اخبار الوطن العربي

المبيدات الزراعية في البقاع.. عشوائيّة الاستخدام تستدعي دق ناقوس الخطر!

المهندسة عبير نون

 يوليو 12, 2023

خاض المزارع منذ القِدَم صراعًا كبيراً بينه وبين الآفات الحشرية على الغذاء، فلجأ إلى إبتكار طرق لمكافحة هذه الآفات الخطيرة، فبدأ باستخدام مركّبات ذات أصل نباتي كالفلفل الحار والزرنيخ ورشها على المحاصيل، فلاحظ أنّ هذه المركّبات باستطاعتها القضاء على الآفات الحشريّة الّتي تدمّر المحاصيل وتهدّد الغذاء. ومن هنا أخذت المبيدات تتطور بمرور الزمن حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم بما تحمل من خطورةٍ وأهميّة في آن معًا.

المبيدات الحشريّة هي مادة كيميائية تُستخدَم من أجـل مكافحة الآفات بمختلف أنواعها، والتي تقتل أو تمنع أو تحدّ من تكاثر وانتشار الكائنات الحية التي تنافس الإنسان في غذائه وصحته. لا نستطيع إنكار أهميّة المبيدات في الحفاظ على بيئة سليمة خالية من الأمراض والقوارض والحشرات، وهذا ما يلاحظه المزارع البقاعي خصوصًا، إذ أنّ هذه المبيدات استطاعت مكافحة الحشرات الناقلة لأمراض الإنسان الوبائية، مثل بعوضة الملاريا، والذباب والجراذين التي تُعدّ مخزنًا للكثير من الأمراض والأوبئة. لكن إستخدام المبيدات دون تنظيم واستعمال الجرعات الزائدة، أدى إلى خلق مشاكل عديدة للبيئة في لبنان عمومًا وفي البقاع خصوصًا.

المبيدات الزراعية في البقاع

هناك أنواع كثيرة من المبيدات الّتي لا يمكن حصرها، منها الحَشريّة المُستخدمة للقضاء على الحشرات التي تصيب المحاصيل الزراعية، ومنها التي تستخدم في المنازل، والتي تقضي على البعوض والصراصير. ومنها الفطرية التي تُستخدم لمكافحة أنواع الفطريات الضارة التى تصيب الكائنات الحية. ومنها العشبية التي تقضي على الأعشاب غير النافعة المضرّة بالمحاصيل الزراعية.

أيضًا هناك مبيدات القوارض المستخدمة للقضاء على القوارض والفئران التى تسبب مشاكل صحية كثيرة، حيث تنقل الفئران البكتيريا المسببة للأمراض كالطاعون مثلًا. وأهمّها مبيدات الصحة العامة التي تمتلك مواصفات مرغوبة ومحددة لقربها من البيئة التي يعيش بها الانسان فتكون سمّيتها خفيفة ولا تؤثر على الكائنات غير المستهدفة خاصة الإنسان والحيوان.

الأثر البيئي للمبيدات الزراعية في البقاع

نظرًا للمساحات الشاسعة المزروعة في البقاع، يلجأ المزارع إلى استخدام المبيدات كحلٍّ سريع، للسيطرة على الآفات، لكنه لا يدرك غالبًا سرعة تكيّف الحشرات مع ذلك، والسبب يعود لقدرة تلك الحشرات على توليد مناعة ضد المبيدات. أما الأخطر فيتمثّل بقضاء تلك المبيدات على الحشرات النافعة التي تغني المزارع عن استخدام الأدوية أصلًا. والأخيرة تعتبر من الأسباب الرئيسيّة التي تؤدي إلى التلوث، فالمزارع لا يدرك أثناء رش المبيدات، أنّ الهواء يحمل حبيبات المبيد وينقلها من مكان إلى آخر، ما يؤدّي إلى تلوّث الجوّ من خلال رذاذ المبيد وبخاره المنتشر في الهواء، الأمر الذي يضر بالكائنات الحية.

المبيدات الزراعية في البقاع

نظرًا للمساحات الشاسعة المزروعة في البقاع، يلجأ المزارع إلى استخدام المبيدات كحلٍّ سريع، للسيطرة على الآفات، لكنه لا يدرك غالبًا سرعة تكيّف الحشرات مع ذلك، والسبب يعود لقدرة تلك الحشرات على توليد مناعة ضد المبيدات

إضافة إلى ذلك يؤدّي سقوط المبيد على سطح التربة، خلال عملية الرش، إلى تدمير خصوبة الأرض والتّربة، وتدهور مجتمع الكائنات الحية التي تعيش فيها. فغالبيّة المزارعين البقاعيّين يهرعون حتّى اليوم، عند انتهائهم من الرش، إلى غسل الأدوات والمعدات وسكب ما تبقى منها في الأنهار، التي بدورها تتسرب وتصل الى الآبار الجوفية محدثةً تلوثًا في المياه.

لا يراعي أغلب المزارعين في منطقة البقاع، خلال تطبيقهم لنثر الأسمدة الكيميائية ورش المبيدات، إحتياطات الأمان، بارتداء الملابس أو الأقنعة الواقية، وهذا ما يعرضهم الى مخاطر التّسمم، من خلال وصول المبيد، عن طريق الجلد، أو الاستنشاق، أو عن طريق الفم أو العين. ينتج عن ذلك على المدى الطويل أمراضًا في الكبد، وفشل في الكلى، وأمراض سرطانيّة. فبعض المبيدات عديمة الرائحة، لذلك لا يدركُ المزارع تعرّضه للإصابة مباشرةً، الّتي تؤدي الى تلف في الأعصاب.

المشاكل التي يعانيها المزارع البقاعي

أصبحت المبيدات جزءًا من حياة المزارع البقاعي، حيث أدخلها إلى حياته اليومية، وصارت تشكّل جزءًا مهمًّا من غذائه، ولكنّه لا يدرك ترسّباتها الموجودة في طعامه، وهنا تكمن المشكلة، والتي تتمثّل بغياب الوعي الّذي لا يُعد من مسؤوليته وحده، إنما من مسؤوليّة الجهات المعنية في إقامة دورات تدريبية، وندوات تثقيفية توعويّة حول هذا الموضوع.

إضافة لذلك، يعاني القطاع الزراعي في البقاع منذ سنوات طويلة، غياب الدور الفعال للدولة، وقد تفاقم هذا الغياب مع الأزمة الاقتصادية الحالية، فشهد حالة من الفوضى العارمة، برزت إحدى تجلياتها بالصيدليات الزراعية الّتي بمعظمها تبيع المبيدات دون شهادة أو ترخيص، الأمر الذي ساهم بزيادة الاستخدام العشوائي للمبيدات، خاصّة في القرى النائية، حيث تسود ظاهرة بيع المبيدات في محلات المواد الغذائية، وذلك لغياب الرقابة الفعّالة، من قبَل أجهزة الدولة على مؤسسات ومحلات بيع الأدوية.

المبيدات الزراعية في البقاع

يلجأ بعض المزارعين البقاعيين إلى شراء المبيدات المهرّبة، نظرًا لانخفاض أسعارها، مقارنة مع المبيدات المجمركة. ما يدفع بالمزارع الى شرائها واستخدامها على النبات، جاهلًا آثارها الخطيرة على صحته وصحة البيئة، كونها تحتوي سمومًا أكثر بكثير من تلك المجمركة.

أيضًا من المبيدات التي يُحظر استيرادها، وهي متوفرة حاليًا في الأسواق اللبنانية، المبيد الحشري مونوكروتوفوس (Monocrotophos)، وهو مخصّص لمكافحة العصافير، وذلك في فترة نضوج العنب والذي تمثّل ترسّباته، مصدراً للتسمّم، وتلوّث الإنتاج والبيئة، ويشكّل استخدام ذلك المبيد، عائقاً أمام تصدير العنب الى الدول الأوروبية. وقد تمّ قبل سنوات عدة إتلاف كمية كبيرة من العنب اللبناني، كانت قد صُدّرت الى الدانمرك وبريطانيا، لاحتوائها على نسبة عالية من المواد السّامة.

 

المبيدات الزراعية في البقاع

أصبحت المبيدات جزءًا من حياة المزارع البقاعي، حيث أدخلها إلى حياته اليومية، وصارت تشكّل جزءًا مهمًّا من غذائه، ولكنّه لا يدرك ترسّباتها الموجودة في طعامه، وهنا تكمن المشكلة، والتي تتمثّل بغياب الوعي

ما يقلق حاليًا، ونتيجة الظروف الإقتصادية الصعبة، التي يمر بها المزارعون في البقاع، هو استخدامهم مبيدات ذات سميّة عالية، وذلك في فترة نضوج الثمار، والتي تحتاج فترة طويلة للتفكك. يعود ذلك إلى ارتفاع كلفة الإنتاج وعدم قدرتهم على الانتظار، ما يضطرّهم إلى قطف الخضار باكرًا ونقلها الى السوق بغية تحقيق أسعار مقبولة، وذلك قبل أن تتفكك المبيدات بداخلها.

لا يزال المزارع البقاعي ضحية الشركات الزراعية الكبرى، التي تبيع الأسمدة والمبيدات مستغلة ضعف خبرة المزارع وثقافته، وقصر نظره، وإدراكه للمخاطر المحيطة به. وهذا ما تتحمّل مسؤوليّته الدولة االلبنانبة، التي عليها أن تتبنّى تنظيم برامج توعوية للمزارعين، وإرشادهم وحثهم على استخدام المصائد للحشرات، واستعمال المبيدات العضوية الطبيعية، كمصدر بديل عن المبيدات. كما تنظيم ورش عمل في مواقع التطبيق، وتعليم المزارع احترام فترة الأمان. كذلك فرض قيود ومعايير على استخدام المبيدات، وتنظيم وحصر بيعها بأهل الخبرة فقط من حملة الشهادات الجامعية، فالحالة الكارثيّة التي وصل إليها المزارع اليوم، تحتّم اتخاذ إجراءات من شأنها الحد من استخدام المبيدات وإلا لا بد أن يُدق ناقوس الخطر.

مقالات ذات صلة