أرشيف المنتدى

مخاطر واهوال ترافق المهاجرين الفلسطينيين الى اوروبا

مخاطر واهوال ترافق المهاجرين الفلسطينيين الى اوروبا

1_1460364609.webp

خاص مجلة القدس تحقيق || مصطفى ابو حرب

جسيمةٌ هي الأخطار التي يحاول تخطيها ابناء مخيمات الشتات للوصول الى دول اوروبا هرباً من الأوضاع الاقتصادية الصعبة وعدم توفر فرص العمل وتقليصات خدمات الاونروا وانعدام الشعور بالأمان داخل المخيمات وتداعيات هذه العوامل والخوف من امكانية انفجار الاوضاع بأي لحظة كما حصل في مخيم عين الحلوة. وتبدأ هذه المخاطر بالتعرُّض للنصب من قِبَل المهربين ولا تنتهي عند عبور بحار ذات امواج عاتية في مراكب صيد. وفي حين يصل بعض المهاجرين لوجهتهم وتكون الاقدار قد خدمتهم، فإن آخرين يتعثّرون حيث لا يوجد امامهم إلا أحد خيارين اما الغرق او مصير مجهول يمتد لسنوات.

مصير قصي لا يزال مجهولاً

“كنا نعيش حياة هانئة في بيتنا في مخيم اليرموك في كنف عائلة تتألّف من شاب وثلاث بنات وزوج يكد لتأمين حياة كريمة لعائلته، إلا ان الاحداث التي عصفت بسوريا وزحفت الى مخيم اليرموك فرضت علينا ترك كل ما كنا نؤسّس له من طموحات عائلية والمغادرة الى لبنان انا وابني قصي وبناتي الثلاث وبقي زوجي محاصراً في سوريا”، بهذه الكلمات شرحت السيدة اميرة محمد نصار الأسباب التي دفعت أسرتها للقدوم إلى لبنان.

واستكملت “حطت بنا الرحال في مخيم البداوي بدايات العام 2013 وبسبب ضيق العيش وعدم تمكن ابني من الحصول على عمل، وهو خريج معهد المعلوماتية وحاصل على شهادة هندسة الشبكات “MSCE”، قرّر السفر الى ليبيا”.

قصي احمد مصلح ابن الاربعة والعشرين ربيعاً سافر من مطار بيروت وعمل في ليبيا مدة سنة تقريباً وبعدها قرر السفر الى اوروبا، فغادر ليبيا باتجاه ايطاليا يوم 1/8/2014 على متن قارب ضمّ 630 شخصاً. ولكن وفي طريق الإبحار انقلب القارب بمن عليه في ساعة متأخرة من الليل فحضرت بوارج وانقذت غالبية المهاجرين الذين كانوا على متن القارب، غير أن أميرة حتى اليوم لم تعرف عن ولدها شيئاً.

وتردف “تواصلتُ على صفحات التواصل الاجتماعي “فيس بوك” مع العديد من الاصدقاء وقمت بنشر صورته فجاءتني عدة رسائل تفيد بأن ولدي بخير وما زال على قيد الحياة ولكنه كان يعاني من تسرب الماء الى رئتيه”.

وتروي بكل مرارة أن المركب الذي كان ولدها على متنه غرق قبالة جزيرة لميدوزا الايطالية لافتةً إلى أن الناشطة فاطمة جابر المقيمة في البانيا اخبرتها أن سفارة فلسطين في ايطاليا ابلغتها بأن قصي ما زال على قيد الحياة ويتلقى العلاج، مضيفةً “لكن للاسف لم اتلقَ حتى اتصالاً من قصي لليوم! علماً انني اتصلت بسفارة فلسطين في ايطاليا بعد شهر من الحادث، ولكنهم قالوا بأنهم لا يعلمون اي شيء عن هذا الحادث وتفاصيله أو حتى عن شخص يُدعى قصي!”.

وتردف بحسرة “انا كأم مفجوعة أرفض الاستسلام، وما زلت اتابع موضوع ابني قصي مع أصدقاء له في ايطاليا الا انني لم احصل على اية معلومات مؤكّدة او اتصال صوتي مباشر معه لغاية اليوم ولم يتم التأكيد بأن قصي في ايطاليا من خلال الصوت او الصورة. ومن هنا فإنني أناشد سفير دولة فلسطين في لبنان الاخ اشرف دبور ان يساعدني من خلال اتصاله بسفارتنا في ايطاليا لجلاء حقيقة ما تعرّض له ولدي هو والمهاجرون الذين كانوا على متن القارب او مساعدتي بالسفر الى ايطاليا لمعرفة مصير ابني مع الجهات المختصة هناك لأنني لم اعد اتحمَّل تبعات هذا الموضوع، وانا التي اتحمل مسؤولية ثلاث بنات وغربة بعيدة عن زوجي الذي ما زال محاصَراً في سوريا. وأتوجّه الى كل من قد يقرأ كلماتي هذه ويعرف اي معلومات عن مصير ابني قصي ان يبلغني بذلك عبر مجلة القدس لأنني فعلاً ما عدت اطيق عذاب الأيام التي تمر دون معرفة حقيقة ما حصل لولدي”.

غرقَت بحثاً عن العلاج

السيد خليل المغربي والدٌ فقد ابنته ريهام اثناء محاولتها السفر الى اوروبا مع شقيقها محمد طلباً للعلاج، وحول ما حدث لريهام يقول: “ريهام شابة في بدايات العشرينيات من عمرها تخرّجت من معهد سبلين بشهادة مساعد مهندس وكانت تعمل في احدى الشركات ولم يكن ينقصها شيء، وهي الفتاة التي تعيش في كنف عائلة تحبها، ولكن مشكلتها كانت تكمن في مرض اصابها في عصب عينها مما ادى الى ارتخاء في جفن العين وبالتالي حجبَ الرؤية عن عين ريهام التي اسودت الدنيا بعينها مع انسدال هدب عينها”.

وعن محاولات علاجها يقول: “لقد فشلت كل محاولات ايجاد علاج لعين ريهام في لبنان وسوريا وقمنا بمراسلات الى الخارج فتوصّلنا الى نتيجة بأنه يمكن علاج عين ريهام في اميركا او اوروبا ولكن بتكلفة تصل الى 27000 دولار ونحن لا نملك منها شيئاً وطرقنا كل الابواب والمؤسسات، ولكننا لم نُوفَّق بمن يساعدنا. وعندها قررنا ان تسافر ريهام اسوة بباقي الشباب لعلّها تجد من يساعدها في علاج عينها التي جعلتها تشعر بأنها مختلفة عن باقي رفيقاتها وتضعها محل نظرات الشفقة حيناً والسخرية حين آخر، لذا قرّرت العائلة ان يسافر شقيق ريهام محمد معها كي يكون الى جانبها في رحلتها ولكن شاءت الاقدار وبعد معاناة طويلة في تركيا واثناء محاولة مجموعة من المهاجرين ومن ضمنهم محمد وشقيقته ريهام الابحار باتجاه اليونان ان يصطدم القارب بإحدى السفن الكبيرة اثناء عبورها ليلاً ما ادى الى وفاة عدد من المهاجرين الذين كانوا على متن القارب ومن ضمنهم ابنتي”.

توفيت ريهام وغرق معها حلم قد راودها بأن تتحسّن حالتها الصحية وان تعود الى ذويها بحال افضل، ولكن القدر كان بانتظارها، ورغم علمها علم اليقين بانها لا تعرف السباحة، وأنه في حال غرق القارب فلن تُكتَب لها النجاة، إلا أنها كانت على ثقة بالله وبأنه لن يصيبها الا ما كتب الله لها كما كانت قد قالت لإحدى صديقاتها.

ودّعت ريهام اهلها على امل اللقاء، ولكن يقول الوالد: “لم ولن تعود ريهام الى هذا البيت، إلا ان الله قد منَّ علينا وساعدنا من خلال سفارة دولة فلسطين وعبر الاخ السفير اشرف دبور الذي قام بجهد كبير وجاء بجثمان ريهام من تركيا ليُدفن في مقبرة مخيم البداوي، وهذا جزء من عزاء لي ولوالدتها ولاخوتها، ونحن نشكر رب العالمين على ما أصابنا وعلى نجاة ولدنا محمد”.

وختم بالقول: “أتوجّه لكل الشباب بكلمات والد مفجوع بأن لقمة خبز وملح في المخيم وبين الاهل خيرٌ من السير باتجاه مصير مجهول رغم كل المعيقات والمشقة التي يعيشها الشباب الفلسطيني في مخيمات الشتات”.

الحلم بظروف حياتية أفضل كان الدافع لهجرته

سافر ابن مخيم البداوي عصام زيد، البالغ من العمر 22 عاماً، يوم 2/10/2015 براً عبر الحدود السورية قاصداً تركيا برفقة صديقه عبد عبد العال وبصحبة احد المهربين، ولكن عصام ورفيقه لم يصلا الى تركيا ولم يعودا الى لبنان وانقطعت اخبارهما كما اختفى المهرب ولم يعرف أحدٌ عنه شيئاً، بحسب والد عصام السيد سليم طه زيد.

وحول دافع ابنه للسفر يقول زيد: “كان ابني عصام يسعى لتحقيق مستقبل وحياة أفضل بعيداً عن الاشكاليات المحيطة بالمخيمات وداخلها هذه الايام، وهو الشاب الذي يريد ان يتزوج ويؤسّس عائلة له، ولكن في ظل عدم توفر فرص العمل نتيجة الاوضاع الصعبة التي تمر بها المنطقة عموماً وعدم قدرة الفلسطيني على السفر الى دول الخليج منذ سنوات فإن التفكير حتى في الزواج وتوفير المسكن يبدو أمراً مستحيلاً، لذا أصبحت النظرة للهجرة على أنها ملاذ الشباب الاخير، غير أن الواقع يظهر أن ما ينتظر الشباب المهاجر بعيدٌ عن طموحاتهم وتطلعاتهم، ولذلك عليهم التفكير ملياً قبل الاقدام على مثل هذه الخطوات او القرارات الجريئة، وفي النهاية من يتألّم ويدفع فاتورة تهور الشباب هم الاهل الذين لا حول لهم ولا قوة في ثني اولادهم عن السفر لانهم لا يستطيعون ان يقدموا لهم البدائل. ويبقى الرجاء وفيض الدعاء ان يعود عصام بالسلامة الى البيت وبعدها بيفرجها الله على الجميع”.

الضغوطات المعيشية تدفع بالفلسطينيين لهجرة مجهولة المصير

يرى عضو المجلس الوطني الدكتور صلاح الدين هواري أن هناك محاولات حثيثة لهجرة لاجئي مخيمات لبنان الى البلدان الاوروبية رغم ما يُسمَع ويُشاهَد على الشاشات يومياً من حوادث غرق مروعة او حالات اختناق وموت في شاحنات داخل “كونتينيرات” مغلقة بقصد التهريب من بلد الى آخر او حالات فشل في الوصول الى البلد المنشود يصاحبه سجن او ضياع او نوم في الطرقات والبراري او رجوع بائس الى نقطة السفر.

وعن كيفية تأمين أموال السفر يقول د.هواري: “المهاجرون افراداً او عائلات قد يبيعون كل شيء يملكونه لتأمين نفقات السفر ويضحون بمعايشة الاهل والاصحاب، وقد يستدينون ما يفوق قدرتهم على سداده من الاموال في وقت قصير، وكل ذلك من اجل الخروج بحثاً عن لقمة عيش كريمة أو ظروف حياة افضل من معاناة اللجوء التي تسوء يوماً بعد آخر”.

اما عن اسباب اندفاع الشباب والعائلات نحو الهجرة فيرى الدكتور هواري ان اهمها الضغوطات الاقتصادية والمعيشية والبطالة، إلى جانب الاعباء الجسيمة لتسديد الفاتورة الصحية بعد تقليصات الاونروا، والشعور الحاد بالاحباط وانسداد الآفاق وتراجع الزخم القومي المساند للقضية الفلسطينية، علاوةً على استمرار الانقسام وتبعثر القوى وتعنُّت العدو في الالتزام بوعوده والضغوط النفسية والاجتماعية والمخاوف من الانتكاسات الامنية داخل المخيمات.

ويضيف “هناك تبريرات كثيرة يسوقها الراغبون بالهجرة وهي في كثير من الاحيان محقة واسرعها جريانا على الألسنة ان يقال لك اعطني البديل ولن اخاطرَ ولن اغامر ولن اهاجر!”

أمّا عن البديل فيقول د.هواري: “تتغيّر المخاوف والاوضاع والاسباب الدافعة الى الهجرة وهي ما ذكرنا سابقاً وأعتقد أننا سنشهد مزيداً من المغادرة والمخاطرة لأبنائنا في الايام المقبلة، وهذه برسم كل مسؤول ومعني بالشأن الفلسطيني في مخيمات الشتات بدءًا من المسؤول في المخيم وانتهاءً بقيادة “م.ت.ف” ورئاسة السلطة الوطنية ممثلة بالاخ الرئيس ابو مازن”.

ويتابع “هؤلاء شباب فنيون وخريجون وعمال من ابناء مخيمات الشتات حجزوا لأنفسهم مقاعد على مراكب صيد قد تُبحِر من أيٍّ من موانئ الصيد في لبنان على امتداد الشاطئ، ووحده الله يعلم مصير من يُبحِر، وبالتالي باتت حال مخيماتنا تنذر بخطر داهم لأنها فرغت من عنصر الشباب الذي يعدُّ صمام امان اجتماعي واقتصادي وامني لهذه المخيمات، فهل هناك خطة او مسعى او طريقة لجعل الشباب لا يغادرون ولا يخاطرون ويتسمرون بيننا في المخيم؟!”.

الهجرة تفرغ المخيمات من فئة الشباب

يرى أمين سر حركة “فتح” في الشمال ابو جهاد فياض أن معاناة الشباب الفلسطيني كبيرة في مخيمات لبنان في ظل عدم توفر فرص العمل والأحداث الأمنية وبسبب تقليصات خدمات الاونروا الطبية وحالة الاكتظاظ السكاني بعد مجيء الآلاف من مخيمات سوريا واستعار احاديث السفر والهجرة لديهم.

ويوضح ذلك قائلاً “نشطت حملات السفر الفردية والعائلية بدون التفكير بالمخاطر التي تنتظر من يقرر السفر بدءاً من المهرّب وصولاً الى قطع الأميال بحراً او المشي لمسافات طويلة في بلاد لايعرفها الا الله، ولكن يبقى الله رؤوفاً بعباده، وللمصادفة بتاريخ 20/9/2015 تم القاء القبض من قِبَل فرع المعلومات لمدينة طرابلس على مجموعة من الشباب والأُسَر في ميناء طرابلس يحاولون الهجرة بطريقة غير شرعية وعددهم 52 فرداً بين شاب وفتاة وطفل كانوا يهمون بركوب قارب لا يتّسع لعشرين شخصاً وغير مؤهل وغير آمن، وقد وُزِّعت عليهم ستر نجاة محشوة بالاسفنج وليس “الفيبر” وبذلك اصبحت سترات وفاة لا سترات نجاة اذا ما حصل اي مكروه.

وعند ابلاغنا من قِبَل فرع المعلومات بأن هؤلاء الشباب والأُسَر معظمهم من الفلسطينيين، ومن مخيم عين الحلوة تحديداً، قمنا بالاتصال بالاخوة امين سر الساحة وقائد قوات الأمن الوطني في لبنان وامين سر الاقليم الذين اعطوا بدورهم التعليمات بمتابعة الموضوع. كما قمنا بالاتصال برئيس فرع معلومات طرابلس الذي كان متعاوناً الى اقصى الحدود، وزرنا الموقوفين وأمّنا لهم الطعام، وتابعنا موضوعهم مع المقدَّم عرب الذي وافق على اطلاق سراحهم جميعاً، وبالفعل قمنا بتأمين حافلة ليلاً أقلّتهم الى مخيم عين الحلوة، وبذلك أنقذ الله مجموعة من ابناء شعبنا من كارثة محتمة لو أبحر بهم القارب ليلاً باتجاه تركيا لأنه بالتأكيد لم يكن ليصل أبعد من عدة أميال في المياه الإقليمية اللبنانية”.

ولفت فياض إلى أن العديد من ابناء شعبنا في منطقة الشمال وفي باقي المخيمات يُعِدون انفسهم ويدفعون بأبنائهم الى الهجرة رغم وجود الاخطار المحدقة لأسباب متعددة، ويضيف “كان لغرق الشابة ريهام المغربي، الذي شكّل مأساة لاهلها وذويها، اثر سلبي في صفوف الجماهير الذين يطالبون بالاهتمام بالشباب الفلسطيني وتأمين فرص عمل لهم والقيام بمشاريع تستطيع استيعاب هؤلاء الشباب بدل تعريضهم لخطر الغرق، كما أننا بدأنا نفقد عنصر الشباب وفرغت مخيماتنا من العنصر الشاب الذي هو امل ومستقبل شعبنا وقضيتنا، ولكن لا بد لنا من التنويه بمبادرة الاخوة سفير دولة فلسطين اشرف دبور وأمين سر الساحة اللبنانية لفصائل “م.ت.ف” وحركة فتح” فتحي ابو العردات التزامهم بإحضار جثمان ريهام الى لبنان حيث دُفِنت عند ذويها في مخيم البداوي”.

وتوجه فياض الى القيادة الفلسطينية والسفارات الفلسطينية في دول الخليج طالباً إليها السعي لتوفير فرص عمل للشباب الفلسطيني من الفنيين والخريجين من ابناء المخيمات في لبنان ودراسة موضوع الهجرة بجدية ووضع الحلول للحد من هذه الظاهرة التي تشكّل خطراً على قضيتنا ووجودنا داخل هذه المخيمات.