المقالات

منظمة التحرير والشراكة المنشودة

لم يشغل الساحة الفلسطينية موضوعاً مستديماً منذ سنوات طويلة كالعنوان المتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية وأوضاعها ومؤسساتها بشكل عام. فقد مضى عقدين ونيف من الزمن ومازال انبعاث الأصوات متواصلاً من داخل فصائل المنظمة وقواها المشكلة لها، ومن حناجر العديد من الشخصيات التاريخية التي لعبت دوراً مهماً في تأسيس وبناء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، من أجل إعادة النظر بأوضاعها وانتشالها من سباتها العميق. ومع صدقية أصحاب هذه الدفوع وسلامة دعواتهم، إلا أن أصواتهم التي بحت لسنوات طويلة ظلت بلا أصداء حقيقية وبلا فعل ملموس، وكانت النتيجة هي استصغار وإهمال لأوضاع المنظمة على حساب بروز دور السلطة الفلسطينية في تقرير وصوغ الشأن الفلسطيني على المستوى الرسمي العربي والدولي.

علي بدوان
علي بدوان

إن منظمة التحرير الفلسطينية التي شكّلت رافعة تاريخية في المسار الكفاحي للشعب الفلسطيني بحاجة ماسة الآن لربيع فلسطيني مغاير، لإعادة بناءها وإصلاحها، ورد الاعتبار إليها، كما نصت على ذلك كل وثائق الحوارات الوطنية الفلسطينية التي جرت خلال السنوات الأخيرة، ومنها وثائق اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة في أيار/مايو 2011، ووثائق اعلان الدوحة الموقع بين حركتي فتح وحماس.

ومع ذلك، وبالرغم من حضور الملف المتعلق بأوضاع منظمة التحرير الفلسطينية على طاولة الحوارات الفلسطينية التي لم تنقطع عملياً منذ عدة سنوات، فان ملف المنظمة مازال موضوعاً اشكالياً وشائكاً، بل ويراوح مكانه دون تحقيق تقدم ولو بسيط على صعيد إعادة بناء مؤسسات المنظمة وتفعيلها، وتوسيع صفوفها بقوى التيار الإسلامي التي باتت تشكل مكوناً اساسياً من مكونات الحياة السياسية والكفاحية والمجتمعية للشعب العربي الفلسطيني في الداخل والشتات. فلماذا المراوحة بالمكان بالنسبة لملف المنظمة بالرغم من تعالي الأصوات المنادية بالالتفات إليه وإعطائه مايستحق من جهد وعمل، وهل من أفق ممكن لرؤية ربيع فلسطيني بإرادة شعبية، يتم من خلاله إعادة تجديد حياة المنظمة وعموم المؤسسات الفلسطينية التي تكلست وتقوقعت على ذاتها منذ زمن طويل، وباتت أشبه بمؤسسة استخدامية تستدعى عند الضرورة للمصادقة عل قرارات محددة يتم اتخاذها في الإطار القيادي الفلسطيني الأول في رام الله.

ومن الواضح عبر مسيرة الحوارات الفلسطينية التي تتالت فصولها منذ العام 2005 في العاصمة المصرية، بان موضوع منظمة التحرير وملفها الشائك تتنازعه وجهات نظر مختلفة داخل أطر العمل السياسي الفلسطيني، حيث سبق وأن تم وأد كل المحاولات التي جرت خلال العقود الأربع الماضية لخلق أطر بديلة أو موازية للمنظمة من قبل بعض الأطراف الفلسطينية، كما سقطت معها كل مشاريع ما أسماه البعض بـ (هدم الخيمة) وإعادة بناء خيمة جديدة.

فالنقد القاسي لأوضاع منظمة التحرير ولحالة لتهميش التي تعرضت لها كل مؤسساتها، لايعني إهالة التراب عليها، ولايعني أيضاً الحديث عناه بشماتة، بل إن الحديث عنها وعن أوضاعها ينبع من الحرص عليها وعلى نضالات الشعب الفلسطيني وتضحياته. كما لايعني النقد القاسي والجذري أن نطلق السهام لتدميرها أو وأدها . فالشعب الفلسطيني لا يملك ترف بناء الكيانات السياسية وهدمها واستبدالها أو الإكثار أو الإقلال منها واستدعاء النصرة لها، بمجرد الإرادة الذاتية. فبقدر ماكانت المنظمة انجازاً وطنياً جامعاً بقدر ماتلح الضرورة الآن والغيرة الوطنية من اجل إعادة تصحيح أوضاعها بشكل جذري، والانتقال من مفردات التذمر والنقد الكلامي إلى انتهاج مواقف عاقلة، تغادر فيها جميع القوى منطق التمسك بالمكاسب الذاتية لهذا الطرف أو ذاك، واعتماد قاعدة انتخابية ديمقراطية بانتخابات عامة لمجلس وطني فلسطيني توحيدي حيثما أمكن، بحيث تتمثل القوى السياسية والمجتمعية في فلسطين والشتات وفقاً لوزنها في الشارع الفلسطيني، وبالتالي مغادرة منطق المحاصصة القديم.

لقد هيمن تيار تقليدي ومازال يهيمن على المنظمة وحالها، وهو تيار يريد إدخال إصلاحات (بحدود ما) وليس اصلاحات جذرية ونوعية على أوضاع المنظمة، فالتيار اياه يريد إصلاحات لاترتقي إلى المستوى المنشود من غالبية الناس، وهو تيار ذو لون سياسي واحد تقريباً، يحن لبقاء حالة (الوحدانية) في صنع وصياغة القرار وفي إدارة دفة الحياة السياسية المقررة في المستويات الفلسطينية العليا، ويريد في الوقت نفسه الإبقاء على “اللعبة الداخلية” الفلسطينية المتقادمة، والتي استندت على متوالية ثلاثية، هي : أولاً سيادة منطق المحاصصة واقتسام الكعكعة في اطار مؤسسات المنظمة بين طرف رئيسي وباقي الأطراف المتحلقة حوله. ثانياً هيمنة لون سياسي واحد على كل المؤسسات وتفرعاتها (وفق قاعدة السمكة الكبيرة تأكل الأسماك الصغيرة). وثالثاً إتباع طريقة ديمقراطية ملعوبة عنوانها “قولوا ماتشاؤوا في المؤسسات كاللجنة التنفيذية (وهي أعلى سلطة في المنظمة) واللون السياسي الواحد المهيمن يفعل ما يشاء”.

وبالطبع، فان منطق المحاصصة واقتسام الكعكة بين عموم القوى، أو حتى بين القوتين الأكبر والمقصود حركتي فتح وحماس، بات أمراً متقادماً خصوصاً في مناخات وأجواء الحراكات الواسعة في عالمنا العربي وعالم مابعد ثورة المعلوماتية وثورة الاتصالات التي فتحت الأبواب أمام الناس وأمام رقابتهم المباشرة وأمام دورهم، فلم يعد منطق المحاصصة أمراً مقبولاً على الإطلاق، ويعاكس منطق الحياة وطبيعة الأشياء، فمن يريد فعلاً إعادة بناء وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عليه أن يسير باتجاه إدخال إصلاحات جوهرية عليها وعلى عموم مؤسساتها، وصولاً لصياغة برنامج ائتلافي وطني يمثل الموقف المشترك لعموم القوى السياسية ذات التلاوين والأطياف الأيديولوجية والسياسية المختلفة في الساحة الفلسطينية، والوصول إلى المشاركة الحقيقية والتامة في صياغة القرار الوطني وإدارة دفة العمل السياسي الفلسطيني ببعده التكتيكي والاستراتيجي.

علي بدوان || صحيفة الحياة اللندنية

الأربعاء 27/2/2013

مقالات ذات صلة