أرشيف المنتدى

هل تأتي المقاربات اللبنانية بالرئيس المنتظر!

هل تأتي المقاربات اللبنانية بالرئيس المنتظر!

أخيراً قرر لبنان بكل أطيافه إغلاق ملف الرئاسة العالق في أدراج قياداته منذ أكثر من سنتين ونصف. ويبدو أن التشابك الإقليمي وإنساداد آفاقه، أفضى إلى قناعات لبنانية بوجوب حصول تفاهمات داخلية وإن تخللها بعض التضحيات السياسية والذي توّجها الرئيس سعد الحريري بدعمه لترشيح العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية في جلسة مجلس النواب المقرر إنعقادها في الواحد والثلاثين من الشهر الحالي. فهل سنشهد مرحلة جديدة من العلاقات اللبنانية اللبنانية يمكن البناء عليها، أم هكذا هو لبنان تختلف زعاماته حتى يُخيّل إليك أنه الإنشطار فيما بينهم، ثم فجأة تتشابك دروبهم حتى لا تدري من كان الخصم منهم ومن كان الحبيب!. لكن يبقى السؤال;

ما مدى حجم الربح والخسارة الذي طال كل من هذه الزعامات اللبنانية وتياراتها المتشابكة في كثير من القضايا الداخلية والخارجية؟!

بداية، لابد من القول أن لبنان (الوطن) بكل مقوماته، سيكون الرابح الأكبر نتيجة إنشغال الأطراف الإقليمية عنه، والتي أودت إلى ما من شهدناه تقاربات لبنانية هامة بإتجاه إعادة لحمة الوطن. ويحسب للزعامات اللبنانية بأنها حرصت طيلة مدة خلافاتها على وجوب إبقاء شبح الحرب الأهلية أو الطائفية بعيداً عن أبجديات تناقضاته، وتغليبها الدائم لشعار ” التعايش رغم التناقض”. وهي خطوة كانت الأكثر نجاحاً وتأثيراً داخل الشارع اللبناني، وساهمت بتعبيد الطرق لأي حلول قد تظهر في الأفق. فتحية إعجاب لهذا الإصرار على التوافق ولو بعد حين، “أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي”.

عودة إلى فلسفة الربح والخسارة المطروحة بين دهاليز الزعامات اللبنانية، وكيف يمكن قراءة سطورها إذا ما أسفرت جلسة مجلس النواب المنتظر إنعقادها يوم 31 من الشهر الجاري عن إنتخاب الرئيس ميشال عون.

بعد التسليم بأن لبنان (الوطن) هو الرابح الأكبر، في إعتقادي أن القراءة الجدلية لمبدأ الربح والخسارة ترتبط مباشرة بقراءات جديدة فرضتها الظروف الخارجية القاسية التي تمر بها دول المنطقة، مما فرض على أصحاب القرار اللبناني أن يقاربوا المنطق في مسألة إختيار الرئيس. وهي تقاربات يُمكن أن تقرأ على الشكل التالي، مع الأخذ بعين الإعتبار بأن الربح والخسارة ليست مضمونة التوهج الدائم عند أحد، لأنها ستبقى خاضعة لتقلبات الوضع الإقليمي:

– العماد ميشال عون، نجح في تأكيد زعامته المسيحية في لبنان والمشرق العربي، وإن كان أمامه الإمتحان الأصعب وهو، كيف يمكنه التوفيق بعد إنتخابه رئيساً للجمهورية بأن يمسك عصا السياسة اللبنانية من الوسط بالرغم من هذا الكم الواضح من التناقض في تحالفات الزعامات اللبنانية الخارجية. فالفارق في مساحة القرارات لا تتطابق من حيث سهولة إتخاذها ، عندما تكون زعيماً لتيار أو حزب، وصعوبة وربما إستحالة متابعتها لحظة أن تُصبح رئيساُ لكل اللبنانيين، فهل ينجح ي ذلك؟!.

– الرئيس نبيه بري، أثبت أنه الأقدر دبلوماسياً في تدوير صيغة التفاهمات السياسية بين اللبنانيين، والحنكة في عدم فرط عقد التعايش السلم الأهلي بعيداً عن الخطاب الطائفي، وهو وإن خسر في بعض الهوامش ، لكنه الرابح بلا شك كونه الزعيم اللبناني الذي يُنظر إلى فلسفته السياسية في ضبت حركة إيقاع الخلافات اللبنانية اللبنانية وإبقائها تحت سقف الحوار الوطني. ولست أعتقد بصوابية وجوده في صف المعارضة إذا ما تمّ إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية!.

– الرئيس سعد الحريري، لقد قام بالخطوة الأهم منذ منفاه الإختياري، عندما أيّد ترشيح العماد عون، وإن بدت لدى البعض وكأنها مغامرة غير محسوبة. إن زعامة سعد الحريري كانت بطلب ورغبة غير مُعلنة من الجميع عندما جاء وبيده مفاتيح الحلول، ليؤكد من خلال طروحاته، أنه القادر على لملمة حركة الشارع السني الذي إعتقد البعض أنها تأثرت نتيجة غياباته المتكررة. أضف إلى هذا المنفعة الإقتصادية المُنتظرة للشيخ سعد الحريري، وهي حجم الإستثمارات القادمة داخل لبنان والتي قد تُمكنه من إعادة إستقرار وضعه المالي الذي تأثر منذ قرر الإعتكاف في المملكة العربية السعودية. لذلك هو الرابح على المستويين السياسي والإقتصادي إن نجح في إتمام ما تبناه من مقاربات وحلول!.

– الأستاذ سليمان فرنجية، لا شك أنه الأكثر ربحاً إن نضجت تلك المقاربات والتفاهمات. وإن كنت أرى خسارته تكمن في إصراره على ترشيح نفسه أمام العماد ميشال عون. فكرسي الرئاسة لابد طارقةً باب مستقبله القريب، وهو ليس بحاجة لخلق تنافرات سياسية ربما تؤثر على بعض القراءات المستقبلية التي تعنيه. ومن الحكمة أن يستثمر هذا الكم الواضح من العلاقات الجيدة مع جميع الأطراف بشكل تُبقيه أكثر قرباً من مربعه السياسي القوي!.

– الدكتور سمير جعحع، لقد ربح (فقط) في دعمه ترشيح العماد عون، فيوم علم أن مسألة ترشحيه من قبل 14 آذار لم تكن سوى مناورة في وجه مرشح 8 آذار القوي، أدرك أن الرئاسة لم ولن تكون يوماً على مقاسه، وليس أمامه إلا أمران أحلاهما مرُّ، إما الذهاب إلى مُرِّ غريمه والمتهم الوحيد بقتل أبيه، الأستاذ سليمان فرنجية، وإما أن يشرب مرِّ العماد ميشال عون لعل ذلك يأتي عليه بالنفع مستقبلاً. فإختار أن يشرب مرِّ ميشال عون، علّها تكون أرحم مرارةً من وصول سليمان فرنجية إلى قصر الرئاسة في بعبدا !.

– الإستاذ سامي جميل، أن فلسفته الحيادية الناجحة في تهميش تحالفاته الداخلية من أجل إعادة تجديد مفاهيم شابَّة لحزب الكتائب، أزاحت عنه الكثير من الضغوطات السياسية. فمنذ إنتخابه رئيساً لحزب الكتائب عمد على إظهار نفسه حليفاً للبنان الوطن وشأنه الداخلي أكثر من أيّ تحالفات أخرى. وهي على المدى البعيد تصب في خانة طموحاته المستقبلية لموقع الرئاسة اللبنانية وإن لم تتبلور ملامحها بعد!.

– الإستاذ وليد جنبلاط، ربما هو الخاسر الأوضح في تفاهمات لبنان القادم بعد سمير جعجع، لإعتبارات كثيرة. وإذا كان هناك من نجاح يُمكن أن يُحسب له على مدى السنوات الخمس الماضية، فهو نجاحه في تعبيد طريق الزعامة الدرزية لإبنه تيمور، رغم القناعة بأن الزعامة الدرزية لم تعد حكراً على البيت الجنبلاطي، حيث أصبح بحكم المؤكد وجود زعامات درزية غير جنبلاطية قادرة على المنافسة!.

يبقى أن نجاح المقاربات في إنتخاب رئيس ٍ كُتب على جٌدران قصره الجمهوري ( ولو بلون رمادي- صُنع في لبنان-). تجربة تستحق المتابعة والمؤازرة، وقد يُبنى عليها داخل الشارع اللبناني الذي ملّ الإنتظار. رغم القلق من أن تلك “الصناعة” قد لا ترى النور، في حال قررت دولة أو أكثر من دول المنطقة التدخل لتطيل أمد الأزمة.. فيذهب لبنان الوطن إلى حيث المجهول!.

ولنا في القادم من الأيام، الخبر اليقين.

أبورياض