المقالات

غلاف القدس التهويدي

غلاف القدس التهويدي

نبيل السهلي

أطلقت وسائل الإعلام الإسرائيلية مصطلح غلاف القدس على النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في المدينة المقدسة للحد من ردة الفعل المحتملة من أهالي القدس، ويعتبر النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في القدس جزءاً من الهجمة الاستيطانية في الأراضي العربية المحتلة التي كان من أهم صورها الاستمرار في بناء الجدار العازل، حيث قطعت الحكومة الإسرائيلية شوطاً كبيراً في بنائه، ليبتلع قسماً كبيراً من الأراضي الفلسطينية ويعزل المدن والقرى عن بعضها بعضا.

المصادر الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء أكدت أن العمل في إنشاء ما يسمى غلاف القدس قد وصل إلى مراحل متقدمة لابتلاع المزيد من الأراضي في عمق الضفة الغربية الفلسطينية لصالح ما تسمى بلدية القدس الإسرائيلية، وطرد ما أمكن من المقدسيين، وعزل الآخرين عن أهاليهم في مدن الضفة الفلسطينية.

واللافت أنه بعد احتلال الجيش الإسرائيلي للقدس القديمة في يونيو/حزيران 1967، حاولت السلطات الإسرائيلية القضاء على التراثين الإسلامي والمسيحي في القدس للإطباق عليها وبالتالي تهويدها بشكل كامل.

وتمثل النهج الإسرائيلي في عدد من الإجراءات التي تمت ضد الأماكن الإسلامية والمسيحية بهدف تدميرها وتشويه الطابع الحضاري لمدية القدس وإزالة الأماكن المقدسة والقضاء بالتالي على ما تمثله هذه الأماكن من ارتباطات إسلامية ومسيحية بالمدينة المقدسة.

ففي 21 أغسطس/آب 1969 دبرت السلطات الإسرائيلية عملية لإحراق المسجد الأقصى، كما قامت بمحاولة لنسفه في بداية العام 1980 على يد الحاخام المقتول مئير كاهانا، لتتكرر الاعتداءات منذ العام 1967 على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية. وجرت محاولات إسرائيلية لإقامة الصلوات في ساحة المسجد الأقصى وسرقة بعض محتويات كنيسة القيامة، واستملاك الأراضي التابعة لبعض الأديرة المسيحية في القدس.

غلاف القدس والإجراءات الأخرى

تجري محاولات إسرائيلية حثيثة للإسراع في جعل مشروع غلاف القدس التهويدي حقيقة على الأرض، وذلك لخدمة تنفيذ سياسة استيطانية ديمغرافية مبرمجة لتهويد القدس في السنوات القادمة، حيث يهدف المشروع المذكور إلى طرد أكبر عدد من العرب الفلسطينيين من المدينة بذرائع التطوير، والعمل في ذات الوقت لجذب أكبر عدد من المهاجرين اليهود، والهدف من ذلك كله محاولة فرض الأمر الواقع الصهيوني في مدينة القدس، وتدمير حضارتها التي ما زالت من أهم الدلالات على تاريخ الإنسان العربي فيها.

ولترسيخ المشروع التهويدي المذكور، طبقت السلطات الإسرائيلية قوانين عنصرية جائرة على أهالي القدس وأرضهم، فمن جهة استخدمت قانون الغائب للسيطرة على أراضي المقدسيين الموجودين خارج مدينة القدس، ومن جهة أخرى سعت إلى القيام بعملية إفراغ المدينة من خلال تطبيق قوانين سحب الهوية الإسرائيلية من المقدسيين الذين يقيمون لأكثر من عام خارج مدينة القدس، وكذلك هي الحال بالنسبة للعرب المقدسيين الذين حازوا على جنسيات أخرى من دول العالم، وتبعا لذلك هناك خمسون ألف مقدسي مهددون بسحب هوياتهم وطردهم والسيطرة على عقاراتهم وأرضهم ومحالهم التجارية.

وفي إطار سياساتها التهويدية في مدينة القدس، كثفت المؤسسة الإسرائيلية من مخططاتها لفرض الأمر الواقع التهويدي في مدينة القدس، ومنها مخطط للقيام بعمليات جرف وتدمير لآلاف المنازل لكسر التجمع العربي في داخل الأحياء العربية بمدينة القدس، مثل حي الشيخ جراح والعيزرية.

ونتيجة تلك المخططات ثمة 35 ألف مقدسي مهددون بالطرد إلى خارج مدينة القدس. وبعد استصدار القانون الإسرائيلي القاضي بتهويد قطاع التعليم العربي في مدينة القدس، خاصة في المراحل الابتدائية والإعدادية، فإن شبح الترانسفير يلاحق 30 ألف فلسطيني من القدس للحصول على فرص التعليم في بقية مدن الضفة الفلسطينية المحتلة.

وكانت إسرائيل طردت 15 ألف مقدسي أثناء احتلالها للقدس الشرقية في العام 1967، وقبل ذلك تمً طرد 60 ألف مقدسي في العام 1948 بعد ارتكاب مجازر مروعة في العام المذكور.

حقائق حول الغلاف التهويدي

تشير المعطيات إلى أن الغلاف العنصري المذكور سيؤدي في نهاية المطاف إلى ابتلاع نحو ربع مساحة الضفة الفلسطينية، وعزل أكثر من مائتي ألف فلسطيني مقدسي عن ذويهم في باقي مناطق الضفة الفلسطينية، وقد صادر الجيش الإسرائيلي من أجل الأعمال المباشرة في البناء آلاف الدونمات.

أما الجدار العازل فسيصادر في النهاية 40% من مساحة الضفة الفلسطينية، وذلك بعد استبعاد مساحة القدس الشرقية التي تشكل نحو ربع المساحة الإجمالية للضفة الفلسطينية. وقد واكب النشاط في بناء الجدار العنصري، استصدار قرار في الكنيست الإسرائيلي يعتبر الضفة مناطق غير محتلة.

فضلاً عن ذلك تحاول السلطات الإسرائيلية تحقيق أهداف ديمغرافية من وراء بناء الجدار والاستمرار في تنفيذ مخطط ما يسمى غلاف القدس، تتمثل بداية في عزل القسم الأكبر من سكان الضفة البالغ مجموعهم نحو ثلاثة ملايين فلسطيني عن أهلهم داخل الخط الأخضر (1.4 مليون فلسطيني).

ولتدعيم هذا التوجه استصدر الكنيست قراراً آخر، يمنع من خلاله التزاوج بين الفلسطينيين في المناطق المحتلة عامي 1948 و1967، كما نشر الجيش الإسرائيلي عشرات المعازل الإسمنتية بين القرى والمدن الفلسطينية.

ومن جهة أخرى وللإطباق على مدينة القدس، أُعلن في إسرائيل بعد انتخابات الكنيست 19 عن خطط إسرائيلية لإقامة مئات الوحدات الاستيطانية، ومن أجل ذلك تمنح وزارة المالية الإسرائيلية مساعدات سخية تقدر بآلاف الدولارات للعائلة اليهودية التي توافق على السكن في القدس. وترمي تلك السياسات إلى تهويد المدينة ديمغرافياً وجغرافياً وتغيير ملامحها العربية، هذا في وقت دعت فيه قوى سياسية إسرائيلية بعد الانتخابات التي جرت يوم الثلاثاء 22/1/2013 إلى طرد 200 ألف فلسطيني من أرضهم في القدس الشرقية.

وقد توضحت مواقف القادة الإسرائيليين من قضية القدس لجهة تهويدها خلال مؤتمرات هرتسيليا المنعقدة خلال الفترة بين الأعوام 2000 و2012. وكذلك في برامج الأحزاب الإسرائيلية قبل انتخابات الكنيست التاسعة عشرة التي جرت في الثاني والعشرين من يناير/كانون الثاني المنصرم .

الثورات العربية وربيع القدس الآتي

يمكن الجزم بأن انتصار الثورات الشعبية في أكثر من دولة عربية واستمرارها في دول عربية أخرى سيؤدي في نهاية المطاف إلى فرض إرادة الشعوب العربية وحضورها بقوة للتعبير عن وقوفها إلى جانب الحقوق العربية على امتداد الوطن العربي، وفي مقدمتها الحقوق الفلسطينية.

فالعلم الفلسطيني الذي رفع ويرفع مرارا في ميادين التحرير وساحات التغيير دلالة كبرى على مدى أهمية نصرة الحق الفلسطيني، وليس غريبا أن يتحدث الفلسطينيون عن ربيع فلسطيني قادم بعد الربيع العربي.

وبعد حصول الفلسطينيين على العضوية الكاملة في منظمة اليونسكو للثقافة والتربية والعلوم وكذلك على عضوية مراقب في الأمم المتحدة باتت الأبواب مفتوحة لقبول عضوية فلسطين في أكثر من منظمة دولية منضوية في إطار الأمم المتحدة، وقد يعزز هذا الاتجاه الربيع العربي.

فبعد انتصار الثورات العربية والوصول إلى الحالة الديمقراطية العربية المثلى ستكون قضية القدس حاضرة بقوة في الخطاب السياسي العربي ومن أولوياته، الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن ربيع القدس قادم.

ويبقى القول إن المتتبع للشأن الإسرائيلي يلحظ بشكل جلي أنَّ المؤسسة الإسرائيلية اختلقت جدرانا عنصرية إسرائيلية للحؤول دون التواصل الجغرافي والديمغرافي بين الأقلية العربية في داخل الخط الأخضر وأهلهم في الضفة والقطاع، وقد تبع ذلك الإجراء البدء في التخطيط لما يسمى غلاف القدس، وكذلك جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، الذي سيبتلع المزيد من أراضي الضفة الفلسطينية، ويوسع الخط الأخضر باتجاه الشرق لتقويض أي فرصة لإنشاء دولة فلسطينية على كامل مساحة الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشريف.

الجزيرة نت، الدوحة، 18/2/2013

مقالات ذات صلة