المقالات

حظر الجماعة نتيجة حتمية لسياساته

حظر الجماعة نتيجة حتمية لسياساته

اسم الكاتب : د.فايز رشيد

تاريخ إدراج المقال : 2013-10-02

قرار محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة بحظر كافة نشاطات جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتحفظ على كافة ممتلكاتها جاء مطابقاً لما كان متوقعاً، بعد أن وصل عداء الإخوان للتغييرات الثورية الأخيرة في مصر ذروته، فقد استخدموا سلاح الإرهاب في وجه الدولة المصرية وكافة مؤسساتها، ولجؤوا إلى محاربة الجيش والشرطة المصرية في كافة المواقع وبخاصة في سيناء، وأوعزوا للجماعات التكفيرية التي تأتمر بأوامرهم إلى القيام بعمليات إرهابية عسكرية ضد أفراد الجيش المصري وقيادته في الصحراء المترامية الأطراف . الإخوان وبعد إقصائهم عن الحكم وعزل مندوبهم في قصر الاتحادية، أصيبوا بحالة من الهستيريا التي أعمتهّم عن رؤية الواقع المتمثل في رفض حكمهم من معظم فئات الجماهير الشعبية العريضة، وكان عليهم تقبل حكم الجماهير .

الإخوان وطيلة تواجدهم منذ تأسيس جماعتهم في عام 1928 اقترفوا الجرائم والموبقات، إن بعقد الاتفاقات مع قوى خارجية تتآمر على مصر، أو من حيث الصفقات التي عقدوها مع بعض الحكام المصريين (مثل الرئيس السادات) ليكونوا جزءاً من حملة النظام في محاربة القوى الوطنية والقومية الديمقراطية واليسارية المصرية، رغم ما يدّعونه من شعارات تبدأ بالديمقراطية وتنتهي برفض وجود الكيان الصهيوني، فمن وجهة نظرهم: ليس مهماً ان يكون النظام قمعياً وعاقداً للاتفاقات مع “عدوتهم المفترضة “إسرائيل” وإنما أن يتعاون مع جماعتهم تحت كل الظروف، ولو كان ثمن ذلك قيامهم بالنشاطات السوداء . الإخوان يعتقدون بأن الغاية تبرر الوسيلة، ويعيشون حالة انفصام حقيقي بين الشعارات التي يحملونها والتطبيق على أرض الواقع، لذا عقدوا اتفاقية مع الولايات المتحدة مقابل تسهيل وصولهم إلى الحكم .

في تجربتهم السوداء التي امتدت سنة واحدة في حكم مصر تخلوا عن كل وعودهم السابقة بعدم السيطرة على الحكم وبأنهم سيعملون على إشراك كافة القوى الأخرى في حكم البلد! بدلاً من ذلك انفردوا بالسلطة وانتهجوا سياسات الإقصاء بالنسبة للآخرين، وكانت همومهم الأبرز أخونة مؤسسات الدولة وكل مناصبها، وتأكيد أركان حكمهم بدلاً من حل الإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حوّلت حياة المصريين إلى جحيم حقيقي، بفعل الفساد والإفساد الذي مارسه نظام المخلوع حسني مبارك لسنوات طويلة . لذلك تفاقمت الأوضاع الاقتصادية سوءاً في عهدهم وتردي المستوى الحياتي للمصريين مثل الانخفاض التدريجي لسعر صرف الجنيه المصري بالنسبة للعملات الأخرى وغيرها من المظاهر السلبية . على صعيد السياسات الخارجية، كان همهم الأبرز تعزيز النظام العالمي للإخوان المسلمين في العالم على حساب القومية العربية والعلاقات مع الدول العربية . لذا في عهدهم شهدنا تقزيماً لدور مصر العربي والإقليمي على صعيدي إفريقيا والدول النامية، وعلى الصعيد الدولي أيضاً . مدّوا جسور العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية وأصبحت شعاراتهم بالنسبة للكيان الصهيوني تتمثل في أخرى جديدة: “إسرائيل” أصبحت حقيقة واقعة و”لا مانع من عقد الاتفاقات معها”، “هي دولة موجودة وشمعون بيريز رئيسها” صديقاً عزيزاً وفقاً لمرسي! هذا غيض من فيض سياسات الإخوان المسلمين في مصر أثناء حكمهم، فكيف لا تنتفض الجماهير الغفيرة ضدهم؟ وكيف لا يكون هناك انفصام حقيقي مع الشعب المصري؟ ولماذا يفترض في هذا الشعب تصديقهم؟ .

إن قرار المحكمة يُلزم الدولة المصرية “بحل الجماعة” . هذا الأمر سيعتبره الإخوان كسراً نهائياً لشوكتهم، وبالتالي ومثلما اعتادوا في عهود سابقة، سيلجأون للنزول تحت الأرض، وسيبدأون مرحلة جديدة من العمل بذريعة الدفاع عن النفس ومواجهة استهدافات الدولة والقوى الأخرى لهم، ومحاربة (الانقلابيين) وغيرها من الشعارات الرنانة والمصطلحات الشهبية، التي يتقنها قادتهم، كمبررات “موضوعية” لنشاطاتهم الإرهابية الجديدة، التي مارسوا مثلها في عهود سابقة أخرى (محاولة اغتيال عبد الناصر في حادثة المنشية عام 1954)، القيام بعمليات عسكرية ضد الجيش المصري وأهداف حكومية مصرية وغيرها . لقد ركّز مرشدهم العام محمد بديع في خطابه في ميدان رابعة العدوية بُعْيدَ إقصاء مرسي على “سلمية” تحركاتهم، ورددها مرّات عديدة، ليتبين بعدها مباشرة كذب وزيف ما وعد به، فقد حملوا السلاح وهاجموا أهدافاً حكومية، وأعلنوا والمتحالفون معهم من القوى التكفيرية السلفية إمارتينْ إسلاميتينْ في كرداسة وسيناء، وقاموا بحرق مكتبة هيكل، لقد حرصوا على تجميع السلاح في الإمارتين وبخاصة في كرداسة، إلى أن قام الجيش النصري بمهاجمتها مؤخراً وانتزاعها من بين أيديهم . هذا ليس تجنياً على الإخوان المسلمين في مصر بل يعرفه القاصي والداني كونه تاريخاً حديثاً .

لا نعتقد أنهم لو كانوا حزباً عادياً مثل كل الأحزاب المصرية على الساحة، يعتمدون السلمية والحوار مع الآخرين ويمارسون النشاطات السياسية السلمية ويحافظون على السلم الأهلي في المجتمع ووحدة نسيجه، ستصدر مطلق محكمة قراراً بحظر نشاطاتهم وإلزام الدولة بحلهم، بدليل أن الأحزاب المصرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار متواجدة في مصر ولها نشاطات واسعة ولها صحفها ووسائلها الإعلامية المختلفة . لم يقم أحد بمطالبة القضاء المصري بحل أيٍّ منها، وهي تنشط جهاراً نهاراً وتدخل الانتخابات كأحزاب، ولكن أن يكون حزب بمثابة دولة داخل دولة فهذا ما لا تقبله كافة ألوان الطيف السياسي المصري . لذلك لم نشهد تضامناً مع جماعة الإخوان من قبل أي حزب مصري (غير الجماعات المتحالفة معهم) الأمر الذي يؤكد أن أغلبية الجماهير المصرية مع قرار المحكمة ومع قرار الدولة بحل جماعتهم .

لقد حصلت جماعة الإخوان المسلمين على ترخيصها في عهد الرئيس مرسي، وسط مطالبة من كافة ألوان الطيف السياسي المصري بالموافقة على أن تكون مرخصة مثل كافة الأحزاب الأخرى . ودخلت الجماعة انتخابات تشريعية ورئاسية وحققت مكاسب كبيرة، وفاز مرشحها للرئاسة ليس بأصوات أعضائها والمؤيدين لها فقط، وإنما أيضاً بأصوات معظم الأحزاب المصرية الأخرى التي خاضت حوارات كثيرة مع الإخوان، لكنهم بعد نتائج كل انتخابات كانوا يتنكرون لكافة وعودهم، ومع ذلك لم يقم أي حزب مصري بمهاجمتهم أو وقف التعامل معهم . نشأ الشرخ بينهم من جهة وبين وأغلبية أبناء الشعب المصري وأغلبية الأحزاب المصرية بُعيْد اتضاح سياساتهم ونهجهم أثناء تسلمهم للحكم في مصر، ولذلك فإن قرار المحكمة بحظر نشاطاتهم وإمكانية حلهم من قبل الدولة، فإنما ذلك جاء نتيجة لسياسات الإخوان في السلطة، وهم أولاً وأخيراً من يتحملون المسؤولية مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة عن القرارات الصادرة بحقهم .

مقالات ذات صلة