المقالات

ما سر إعادة اعتقال المفرج عنهم بصفقة شاليط؟

ما سر إعادة اعتقال المفرج عنهم بصفقة شاليط؟

عميره هاس

منذ تم التوقيع على صفقة تحرير جلعاد شليط في تشرين الاول 2011 اعتقل الجيش الاسرائيلي و’الشباك’ 14 سجينا أُفرج عنهم في اطار الصفقة. وكان حُكم على 5 منهم في حينه بعقوبات سجن طويلة راوحت بين 24 سنة الى 38 سنة، وقد يعودون الآن الى قضاء ما بقي من مدة السجن بين 16 سنة الى 28. وذلك لأنه في 2009 وفي موازاة التفاوض في الافراج عن شليط، أُدخلت تغييرات في القوانين العسكرية المتعلقة بالافراج عن السجناء قبل انقضاء فترة السجن (الأمر رقم 1677 المتعلق بتعليمات الأمن). وتُمكّن التغييرات والتفسيرات التي تُعطى للأمر اليوم الجيش الاسرائيلي و’الشباك’ أن يعاودا اعتقال كل مُفرج عنه حتى نهاية مدة سجنه الأصلية، بسبب جنايات ليست اعمالا ارهابية مع الاعتماد على أدلة سرية.

إن المعتقلين الخمسة هم سامر العيساوي من العيسوية، الذي يحيا منذ 210 أيام على الماء والاملاح والاضافات الغذائية فقط، وأيمن الشراونة من دورة، الذي صام مع انقطاعات قصيرة منذ 140 يوما، وابراهيم أبو حجلة واياد أبو فنون وأيمن أبو داود. وحُكم على معتقلين آخرين ومنهم حدَث وامرأة من البداية بفترات سجن قصيرة وهم يسترعون انتباها أقل من الرأي العام الفلسطيني.

الى جانب العيساوي وشراونة يُضرب عن الطعام معتقلان اداريان آخران هما طارق قعدان وجعفر عز الدين. وينجح هؤلاء الاربعة في هذه الايام بتهييج النفوس في الجمهور الفلسطيني أكثر من كل عامل احتكاك آخر ينشأ تحت السيطرة الاسرائيلية. وقد نحّى الاهتمام لمصيرهم وغضب عائلاتهم لأنه لا يُسمح لها بزيارتهم النقاش الجوهري في صفقة شليط.

أفادت وسائل الاعلام الاسرائيلية ان المعتقلين عادوا الى النشاط الارهابي، في ظاهر الأمر، لكن جهاز الأمن يُعرّف الاعمال التي يراها الفلسطينيون مدنية كالحصول على مخصص بقاء كالذي حصل عليه أبو داود، أو سياسية عادية كالعضوية في المؤسسات السياسية من م.ت.ف والمشاركة في اجتماعات أو جلسات، بأنها ارهاب.

حُكم على أبو حجلة بـ 24 سنة سجن بسبب اعمال تولاها في الذراع العسكرية للجبهة الديمقراطية زمن الانتفاضة الثانية، وحينما تم اعتقاله في بيته في رام الله في حزيران 2012 بعد الافراج عنه بثمانية اشهر، لم يكن يخطر بباله انه مطلوب. إن وزيرة الثقافة في حكومة سلام فياض عضو في الجبهة الديمقراطية، والجبهة جزء من م.ت.ف التي وقعت اسرائيل معها على اتفاق اوسلو. ولم يعتقد أبو حجلة، وهو نشيط قديم في الجبهة الديمقراطية عاد الى البلاد بعد التوقيع على اتفاق اوسلو وباذن اسرائيلي، أن النشاط المدني السياسي سيصبح محظورا وانه سيُعتقل بسببه. واعتقل العيساوي في المقابل لأنه خرج بعد الافراج عنه من القدس الى حي الرام المجاور ونقض بذلك شروط الافراج عنه.

تُمثل المحامية أحلام حداد الشراونة الذي اعتقل في 31 كانون الثاني 2012، وأبو فنون الذي اعتقل في نيسان 2012. وتزعم سلطات الأمن أنهما عادا الى نشاط محظور، لكن الأدلة عليهما سرية ويُنكر هذان الاثنان الدعاوى بشدة. وقد أُدين أبو فنون في 2003 بمحاولة قتل وبعضوية في الجهاد الاسلامي وحُكم عليه بـ 29 سنة سجن أمضى 9 منها. وأُدين الشراونة بالمشاركة في عملية في بئر السبع وبانتاج قنبلة وبالعضوية في حماس، وحُكم عليه بـ 38 سنة سجن أمضى 10 منها.

في يوم الاربعاء القريب سيُسمع في المحكمة العليا استئناف في قضية الشراونة كتبته حداد مع المحامي نيري رماتي من مكتب غابي لسكي. ويقترح الاستئناف تحليلا قانونيا مبدئيا للامر 1677 والتغييرات التي أُدخلت فيه والتفسير المعطى له، ولهذا فانه ذو صلة بأكثر المُفرج عنهم الذين اعتقلوا وبمرشحين آخرين ايضا لاعتقال من جديد. وتعتقد حداد ورماتي ان المواد المعدلة من الأمرين 186 و184 تشتمل على تعليمات يُحدث استعمالها كتلة حرجة تجعل الاجراء غير عادل. إن اللجنة العسكرية التي تبحث في نقض شروط التسريح بخلاف لجان التسريحات في اسرائيل التي يكون فيها عاملون اجتماعيون وخبراء جرائم وناس تربية وخبراء نفسيون اعضاءا، تتألف من ضباط فقط ذوي أهلية لأن يعملوا قضاة. ومعنى ذلك في رأي حداد ورماتي انه يشارك في عضوية اللجنة ناس من الجهاز العسكري فقط ‘الذي أمر باعتقال المسرحين ولم تكن له مشاركة في قرار تسريحهم’.

يقضي الأمر 1677 بأن شرط التسريح هو ألا ينفذ السجين جناية تكون عقوبتها ثلاثة اشهر سجن أو أكثر. وهكذا فان مخالفة سير أو مشاركة في مظاهرة أو بقاءا غير قانوني في اسرائيل تعيد المسرح ليمضي 20 30 سنة سجن اخرى. وبخلاف اللجنة الاسرائيلية المدنية لا يوجد للجنة هنا أي صلاحية لتقصير فترة السجن المتبقية. وأضافت حداد ورماتي انه لا حاجة بحسب هذا الأمر الى تأثيم المرء بمخالفة لاعادته الى السجن. ‘لا تشتمل مواد القانون على أي تفسير يُبين كيف يجب على اللجنة ان تحدد ان انسانا نفذ جناية حينما لا يكون أُدين بها’، كتبا. وفي واقع الأمر لو كانت تلك التعليمات موجودة في 1985 لكان أُعيد عشرات من المفرج عنهم بصفقة جبريل من الذين شاركوا في الانتفاضة الاولى واعتقلوا أو حُكم عليهم لنشاطهم، الى سجن طويل بل الى السجن المؤبد.

يحق للجنة الحصول على أدلة سرية ولا يجب ان يعطيها المصدر الأول. كأن يكون ذلك على سبيل المثال تقريرا ينقله عميل ‘شباك’ اعتمادا على تفصيلات سمعها. ‘إن التأليف بين جميع المواد يُحدث نظاما خطيرا قد يفضي الى وضع تكون فيه اللجنة العسكرية ملزمة دون تقدير ان تعيد للسجن انسانا لعشرات السنين’، كتبا. ‘وذلك بناءا على معلومات استخبارية فقط تعتمد على صِدق مصادر لم تظهر أمام اللجنة، من غير ان يُعطى انسان فرصة للدفاع عن نفسه ومن غير ان يعلم ما هي تهمته. وذلك في وقت تكون فيه ‘خطيئته’ انه نفذ جناية لم يُدان بها، ومن غير تقدير للامور يتعلق بالمدة التي ينبغي ان يُسجنها’. والشراونة في وضع كهذا كما يزعم الاثنان وأن الجيش الاسرائيلي يزعم انه قام بمخالفة تتعلق بنشاط تنظيمي في حماس. ‘لم يُمنح المستأنف أية فرصة لفهم أو مواجهة الأدلة عليه أو حتى لمحاولة عرض دعوى دفاعية أو صيغة مضادة وذلك لأن كل الأدلة عليه كانت سرية’، أضافا، ‘ولم تشتمل الأدلة السرية التي عرضت على اللجنة على شهادة المصادر نفسها بل على موجز أتمه محقق ‘شباك’ من معلومات استخبارية جُمعت’.

جاء عن متحدث الجيش الاسرائيلي ردا على ذلك أنه ‘في اطار صفقة الافراج عن الجندي جلعاد شليط أُفرج عن سجناء بحسب كتب عفو وقع عليها رئيس الدولة وأوامر تخفيف للعقوبة وقع عليها قائد منطقة الوسط. واشتملت كتب العفو هذه على شروط الافراج عن السجناء، وفي أساسها شرط عدم معاودة نشاط أمني محظور. وهذا الشرط يشتمل عليه ايضا الأمر المتعلق بتعليمات الأمن في يهودا والسامرة على حسب القوانين في يهودا والسامرة يمكن ان يُلغى التسريح المشروط بسبب إدانة بمخالفة اخرى في اثناء مدة الشرط أو بواسطة لجنة ادارية يحق لها ان تفحص عن معلومات استخبارية تشهد على نقض الشروط’.

يُشعر بين الفلسطينيين تحت السطح بحقد على الاستخبارات المصرية والمفاوضين من قبل حماس. فهناك من يعتقدون أنهم تصرفوا باهمال ولم يفكروا فيما ينتظر بضع مئات من السجناء من سكان الضفة الغربية ومنطقة القدس لم يُطردوا الى الخارج أو الى غزة بل عادوا الى بيوتهم. إن حماس في غزة تتمتع بهالة المحررة أما السلطة الفلسطينية فهي التي تتحمل آثار الغليان الاجتماعي وتتلقى الغضب المجدد بسبب وضع السجناء. وإن نادي الأسير الفلسطيني والمكتب الحكومي لشؤون الأسرى يحصران العناية في الأساس في اتصالات دبلوماسية بالجانب المصري: محادثات مع المسؤولين في الاستخبارات، ولقاءات في القاهرة وارسال رسائل الى السفير المصري في رام الله ويأملون ان يساعد تدخل دبلوماسي حينما تفرغ مصر لذلك. وذهبت عبثا محاولات ليُفهم من حماس ما هي تفصيلات الصفقة أو ما كان مبلغ علم ممثليها بالشروط المحددة، برغم ان الكشف عن التفصيلات كما يبدو ما كان ليغير الوضع الذي نشأ.

هآرتس 17/2/2013

القدس العربي، لندن، 18/2/2013

مقالات ذات صلة