المقالات

لماذا تعارض إسرائيل تعيين هاغل وزيراً للدفاع الأمريكي!؟

وأخيراً نجحت “إسرائيل” في الضغط على الحزب الجمهوري في الكونغوس لعرقلة تعيين هاغل وزيراً للدفاع الامريكي لكونه لا يرغب في توجيه ضربة عاجلة لايران بالمرحلة الراهنة ولاعتماده سياسة الحوار للملف النووي الايراني، فضلاً عن كونه من أشد المعجبين بالرئيس الامريكي الأسبق ايزنهاور الذي ارغم “إسرائيل” على الانسحاب من سيناء عام 56 ياتي تأجيل التصويت على تعيين هاغل لعشرة ايام بعد ان حصل في الكونغرس على 58 صوتا في ان الاكثرية اللازمة هي 60؛ ما يستدعي تصويتاً آخر خلال الاسبوع المقبل؛ ما أدى الى استياء الرئيس الامريكي اوباما من هذه المعارضة المبدئية في وقت تتولى بلاده رئاسة الحرب في افغانستان؛ ما يحتاج وزير دفاعه الجديد الى التنسيق مع حلفائه لضمان الاستراتيجية العسكرية والمهمات الامنية الاخرى الضرورية..

فاعتراض الجمهوريين على قرار ترشيح هاغل كان واضحا منذ ان قدمت أوراقه للكونغرس كوزير للدفاع وذلك على خلفية تصريحات له حول “إسرائيل” وايران والحرب على العراق والتي كان معارضاً لها، فضلاً عن ان الجمهوريين يرون في تشاك هاغل حصوله على عائدات من منظمات متطرفة منذ مغادرته مجلس الشيوخ، وهم يطالبونه بتقديم وثائق اضافية حول كل عائداته في السنوات الخمس الأخيرة.

فوزير الدفاع الامريكي المقترح لخلافة بانيتا كان سناتوراً جمهورياً بين 1997 و2009 وعرف بمواقفه المستقلة عن حزبه، كما انه كان الى جانب اوباما عندما كانا لا يزالان في مجلس الشيوخ؛ ما دعا اللوبي الصهيوني الى التحرك للوقوف الى معارضة اي قرار قد يتم ايصاله الى وزارة الدفاع، غير ان المراقبين يعتقدون ان الادارة الامريكية ستسخر كل جهودها وامكاناتها من أجل اقرار تعيينه بهذا المنصب قبل الجولة التي سيقوم بها اوباما الى الشرق الإسرائيلي والصراع في المنطقة والارهاب، وافغانستان والازمة السورية التي تزداد اشتعالاً بسبب بعض المواقف المترددة للولايات المتحدة وكذلك الدول الاوروبية لدعم الشعب السوري في ثورته ضد النظام، بالاضافة الى ضرورة مساهمة كل من كيري وزير الخارجية الجديد مع هاغل لوضع استراتيجية جديدة حيال المنطقة في ولاية اوباما الثانية، خاصة وأن التحليلات الامريكية ترى الاهتمام بقضايا السياسة العسكرية والسياسية المتعلقة بالشرق الاقصى، اكثر من منطقتنا بالوقت الحاضر بالرغم من أن كيري يرى أن اغلاق الملف الإسرائيلي – الفلسطيني خطوة عملية لانهاء الملفين السوري والايراني، فضلاً عن أن “إسرائيل” ترى ايضاً انه ينبغي على امريكا أن تتحرك لاجهاض الملف النووي الايراني بينما يُصر اوباما وهاغل على ضرورة التفاوض مع الايرانيين وايجاد تسوية سياسية من خلال العقوبات الاقتصادية التي بدأت تؤتي أكلها وأسهمت في خسارة ايران من خلال تأخير بيع نفطها للخارج بحوالي اربعين مليار دولار في العام المنصرم.

فوزير الدفاع الامريكي يشاطر اوباما الرأي بضرورة بحث قضية انسحاب “إسرائيل” الى حدود عام 1967 وعاصمة الدولة القدس الشرقية مع تعديل في الحدود وعقد اتفاقات أمنية بين “إسرائيل” والفلسطينيين بحيث تكون الدولة المقبلة للفلسطينيين منزوعة السلاح، وهو ما ترفضه “إسرائيل” وترى أن حدود عام 1967 غير آمنة لها والقدس عاصمة أبدية لها، فضلاً عن أن تفكيك أو وقف اقامة المستوطنات لا يمكن الالتزام به في اي وقت من الاوقات لانها تمثل الرئة الرئيسة لـ”إسرائيل” للحفاظ على أمنها، وهو ما ترفضه الامم المتحدة، والدولة الاوروبية التي تعتبر أن هذه المستوطنات عقبة كأداء في تحقيق السلام بالمنطقة! .

وهاغل الذي يُثير تعيينه قلق “إسرائيل”، معروف بنهجه الداعي الى عدم التدخل في النزاعات الخارجية ومنها ايران، حيث كتب مؤخراً المحلل السياسي برادلي بورستون تحليلاً في صحيفة هآرتس قال فيه “الطريق الى ايران ينتهي عند هاغل” فيما قال اورني هوزلاي في صحيفة يديعوت احرونوت يوم الاول من امس “الرسالة التي يوجهها الرئيس أوباما الى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يمكن تلخيصها في عشرة حروف “تشاك هاغل” بالانجليزية، وهذا يعني أن الرسالة الموجهة الى “إسرائيل” واضحة لا لبس فيها انه لم يعد من السهولة الحصول على ضوء اخضر من واشنطن لاطلاق مغامرة عسكرية ضد ايران في هذه الاجواء والمعطيات والمتغيرات العربية في سورية والدولية في افغانستان وثورات الربيع العربي لم تهدأ بعد! وهذا يشير بشكل واضح وجلي إلى ان قادة المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة والمسؤولين الإسرائيليين يبذلون كل جهودهم المضنية للحيلولة دون حصول هاغل على هذا المنصب،

فهم يجادلون بأن تعيينه سيضر بمصالح “إسرائيل” لأنه يدعو الى الحوار مع حماس وحزب الله، ولأنه لا يؤمن بأن الحرب تمثل السبيل الامثل للتعامل مع البرنامج النووي الايراني!! واذا كان الرئيس الامريكي أوباما يثق في هاغل ويواصل سعيه لتعيينه في هذا المنصب؛ فلكون نتنياهو حفر حفرة لنفسه عندما عامل اوباما اثناء الانتخابات الرئاسية الثانية باحتقار ووقف الى جانب “رومني” بشكل فاضح، واتهم اوباما بالضعف في سياساته الوطنية والدولية والاقليمية فانه بذلك يكون قد أساء إلى الرئيس اوباما وهو ينال هذه المواقف بالرغم من انه لا تعني ابداً الابتعاد عن الوقوف الى جانب أمن “إسرائيل” مستقبلا! واذا كان نتنياهو قبيل زيارة اوباما او تعيين هاغل يقوم بزيارات للمستوطنات الإسرائيلية والتي قامت بها حكومته بتحويل احد المعاهد الى جامعة قي قلب الضفة الغربية على بعد عشرة كيلومترات من مستوطنة أرئيل القريبة من مدينة نابلس،

فان القيادة الإسرائيلية بدلاً من اخلاء البؤر الاستيطانية كبادرة حسن نوايا مع الفلسطينيين قبيل زيارة اوباما فانها صادقت على اعلان البؤر الاستيطانية الجديدة في الضفة، وزارها نتنياهو بشكل سري وهذا يؤكد ان “إسرائيل” غير معنية بالسلام بالمنطقة! وبالرغم من ان هاغل حاول استرضاء الجانب العربي مؤخراً الذي يعرب عن معارضته لعملية عسكرية ضد ايران، ويتهم في احاديث مغلقة نتنياهو بمحاولة جر الولايات المتحدة الى حرب مع ايران وصفها بانها “امر مجنون” بل وانه عارض العقوبات الاقتصادية التي فرضت على ايران، كما يؤيد هاغل اقامة دولة فلسطينية ووقع رسالة تدعو اوباما للشروع في مفاوضات مع حزب الله وحماس، الا ان كل ذلك لم يستطع تغيير التصويت على تعيينه كوزير للدفاع الامريكي! والواقع انه بتعيين كيري وزيراً للخارجية وترشيح هاغل للدفاع يتضح ان ادارة اوباما ترغب في توجيه دفة سياساتها لتسوية سياسية في المنطقة وفق معادلة “دولتين لشعبين” على ان تكون القدس الشرقية في اطارها عاصمة لدولة فلسطين، فضلاً عن كون هاغل يعمل مع كيري في السنوات الماضية لتوجيه السياسة الامريكية نحو الاعتدال بالمنطقة حيث عارضا الاستيطان وحثا الرئيس الامريكي عام 2009 على فتح حوار سياسي مع دمشق والاسهام بحل الازمة السورية الراهنة، وأدانا ما سميّاه بـ”سياسة الفصل العنصري” وهي من التصريحات النادرة لسناتور امريكي، وكذلك فان هاغل لم يؤيد اضافة الحرس الثوري الايراني الى قائمة الإرهاب الأميركية!.

عبد الله محمد القاق

الدستور، عمّان، 17/2/2013

مقالات ذات صلة