المقالات

ضحايا الربيع العربي المعري وطه حسين

ضحايا الربيع العربي المعري وطه حسين

بقلم/ توفيق أبو شومر

يدور جدلٌ واسع حول أفضل التسميات لما يجري في العالم العربي:

فهل هو ربيعٌ عربي أم هو خريف عمر العالم العربي؟

وهل هو بداية انعتاق العرب من ديكتاتورية حكامهم، أم أنها بداية عبودية أخرى جديدة لطغاة جُدُد يستهدفون العقول ؟

فقد انبرى المحللون في تحليل ما يجري، وافتنُّوا في وصف وتحليل ما يجرى في الدول العربية، وأسهل تحليل هو التحليل الذي يُرجع ما جرى وما سيجري إلى نظرية المؤامرة على مصير هذا العالم العربي، وكأن غياب الديمقراطية عند العرب بمعناها السياسي فقط كان يشكل خطرا جسيما على العالم بعدد سكانه وتأثيراته الأيدلوجية!

بعيدا عن تخرصات المتابعين وتنبؤات قُرَّاء طوالع الأوطان،وتحليلات المختصين في الشؤون العربية، وبعيدا عن آراء متقاعدي جيوش العرب ممن يسمون أنفسَهم تارة خبراء عسكريون استراتيجيون، وتارة أخرى محللون لشؤون المعارك؛ فإنني أنظر إلى ظلال ما جرى في الدول العربية وأحاول أن أربط الخيوط مجتهدا لتحديد مسارات ما يجري من أحداث.

إن ما جرى في كل البلدان العربية لم يكن هدفه الرئيس التخلص من استبداد الحكام الطغاة المكروهين من شعوبهم، كما يبدو للمتابعين من فئة قصيري النظر، بل إن ما جرى وما سوف يجري ليس سوى

وإعادة تشكيل هذا التراث بالطبع ليس من قبيل التجديد والإبداع ، بل من قبيل إعادة العرب إلى عصور الظلام، باستبدال القهر من طغاة الحكام بقهر أيدلوجي ظلامي يغتال بعض سمات التقدم والرقي، وإعادة العرب إلى حظيرة الجهل والخرافات!

نعم إن بعض تراثنا الحضاري الذي نجا من الاندثار يتعرض اليوم للطمس والتشويه، فما يجري اليوم من دمار للمدن التراثية في سوريا وما يجري من حرائق في مصر لمستودعات ومتاحف التراث والتاريخ ليس سوى الصورة الجديدة لمستقبل دول العرب!

لقد مرَّ خبر تدمير تمثال أبي العلاء المعري في معرة النعمان في سوريا يوم 10/2/2013 مرور الكرام في الإعلام العربي، ومرّ خبر قطع رقبة تمثال طه حسين في مدينة المنيا المصرية يوم 15/2/2013 أيضا مرور الكرام، ولم يتمكن كثيرون من ربط الحدثين في سلسلة ما يجري، ولا أقصد بذلك أن أبا العلاء وطه حسين يشتركان في صفة جسدية واحدة، ولا أقصد كذلك أن رسالة الدكتوراه لطه حسين كانت حول أبي العلاء، وإنما أقصد أن فريق المخربين هم أنفسهم وإن تعددت دول العرب!!!

وما يزال فريق تدمير التراث يستهدف التراث والتاريخ ، لأن التراث العربي المتنور يهددهم ويثير الشكوك في رسائلهم، ويضيء نور العقول، التي يسعون هم لإطفائها، وهذه الجرائم للأسف لا يُبرزها الإعلام كما يُبرز أخبار معارك الزعماء والرؤساء، فمجازر التاريخ والحضارة والتراث مسكوتٌ عنها في الإعلام العربي والعالمي!

وما يزال فريق التدمير يستعد للمرحلة التالية، فقد سمعتُ أحد أكبر إرهابيي التاريخ خطورة في قناة فضائية يدعو إلى تدمير أهرامات الجيزة لأنها أصنام ، ويدعو إلى التخلص من كل المومياوات المحنطة!

ما جرى وما يجري فيما يسمى الربيع العربي ليس سوى الحلقة الأولى من استهداف التاريخ والتراث العربي، لهدف صياغة العرب صياغة جديدة، هدفها إسكاتُ الفكر، وطمس معالم الحضارة، ونفي المبدعين والمفكرين، وإجبارهم على الرحيل، لأنهم ألدُّ أعداء دعاة التجهيل!!

هؤلاء المخربون دعاة التجهيل ممن استبدلهم ربيعُ الثورات العربية بطغاة الحكام العرب، هؤلاء هم المخربون الجدد الذين أخذوا على عاتقهم مهمة غسل دول العرب وتطهيرهم من تاريخهم وتراثهم العربي العابق بالحضارة والفلسفة والعلوم، تراثهم العربي السمح الذي اعتبر التعدد العرقي والحضاري أهم مكوناته وجعله طريقا نحو الحضارة والتقدم، إنهم أعداء الفكر والعقل، أعداء الحضارة والإبداع، هم ينفذون اليوم أخطر المهمات في تاريخنا، بعد أن فرَّطْنا في تربية أبنائنا وتعليمهم، وقدَّمْناهم لهؤلاء الطغاة ليتولوا تعليمهم وتربيتهم وتأطيرهم وفق أيدلوجياتهم!

مقالات ذات صلة