اخبار دولية وعالمية

أنجيلا ميركل تغادر المشهد الأوروبي: المستشارة التي “حاولت”

ناصر السهلي

26 سبتمبر 2021

قد يقرأ الأطفال الألمان، عن أنجيلا ميركل، بعد 50 عاماً من اليوم، أنها “المستشارة التي حاولت”، كما أعربت مرّة عن رغبتها في أن تُذكر في كتب التاريخ. فالمستشارة الألمانية، التي ترعرعت في السياسة على أنقاض الحرب الباردة، وبزغ نجمها بعد انهيار جدار برلين، بعدما نما حسّها الوطني في ألمانيا الشرقية، ظلّت طوال 16 عاماً في السلطة، وخصوصاً خلال الأعوام الأخيرة، ترفض الحديث عمّا يسمى بالإرث الذي ستتركه، وهو إرث حمل ثلاثة عقود، احتاجت ميركل إلى نصفها للوصول إلى أعلى الهرم. وقد ترفض ميركل، المستشارة السيدة الأولى في عهد ألمانيا، ومن ألمانيا الشرقية، الخوض في إرثها، تحديداً لأنه جدلي، أو لأن النجاح فيه ظلّ “ناقصاً”.

فصاحبة الألقاب الكثيرة، من “صاحبة الهرم المقلوب” (في إشارة إلى حركة يديها عند كل مرة تقف فيها وكأنّ كفيّها تصنعان هرماً مقلوباً)، إلى “الأم ميركل”، إلى “ملكة أوروبا”، إلى “سيّدة ألمانيا الحديدية”، وهو لقب لم تحبّه، إلى “مستشارة المناخ” (التي لم تف بكل وعودها على صعيد البيئة)، أدارت السياسة الداخلية والخارجية لبلادها، وفق المؤرخين لسيرتها، من منظور علمي، ربطاً بسيرتها الأكاديمية كفيزيائية، وعرفت بالقيادة كمديرة للأزمات الكبرى، وذات نظرة براغماتية، تميل إلى الوسطية واجتراح الحلول الوسطى، وليس كقائدة صاحبة رؤية.

تغادر ميركل منصبها تاركة اتحاداً أوروبياً ينوء تحت أزمات وتحديات من مختلف المشارب

وقد يكون الاتحاد الأوروبي، الذي حضرت فيه المستشارة مائة قمّة أوروبية، واختبرت العمل مع زعماء أوروبيين، متحمسين ومتطرفين حتى، أكثر من افتقر لتلك الرؤية المستقبلية، خلال فترة منصبها. فعلى الرغم من دورها الحاسم في إنقاذ منطقة اليورو، وتمكنها مع فرنسا من إدارة مرحلة الخروج البريطاني من الاتحاد بأقل الخسائر للكتلة الأوروبية، ووجهها “الإنساني” الذي جعل أوروبا أكثر انفتاحاً، إلا أن ميركل تغادر اليوم منصبها، تاركة اتحاداً أوروبياً، ينوء تحت أزمات وتحديات من مختلف المشارب، كشفتها خصوصاً أزمة كورونا والعلاقة مع الولايات المتحدة. وفيما عاصرت ميركل في سنواتها الأخيرة بالمنصب، خضّة النظام العالمي، وصولاً إلى عهد دونالد ترامب في الولايات المتحدة، والخروج الأميركي من أفغانستان، تمسكت المستشارة، بالحلف العابر للأطلسي، لكنها فتحت نافذة كبيرة للحوار مع روسيا والصين، وفق النظرة البراغماتية ذاتها والمصالح المشتركة، وهو ما جعلها مراراً في موقف متباين مع واشنطن.

وفيما تغادر المستشارة منصبها، بإرادتها، بعدما أعلنت اعتزال السياسة من بابها الرسمي، لا يبدو حزب ميركل اليوم، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، في عصره الذهبي، وسط خشية من أن تخبو الثقة التي ضخّتها المستشارة في نفوس الألمان، لناحية قوة بلادهم السياسية والاقتصادية، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن نسبة كبيرة منهم يعتريها الخوف على مستقبل البلاد من بعدها.

من هي أنجيلا ميركل؟ وكيف سطع نجمها من ألمانيا الشرقية، لتهيمن وسط “قطيع الذئاب” الذكور في السياسة الألمانية؟

ابنة ألمانيا الشرقية “تعبر الباب”

ولدت أنجيلا دورثيا كاسنر، في يوليو/تموز عام 1954، في مدينة هامبورغ، في ألمانيا الغربية. والدها، هورست كاسنر كان قسّاً في الكنيسة اللوثرية، ووالدتها هيرليند غينتش، معلمة للغتين الإنكليزية واللاتينية، وانتقلا مع العائلة في عام 1957 إلى مدينة تمبلن، في ألمانيا الشرقية الشيوعية، حيث نشأت ميركل وكبرت، خلال فترة الحرب الباردة. رفضت ميركل لاحقاً، بعد دخولها المعترك السياسي، كل ما قيل عن أنها كانت متحمسة خلال مراهقتها للحكم الشيوعي. الشيء الأكيد المعروف عنها خلال تلك الفترة، كان عضويتها في الكشّافة الألمانية الشرقية، وتشجيعها فريق ألمانيا الشرقية لكرة القدم، الذي فاز في عام 1974 على ألمانيا الغربية

مقالات ذات صلة