أرشيف المنتدى

ميلاد ابن مخيم نهر البارد يوزع الابتسامات…

ميلاد ابن مخيم نهر البارد يوزع الابتسامات…

nahr_albared_nov_new_1.webp

ميلاد شاب عصري دائم الابتسام والحركة، الكل يريد منه شيئا داخل “مركز الشباب الفلسطيني التفاعلي”، الكبير يسأله كيف يتصرف والصغير يطلب منه شيء ما، وهو يلبي فيما يوزع ابتسامته على الجميع.

ولدت فكرة المركز عقب البدء بالعودة الى المخيم.. يقول مروان عبد العال: كان سؤال الشباب، ماذا يمكن ان نفعل؟.. أما الجواب فكان: لنزرع الأمل في هذه الارض المحروقة.

nahr_albared_milad_and_friends_1.webp

nahr_albared_wall.webp

تجارة مع وقف التنفيذ

المعروف ان مخيم نهر البارد كان مركزا تجاريا مهما للبلدات المحيطة ولمنطقة عكار بكاملها، وقد امتلك سوقا كبيرة ومتنوعة يكاد ان يجد المرأ فيها كل ما يمكن استهلاكه من مطعم وملبس وادوات ووسائل راحة ولهو وتعليم … الخ.

كانت السوق ضحية الحرب، اسوة بالمخيم كله. دمر الشارع العريض الذي يقسم المخيم الى قسمين، واحرقت معظم المباني المحاذية للطريق وتلك المتعمقة داخل الاحياء السكنية، لكن رغم ان الحرب وضعت اوزارها قبل سنة.. يمكن رؤية اثر الحرائق الى الان على ارضيات وجدران واسقف المنازل، واللافت هنا ان الحرق كان مفتعلا ولا علاقة له بالحرب من قريب او بعيد كون الجيش دخلها من دون اي مقاومة.

ومثل طائر الفينيق الخارج من الرماد، اعيد بناء المحال التجارية وفتحت ابوابها، لكن من دون زبائن. يقول احد التجار: الامل بالعودة الى سابق عهدنا في ان نكون مركزا تجاريا للمنطقة يجعلنا نبدأ حتى من دون زبائن.. ولا بد ان تخفف الاجراءات من حولنا، ويمكن للجميع التحرك من الداخل الى الخارج ومن الخارج الى الداخل، وتعود الحركة الى طبيعتها.

الشارع العريض الان تقل حركة المرور فيه وهو شبه خال على الرغم من ان المحلات مفتوحة، وهو قبل الحرب كان بالكاد يستطيع المرء ان يمر بسيارته فيه.

لكن التأثير السلبي لم يطاول المخيم وشارعه التجاري فحسب، فما يعرف بشارع المنية الذي كان مشهورا بالازدحام بات يمكن للاولاد ان يلعبوا فيه من دون الخشية من مرور سيارة واحدة. والقرى المحيطة لم تتمكن من ان تكون بديلا، فلا اسواق فيها، اما اهالي المنطقة ومنطقة عكار فأصبحوا يضطرون الى الذهاب الى طرابلس للتسوق.

يقول نضال: ما من وسيلة ليكون اي موقع اخر خارج المخيم سوقا كما كانت سوق المخيم، فالتجار هنا متساهلون جدا، كان بإمكان سكان المحيط ان يستدينوا من متاجر المخيم ويسددوا دينهم اخر الشهر، لكن لا احد في مكان اخر يمكنه ان يعاملهم بالمثل.. الفقراء اللبنانيون والموظفون الذين كانوا يستفيدون من سوق المخيم لم يعد لديهم ما يعوضهم عنه.

الضغط يولد الانفجار

حرارة ارادة الحياة تلك والحيوية الملفتة تتحول الى عيش على صفيح ساخن قابل للانفجار ما لم يسرع المعنيون بتنفيذ ما اعلن عند فتح المعركة وانتهائها من ان العودة ستكون سريعة وكريمة، فالعودة لم تكن كريمة والاعمار تقاس سرعته “سلحفائيا”.

مروان عبد العال، رئيس لجنة البارد مسؤول الجبهة الشعبية في لبنان وعضو مكتبها السياسي يقضي نهاية الاسبوع في منزله، يمارس شغفه الخاص بالرسم التشكيلي والكتابة الروائية، يقول ان منزله كان من اوائل المنازل التي استولى عليها الجيش في اول ايام المعارك، وكان يظهر كثيرا في الصور التي تلتقط من بلدة المحمرة المحاذية للمخيم وهو بحالة جيدة وبجانبه دبابة للجيش، اذ كان المنزل مقرا لاحدى وحداته المقاتلة، لكن بعدما انسحب الجيش وسمح للناس بالدخول وجده مثل كل المنازل الاخرى في المخيم الجديد التي لم تدمر وقد احرق تماما، بفعل فاعل وليس بسبب الحرب.

يكرر سكان الحي القصة ذاتها، بل ان احياء اخرى.. بل كل احياء المخيم الجديد، تتكرر فيها حكاية الحرق المتعمد. والكلام يدعمه ما تراه العين من بقع سوداء صعب ازالتها بالمنظفات العادية، ولا يمكن ازالتها الا بإزالة البلاط ووضع ارضيات جديدة بالكامل.

nahr_albared_barracks_2.webp

من “الارهاب” الى الترهيب

عندما يُسأل اهل المخيم عن كيفية وجود ارهابيي “فتح الاسلام” في المخيم، وسبب تأففهم الان من حواجز الجيش والاجراءات، لا يحتاج اي منهم كثيرا ليجيب: الحواجز نفسها كانت موجودة قبل ان ينتقل تنظيم “فتح الاسلام” الى المخيم، فلماذا لم يمنع الجيش عناصر التنظيم الارهابي من الدخول؟

لا يحتج سكان البارد على الحواجز نفسها التي الفوها منذ سنوات، ولا على عمليات التفتيش، لكن على الطريقة التي يعاملون بها على تلك الحواجز. ففي كثير من الاحيان تفقد قيم الاحترام والتعامل الانساني مع العابر لمجرد كونه فلسطيني ولأن مزاج العسكري المكلف نوبة الحراسة “معكر” او لأن انتماءه السياسي خارج مؤسسته يغلب على واجبه الوطني.

هكذا يبرر بعض اهل المخيم بعض الصلافة التي يلاقونها خلال دخولهم الى مكان اقامتهم، لكن ما من أحد يجد اي مبرر لحوادث يسردونها بمرارة تجعل المستمع يخشى ما يمكن ان ينتج اذا ما تراكمت تلك المرارة، وهنا بعض تلك الحوادث كما يرويها اناس عاشوها، خصوصا ثلاثة انعكاسها المستقبلي غاية في الخطورة:

1 ـ حافلة الاطفال: في ايلول الماضي، دعي اطفال من مؤسسة “نبع” في مخيم نهر البارد الى نشاط مشترك مع اطفال لبنانيين نظمته بلدية عكار بهدف تصفية تركة الحرب والعمل على محوها من ذاكرة الاطفال الفلسطينيين واللبنانيين والتأسيس لمستقبل مماثل لماضي التعايش بين المخيم والجوار والمنطقة برمتها، وعند عودة الاطفال بواسطة حافلة خاصة استأجروها من دون ان يعرفوا ان سائقها مطلوب، تم ايقافهم وانزلوا من الحافلة وشهر السلاح بوجههم وبوجه الاهالي الذين اتوا الى الحاجز بعد ساعتين من انتطار قدوم ابنائهم، وسمع الاطفال والاهل صنوف الكلام المسيء، واختبروا بدل العيش المشترك ترهيبا غير مبرر.

2 ـ حافلة سبلين: بعد اقل من شهر، وعند وصول حافلة مستأجرة وفيها 20 تلميذة من معهد سبلين في اقليم الخروب قرب صيدا ومعهن 5 تلاميذ اعمارهم تتراوح بين 15 سنة و19 سنة الى حاجز للجيش عند مخل المخيم، فحصت الحافلة بواسطة الة الكترونية اصدرت صوتا فجرى انزال كل التلاميذ وشرع احد الجنود بتفتيش حقيبة احدى الفتيات، اللواتي ينمن في القسم الداخلي للمعهد، فاحتج واحد من التلاميذ، لأن في اخلاقيات سكان المخيمات ان تفتيش رجل ثياب فتاة، خصوصا اذا كانت ثيابا داخلية، عيب وغير اخلاقي، وكان الجواب اولا شتائم ثم اعتداء من الجندي تحول الى اعتداء جماعي من افراد الحاجز على الفتى الذي حاول رد اعتداء الجندي، واستخدمت في الاعتداء اعقاب البنادق، وسط صراخ الفتيات وتدافع بعد ان وجه السلاح نحوهم، ففقدت احداهن الوعي جراء الخوف، فاتصلت الفتيات بوالدها الذي جاء على عجل ليجد ابنته مطروحة ارضا.

فقد الوالد، كما روى قصته بنفسه، اعصابه وبدأ بشتم الفصائل الفلسطينية “التي اوصلتنا الى هذه الحال” بصوت عال، والمفاجأة كانت ان الجنود وجهوا اسلحتهم اليه وكذلك شتائمهم المشينة، فأحاطت الفتيات بالوالد ليقينه من اي اعتداء، فيما كان يسحب ابنته بعيدا عن الموقع.

الفتى الذي تعرض للضرب استدعي الى مركز لمخابرات الجيش وبقي يومين هناك حيث تعرض لضرب عى وجهه ورقبته، قبل ان يطلق سراحه.

3 ـ العصا الالكترونية: احد سكان المخيم كان عائدا ووالدته الى المنزل، وعند الحاجز اصر جندي على تفتيش الوالدة بواسطة العصاة الالكترونية، ما يعني تمريرها على جسد المرأة، وهذا امر معيب برأي الشرقيين ايضا، فما كان منهما الا ان غادرا وباتا ليلتهما عند اقارب في مكان اخر.

تلك نماذج عن بعض ما يحصل.. لكن لماذا لا يتحرك الناس ويحتجون؟

يقول والد الفتاة وبعض اهالي الاطفال انهم يخافون ان تحركوا ان يعاقبوا من خلال تلفيق تهم اليهم او منعهم من العودة الى المخيم، او ان يتعرضوا لزيارات عناصر المخابرات في منازلهم حيث تستحيل “عيشتنا جهنما”.

يروي نضال ان التجاوزات المسيئة بلغت حدا دفع اهل المخيم الى مهاجمة بعض مراكز الجيش بالحجارة، اكثر من مرة، وقد وعدوا اخيرا بتخفيف الاجراءات، لكن عند كل وعد كانت الاجراءات تتفاقم.

يقول احد سكان المخيم، انهم باتوا يخشون في كل مرة يزور مسؤول لبناني المخيم او يعد مسؤول اخر بتخفيف الاجراءات ان تتعقد الاجراءات اكثر، ويقولون انه قبل حادثة حافلة سبلين كان نائب رئيس جهاز مخابرات الجيش عباس ابراهيم زار المخيم واجتمع بمسؤولي الفصائل واللجنة الشعبية ووجهاء ووعد بتسليم امن المخيمات في غضون اسبوعين او ثلاثة الى قوى الامن الداخلي وبتخفيف الاجراءات كثيرا الى حينه.

تعقب فتاة على ذلك قائلة: “ارجوكم ابلغوهم (المسؤولين اللبنانيين) ان لا يقدموا اي وعد وان لا يزوروننا لاننا نخشى ما يمكن ان يجرى بعد ذلك”.

يجري كل ذلك وسط تعتيم اعلامي كبير، فكثير من الحوادث سربت الى الصحافة، ولم يجرؤ اي صحافي على نشرها، او ان وسيلة الاعلام التي يعملون بها رفضت النشر، ثم ان احد المواطنين قام بتصوير تظاهرة ضد ممارسات الحواجز وتأخر الاعمار، فتلقى زيارة استخباراتية نصحته بمحو كل ما صوره.. والا.

خطير جدا شعور فلسطينيي البارد بأنهم متروكون، وخطير صب غضبهم على الفصائل، فمن الممكن ان تستغل الوضع جماعة ارهابية وقد تجد هذه المرة تأييدا شعبيا.

الناس باتوا يجاهرون بطرح فكرة ان “فتح الاسلام” لم تكن سوى ذريعة لتدمير المخيم “والا فلماذا احرقت منازل المخيم الجديد، الذي سقط مباشرة عند بدء المعارك بعد ان انتهت الحرب؟”.

ثمة سؤال على جانب كبير من الاهمية والخطورة طرحه نضال، قال: لماذا زج بجنود من البلدات المحيطة ومن عكار في المعارك ليقتلوا هناك ويتحول الجوار الحسن والعيش المشترك اللبناني ـ الفلسطيني الى كراهية من جانب ذلك المحيط للمخيم الذي ابتلي بالارهاب ولم يرده.. من هو الذي اعطى امرا بأن يكون الجنود من المنطقة، ولماذا؟.

يسأل كثير من ناس المخيم، الم يكن المخيم اساسا محاطا بالجيش قبل الحرب وبالتالي كيف سمح للارهابيين بالدخول والان هل الاجراءات هي لمنع دخول الارهابيين ام لاهانة كرامة قاطني المخيم وتحويلهم كلهم الى مشاريع ارهابيين او حاضنات ارهابية؟

منقول