهاز لدينا وجهاز لدى الطرف المستلم نرسل عليه الأوراق لطباعتها في اميركا ، وكنت أول من طرح الفكرة ( ربما في الشرق الأوسط ) ، لأن صديقا لي كان يعمل في شركة IBM، أبلغني عن هذا الجهاز ، وكان في حينها ثمن الفاكس 25 الف دولار للقطعة الواحدة ، ولذلك كانت كلفة ارسال الهدف لاميركاخمسين الف دولار يتم تعويضها من تكاليف الشحن خلال ستة اشهر رفض الاقتراح لأسباب جهل الأعضاء بالتكنولوجيا ، لكن السبب الرئيسي هو عدم انجاح مشروع ” الرفيق بسام ” ، هذا مثل واحد لكن المثل الأكبر كان قبل حرب حزيران1982- قبل الغزو الاسرائيلي فقد زودني شخص بالمعلومات عن خطة الغزو بالتفصيل وكان يعمل في مكتب بشير الجميل .

طرحت المعلومات في المكتب السياسي ، فصوت المكتب السياسي ضد ” المعلومات ” ، عندها قلت لهم : لقد طرحت معلومات تتطلب اجراءات ، ولم أطرح تحليلا سياسيا وموقفا يحتاج الى تصويت ، هذا كلام غير سليم .

وأضفت لنفترض أن المعلومات التي وصلتني خاطئة أو مدسوسة ، ماهو المانع من اتخاذ اجراءات دفاعية وتمارين للقوات لصد العدون والغزو بدلا من الترهل .

اصرت الشلة على رفض ذلك ، وفوجئت أن رسالة وضعت في ملف المكتب السياسي تطالب بانزال مرتبتي من المكتب السياسي واللجنة المركزية ، وكان من عادة المكتب السياسي الاجتماع كل اسبوعين مرة ، وقبل أن يجتمع المكتب السياسي مرة اخرى لبحث جدول الأعمال ومن ضمنه رسالة المطالبة بانزال مرتبتي بسبب قولي ان اسرائيل ستغزو لبنان قام الاسرائيليون بشن هجومهم الغازي في الخامس من حزيران 1982 ، فيما كان موعد الاجتماع في الثامن من حزيران 1982، لم يكن هنالك وقت أو ظرف يسمح بفتح هذا الموضوع التآمري ، وانخرطنا في المعارك بينما بقي خارج لبنان من طالب بانزال مرتبتي .

قاتلنا بما أعاننا الله عليه لدرجة أن الحكيم كان يقول لي : ” الحرب عندك عرس يابسام ، لم أرك بهذه الحيوية من قبل انه عرسك “.

وكان الرئيس ياسر عرفات يقول لي : ” أنت مجنون ترمي نفسك حيث القصف ” .

وعندما خرجنا لطمتني المفاجأة الكبرى جلسة تقييم المكتب السياسي لدور كل عضو في المعركة ، واذا بما سبق الغزو قد نسي تماما ولم يذكر ، فاذا كان العقاب قد اقترح ضدي لأنني قلت ان اسرائيل ستغزو لبنان يتجنب محاسبة الذين طلبوا معاقبتي ، والذين قالوا ان اسرائيل لن تغزو لبنان لكن هذا لم يحصل ، وجاءت المفاجأة الثانية عندما اقترح الحكيم انزال مرتبتي بعد أن كان قال ان الحرب عرس عندي .

فوجئت ….

رفضت الاقتراح ….واقترح بعدها تسلسل عقوبات اخرى انذار ، تنبيه ، رفضتها وكان التصويت الى جانبي ليس محبة بي بل لأنهم يخشون أن أتكلم عن دور كل منهم ، وقد شاهدوا ماجرى على أرض المعركة ، شعرت عندها أن الشللية أثرت على موقف صديقي ورفيقي ومعلمي جورج حبش ، فقررت الاستقالة .

كتبتها وأرسلتها للأمين العام ، جاءني الى منزلي ورجاني ألا أستقيل ، فقلت له : ياحكيم ، أنت كنت المرجع وبعد الذي حصل أشعر ألا مرجع هناك ، أنا أقاتل لتحرير الوطن ، والله لو كان وطني محررا لشاركت في تحرير شعب آخر وطنه محتل ، لا أستطيع أن أعمل وأعطي في جو مريض ، وأنبهك ياحكيم كنت وستبقى هدفا للعدو ، وللأعداء وسائل عديدة منها الانشقاق والشللية وخلق التوترات والتعارضات وأنا لا أتنفس في هذا الجو ، اسمح لي أن أغادر ” .

كانت تلك الفترة أسوأ فترة مررت بها في حياتي من الناحية النفسية والشعور بالصدمة وانهيار المثل والأخلاق ، وكل ماهو جيد في رفاقية النضال .

وفكرت طويلا ، ووجدت أن أصقائي مناضلو الجزائر سيرحبون بلجوئي اليهم لأن بقائي في سوريا لن يكون مرحبا به ، وغادرت للجزائر لكنني التقيت الحكيم في مؤتمر ليبيا لاعادة الوحدة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، ونسقت مع الجزائريين في سبل اعادة الوحدة الوطنية ونجحنا ، وطالبت الشلة الحكيم بأن يعيدني الى سوريا لظنهم انني أثرت في السعي نحو الوحدة الوطنية .

وطلب مني الحكيم العودة لسوريا ، وقلت له سأعود لأنك تطلب مني ذلك لكن ياحكيم تأكد أن بقائي في سوريا لن يطول ، سأعود للجزائر ، وبالفعل عدت لدمشق لأجد أنه لايوجد سبب لعودتي فقفلت عائدا للجزائر .

وبعد المجلس الوطني التوحيدي تأكدت أن الشلة أصبحت متحكمة ، فقررت ألا أعود .

والتقيت الحكيم الذي بقي بعد المجلس الوطني في الجزائر – نيسان 1987، وأبلغته بقراري وبقيت على صلة مع الحكيم وحوار ونقاش ممتع حتى آخراسبوع من وفاته .

منذ أن استقال ( احتجاجا وليس لاتاحة فرصة للديموقراطية ) ، وأنا أجد الفرص لرؤيته والحديث معه ، وكان قد بحث معي رسالة كنت أرسلتها لابو علي مصطفى أحذره فيها من تخطيط العدو لاغتياله وطلبت منه اما المغادرة او الاختفاء ، لكنه استشهد .

بقيت في الجزائرأشهرا منكبا على أوراقي في منزل صغير استضافني فيه المناضلون الجزائريون ، وفي أحد الأيام فوجئت عند السابعة صباحا بياسر عرفات يقتحم منزلي الصغير ويصرخ : أنت مجرم …. أنت مجرم ” ، ضحكت وقلت له ما الأمر يا ختيار ؟

قال : أنت لاتملك نفسك ، أنت لفلسطين ويجب الا تتوقف أو تختفي عن النضال لفلسطين … أنت ملك شعبك .

وأصر أن أذهب معه قال لي : أنت منذ اللحظة عضو لجنة مركزية في فتح … اعتذرت .

قال : عضو لجنة تنفيذية … اعتذرت .

– طيب مستشاري الخاص ، أنا رئيس دولة فلسطين .

– قلت له : موافق شريطة أن تكون لي حرية الحركة .

وهكذا أصبحت مستشارا خاصا للرئيس ياسر عرفات بعد أن رفضت اللجنة المركزية واللجنة التنفيذية ، وعندما رحلنا لتونس استدعى ابو عمار محمود درويش صديقي الحميم وقال له ابحث مع بسام الأمور ، اللي عايزه بسام أنا موافق عليه .

هذه هي القصة .

بسام ابو شريف

مقالات ذات صلة