ثقافة وفن

رحيل الشاعر والروائي صبري هاشم، العراقي البصري المقيم في ألمانيا

رحل الاحد في برلين الشاعر والروائي صبري هاشم، العراقي البصري المقيم في ألمانيا ، رحل وحيدا في غياهب المنفى دون أن يكمل أغانية أو يحقق حلمه البسيط وهو زيارة مدينته البصرة لظروف صحية ومادية،، رحل صبري هاشم إثر نزيف في الدماغ لم يمهله طويلا ، وبذلك طويت صفحة مشرقة من أسفار المجد العراقية قبل أوانها ،غادر بلده بفعل القمع والاستبداد والملاحقة، ترك صبري الشاعر والحالم الكبير والإنسان والمناضل المدهش مدينته والتحق بطلائع الأنصار الشيوعيين هناك على ذرى كردستان ..فكانت صفحة مضيئة ومشرقة لمقارعة الدكتاتورية وكبح جماحها ، ثم انتقل في المنافي ليستقر في ألمانيا مع عائلته الصغيرة، وكما قال في أحد أحادثينا الحميمية “طالما أغرتْني مقولةُ آلان روب غرييه عند الحديثِ عن الشأنِ الروائي : ” على كُلِّ روائيٍّ ـ في كلِّ روايةٍ ـ أنْ يخترعَ شكلَهُ الخاص “. لكنه مع الأسف بل مع شديد الأسف لم يخترع شكل نهايته الخاص ولو بتفصيل صغير …فقد رحل غفلة حتى من أقرب محبيه ، دون أن يمنحنا فرصة لتصديق رحيله المفجع، عرفته نبيلا فذا ومثقفا حقيقيا وإنسانا لا يمكن نسيانه، تعززت علاقتي به بعد أن ساهمت بإصداره الثاني عشر عن دار تموز/ مكتبة تنوير– وهو رواية بعنوان( لعنة التأويل) وكانت تقع في نحو 110 صفحة من القطع المتوسط تخوض في المتخيل التاريخي إذ تنبثق شخوصها من أعماق التاريخ الذي فتح المؤلف أبوابه على مصراعيها دون محددات او تابوات….. بل لم يحني ذاكرته أمام بؤر الجحيم التي تسعر دون هوادة من بعض زواياه…و قاده هذا السلوك الاقتحامي لعدم الاستسلام إلى ما هو شائع ومهيمن وقار في رحم الذاكرتين العربية الإسلامية ، ففتح عتبة التأويل لمحاولة فك مفاتيح المعرفة التي يرى أنها ظلت عصية على الفهم المعرفي العميق وإسكات الأسئلة التي تقض مضاجع روحه المتوثبة، وكان قبلها قد أصدر عبر دار النشر التابعة لي مجموعة شعرية بعنوان (لنشوى معبد في الريح) قال في تعليق عليها (ونحن على الريح ننفتح ولها نشمر عن هوى خيامنا ، فتتلاعب في بطونها كأهلة موج وفي حضرتها يتنازعنا فوق تربة المنافي شجن الحديث، كنا نتسرى خارج زمن الرمل وخارج زمن البحر وخارج زمن الصحو وفيض بما ازدحمت به خواطرنا، كنا في خواتيم الزمان إن لم تشطح بنا ذاكرة أو تتعثر لنا ذكرى أو فينا تخمد جذوة عقل ..عاما أقمنا …عامين ، وفي ابين لم نجد غير عزاء الحضرمي . هل عاد بقافلة من توابل ، أم ضاع في مجرى السيل..؟…كأنه كان يتنبأ بنهايته فقد ضاع صبري هاشم في مجرى سير الغربة ..

…..وقال الشاعر والروائي صبري هاشم عن روايته (لعنة التأويل )” قادني البحثُ إلى فكرةِ التأويلِ وفتحَ أمامي أبواباً مُدهشةً للمعرفةِ فاكتشفتُ أسرارَ ما مررتُ عليه في عجالةٍ مِن قبل ولم أتوقّف عنده .. عندئذٍ بدأتُ ببناء عملي الروائي هذا والموسوم ” لعنة التأويل “. هكذا انبثقتْ شخصياتُ الروايةِ مِن بطونِ التواريخِ لتمرَّ على جسرٍ هوائيٍّ يَعبرُ برلينَ مثلَ قوسِ قُزحٍ كانتْ سُليمى تُطاردُ أشباحَ الفتنةِ الكبرى والغزالةُ في إثرِها تَطِير .. على جسرٍ مازالَ مُعلّقاً هنالكَ بالقربِ مِن كوكبٍ ــ اضمحَلَّ ذاتَ ليلٍ، انطفأ ثم اختفى ــ كانت سُليمى محمولةً على ظهرِ عربةٍ وإلى جوارِها الغزالةُ تُمسكُ بلجامِ جيادٍ بيضٍ وسُليمى تَرتَدي روضاً أخضرَ فضفاضاً مثلما تَرتدي الغزالةُ بُردةً سماويةً وتُطاردُ جيوشاً مُنكسرةً على أبوابِ التاريخِ . على جسرٍ يمرُّ فوقَ برلين كخيطٍ مِن دخان كانتْ سُليمى تحملُ راياتِ نصرٍ وفي أعقابِها الغزالةُ تسوقُ القوافلَ التي قطعتْ أرضَ برلين منذُ انبثاقِها .. على جسرٍ مائيٍّ يمرُّ على أطرافِ برلين كانت سُليمى تخوضُ حرباً مع رجالِ الفايكنغ والغزالةُ تتقدّمُها وتُدحرجُ نحوَها الموجَ . فوق جسرٍ ورقيٍّ يتأرجحُ بين دَفّتي برلين كانت سُليمى تُسجّلُ طائفةً مِن أحكامٍ وفي إثرِها تأتي الغزالةُ على ما صار في حُكمِ القانونِ فتطويه على هيئةِ كتابٍ وتختمهُ بظاهرِ كفِّها . وسُليمى مازالت هُنالكَ بصحبةِ الغزالةِ.. تُطاردانِ ما تيسّرَ مِن الغمام”

أختفى المبدع الصامت صبري هاشم في سونامي الغربة التي امتدت به لأكثر من 35 عاما ، ولم يحقق أو يتحقق حلمه الصاخب في العودة إلى أرضه الأولى …وكما هو يعلن عن نفسه عاشقا للتأويل…أرى ومن ذات الثيمة …أن صبري هاشم لن يكتمل موته إلا بالرجوع إلى نقطة البدء ..إلا بالرجوع .الى نخلات بصرته التي نسى ظله في ظلالهن ، ويمامات نسى بعض دموعه في هديلهن…والى موجات زرعهن وديعة في رحم شط العرب……لك في النور شقيقا وفي المحبة صنوا وفي الشعر والسرد رفيقا..يا صبري ..وبهذا ستكون عصيا على الموت يا صديقي أيها الأمير الأسمر العذب.

وصبري هاشم روائي وشاعر عراقي ولد بالبصرة عام 1952 . ــ أصدر الكتب التالية :

1 ــ رقصة التماثيل ـ رواية / دار المدى دمشق 1995

2 ــ ليلة ترخم صوت المغني ـ قصص / دار المدى دمشق 1995

3 ــ خليج الفيل ـ رواية / دار المدى دمشق 1997

4 ــ الخلاسيون ـ رواية / دار الكنوز الأدبية بيروت 2000

5 ــ أطياف الندى ـ شعر / دار كنعان دمشق 2002

6 ــ جزيرة الهدهد ـ شعر / دار كنعان دمشق 2002

7 ــ حديث الكمأة ـ رواية / دار كنعان دمشق 2005

8 ــ هوركي أرض آشور ـ رواية / دار كنعان دمشق 2007

9 ــ قيثارة مدين ـ رواية / دار كنعان دمشق 2009

10 ــ قبيلة الوهم ـ رواية / دار كنعان دمشق 2012

11 ــ لنشوى معبد في الريح ـ شعر / دار تموز دمشق 2012

12- لعنة التأويل رواية/ دار تموز 2015

_____

رحيل  الشاعر والروائي صبري هاشم، العراقي البصري المقيم في ألمانيا

مقالات ذات صلة