أرشيف المنتدى

لاجئو الداخل الفلسطيني- الملف المنسي

لاجئو الداخل الفلسطيني- الملف المنسي للتهجير القسري

احتلت قضية اللاجئين الفلسطينيين منذ سنوات الحيّز الأكبر من اهتمام الإعلام والسياسيين المهتمين بالقضية الفلسطينية، سواء على مستوى التفاوض أو التعاطف الشعبي في داخل فلسطين وخارجها. إلا أن واحدة من القضايا الهامة التي لا تقلّ أهمية عن قضية اللاجئين لم تزل مهمّشة، سواء من الإعلام العربي تحديداً، أو ضمن أوراق وملفات المفاوض الفلسطيني، على الرغم من أنها زمانياً، تعدّ أقدم من قضية اللجوء الفلسطيني للدول المجاورة أو متزامنة معها، وهي قضية المهجّرين في الداخل.

فالمهجّرون في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 48، والذين يطلق عليهم “لاجئو الداخل”، يشكلون حوالي 25% من مجموع السكان العرب في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 48. و5% من مجموع اللاجئين الفلسطينيين ككل، وقد بدأت مشكلتهم قبل النكبة بسنوات، فبعض الشهادات والتقارير تدلّ على أن عملية تهجيرهم من مدنهم وقراهم وبيوتهم بدأت منذ العام 1936، وبتواطؤ بريطاني مع العصابات الصهيونية التي شنت هجمات على القرى الفلسطينية قبل الهزيمة العربية التي أصطلح على تسميتها بالنكبة، وقبل إعلان قيام دولة إسرائيل بعد الجلاء البريطاني في 15/5/1948.

ولاجئو الداخل، يختلفون عن اللاجئين الفلسطينيين الآخرين في الضفة وغزة وفي دول العالم، بأنهم هُجّروا من بيوتهم وقراهم ومدنهم، لكنهم ظلّوا يسكنون في الأراضي المحتلة عام 1948 ويحملون الجنسية “الإسرائيلية” التي فُرضت عليهم قسراً كذلك، بينما يُحظر عليهم العودة إلى المناطق التي هُجّروا منها بحجة قانون إسرائيلي يسمى “قانون الحاضر الغائب”، وهو عبارة عن مجموعة أنظمة وقوانين أصدرها الكيان الصهيوني، بهدف إنكار حضور الفلسطيني واعتباره غائباً رغم حضوره بهدف وضع اليد على أملاكه؛ أرضه وبيته وأمواله في المصارف، ولم يشفع لهذا “الحاضر” حضوره الجسدي ومستنداته و(كواشينه) وسائر أوراقه الثبوتية التي يعود تاريخ بعضها منذ العصر العثماني.

تشير المعطيات الرقمية إلى أن الصهاينة “المستوطنين الجدد” بكل إمكاناتهم المادية والمعنوية، ومواردهم المالية العملاقة، لم يتمكنوا من تملك أكثر من 3% من أرض فلسطين التاريخية، وهذا المعطى صحيح حتى عشية النكبة. ولذلك، ومن أجل السيطرة على الأرض، لجأت إسرائيل إلى سنِّ مختلف القوانين “الجهنمية” التي لم يعرف المنطق والعدالة والقيم ولا القوانين الدولية والإنسانية أبداً طريقاً إليها!

وللدلالة على غرابة هذا القانون، أي قانون “الحاضر غائب” أنه أثناء بحثه (عام 1948) منذ الأنظمة الأولى من قبل اللجنة الخاصة التي أقامتها الحكومة المؤقتة، استغرب وزير الأقليات وعضو لجنة أملاك الغائبين، بيخور شطريت، أن يتم اعتبار مواطن يقيم في “إسرائيل” تحت الحكم “الإسرائيلي” غائباً. واقترح أن لا يسري هذا القانون على من هو مواطن أو موجود تحت الحكم “الإسرائيلي”. وقد صادقت اللجنة الخاصة على اقتراح شطريت هذا لكونه يتسم ببعض المنطق.

وعندما تحول هذا القرار إلى الحكومة، اعترض عليه وزير الخارجية في حينه، موشي شاريت، وبرر اعتراضه كالآتي: “عندما قمنا باحتلال الناصرة وجدنا فيها أهالي معلول والمجيدل، فهل يعني ذلك أن لا نعتبرهم غائبين، ويتوجب علينا أن نعيد لهم أراضيهم؟”. وأضاف شاريت: “مثلاً، غداً ستقوم إسرائيل باحتلال مدينة نابلس وهي ملأى باللاجئين الفلسطينيين من سائر القرى والمدن الفلسطينية، فهل سنعتبرهم حاضرين أيضاً ونعيد لهم أراضيهم؟”!!

زمنياً يقسم اللاجئين بالداخل لثلاثة مجموعات من المهجرين، الأولى: مواطنين فلسطينيين تم تهجيرهم قبل نكبة 48، والثانية: لاجئين تم تهجيرهم عام 48، والثالثة: لاجئين لا يزال تهجيرهم مستمراً حتى الآن. وقد استطاع جزء صغير منهم فقط استرجاع أرضه عبر طرق قانونية، إلا أن الجزء الأكبر لم يستطع استرجاع أي شيء قد صودر منه، وذلك مرده لعدم نزاهة المحكمة “الإسرائيلية” من ناحية، أو أن المحكمة أصدرت قرارها، إلا أن الشرطة العسكرية “الإسرائيلية”، أو الجيش تدخل لمنع تنفيذه.

التهجير عام 1948 والحصول على قرار من المحكمة لم يتم تنفيذه:

ومن الحالات التي أخذت قرار محكمة ولم يسمح بتنفيذها، الحاج خليل خلف الله (أبو غازي) من قرية الغابثية قضاء عكا، حيث سقطت الغابثية بأيادي العصابات الصهيونية في العام 1948، فيقول الحاج أبو غازي: تم تهجيرنا بالقوة منها، وكان عمري عندها 12 عاماً، إلا أننا رجعنا مرة أخرى للغابثية وبقينا فيها حتى سنة 1950، إلا أن اليهود عادوا في ذات العام لتهجيرنا مرة أخرى من قريتنا. ثم بعد ذلك كانت لدينا محاولات عديدة للعودة قوبلت بمحاولات عديدة للطرد من قبل الإسرائيليين، فلجأنا للمحكمة الإسرائيلية مدعّمين شكوانا بأوراق الطابو التي نملكها بأراضينا وبيوتنا، وفي 30/11/1951 حصلنا على قرار من المحكمة بالعودة. هذا القرار حاولنا تنفيذه في 8/12/1951 حيث عاد الناس بشكل جماعي إلى القرية تنفيذاً لقرار المحكمة، إلا أن الشرطة العسكرية هاجمتهم وطردتهم، وأعلمتهم أن المنطقة أصبحت منطقة عسكرية مغلقة بناء على قوانين الطوارئ لسنة 1945 البريطانية.

وقوانين الطوارئ هذه هي ذاتها التي كان اليهود يرفضونها بحجة أنها غير عادلة، لكن بعد جلاء البريطانيين عن فلسطين، وإعلان قيام ما تسمى “دولة إسرائيل”، قاموا بتطبيق ذات الأحكام الجائرة على العرب. ولم تزل الغابثية تحت أيديهم حتى هذه اللحظة بسبب أن المنطقة تحولت لمنطقة عسكرية.

استرداد جزء من الأراضي المصادرة عبر القانون رغم انحيازه:

أما السيد أبو أحمد حمدو (90عاما)ً من قرية المنشية ويسكن حاليا في قرية المكر قضاء عكا، فيروي أنه بعد سقوط مدينة عكا سنة 1948، وتمركز العصابات اليهودية فيها، هاجمت هذه العصابات الصهيونية القرى والبلدات والخرائب المجاورة للمدينة، فكانت قرية المنشية إحدى القرى التي تم مهاجمتها ودمرتها بالكامل، وهجّرت سكانها منها بالقوة، حيث هاجر أبو أحمد وعائلته إلى قرية المكر التي يقيم فيها حتى الآن مع أبنائه.

ويضيف السيد أبو أحمد أنه ومنذ أن تمت مصادرة أراضيه حتى هذه اللحظة لجأ للمحاكم الإسرائيلية مدعماً حقه في أرضه في المنشية بالعديد من أوراق الطابو العثمانية التي يملكها. واستطاع أن يستردّ عن طريق المحكمة جزءاً من أراضيه، ولم تزل العديد من القضايا المرفوعة أمام المحاكم حتى الآن لاستعادة بقية أراضيه، تلاقي مماطلة المحاكم والتنفيذ.

التهجير عام 2000 ومصادرة الخيم والاعتداء بالضرب عند محاولة العودة:

بينما السيد نوري العُقبة (أبو صلاح) من عشيرة العقبة البدوية – من منطقة العراقيد في بئر السبع فقد تم تهجيره من بيته الذي ولد فيه في منطقة العراقيد، حيث داهمت القوات الإسرائيلية المنطقة وأخلت السكان بالقوة، ومنهم السيد نوري، وأبلغتهم قرار المحكمة الذي يقتضي بخروجهم من أرضهم لأسباب أمنية لمدة ستة شهور، إلا أن الشهور الستة قد انقضت ولم يُسمح لهم بالعودة لأراضيهم. فقرر السيد نوري بعد مضي أكثر من سنة ونصف أن يعود لبيته الذي هُجر منه، وقام ببناء خيمة هناك في ذات المكان، إلا أن الشرطة الإسرائيلية تدخلت وصادرت الخيمة.

يقول السيد عقبة: أنه ومنذ 14/4/2000 أي تاريخ تهجيره من أرضه، أقام نوري خيمته في ذات المكان الذي تم تهجيره منه لأكثر من 15 عشر مرة، وفي كل مرة كالعادة تتدخل الشرطة لمصادرة الخيمة منه، ولم يثنه هذا عن إصراره على البقاء في أرضه، فقام بالإضافة لنصب الخيمة بإحضار سيارة نقل (فان) وإيقافها بالقرب من المكان، إلا أن السيارة لم تكن هي الأخرى بمنأىً عن المصادرة مثل الخيمة، فقد تم مصادرة سيارتي (فان – Van) منه كان يستخدمهما للسكن.

ويضيف: لم يقف الأمر عند المصادرة. فقد تعرّض للضرب أكثر من مرة من قبل الشرطة الإسرائيلية، في إحداها تعرض لجرح بالغ في يده. ورغم كل ذلك يقول نوري: لا زلت مصمماً حتى هذه اللحظة على استرداد أرضي بكل الطرق الممكنة، ولن أغادرها.

يسكن السيد نوري حالياً في سيارته الشخصية قرب أرضه المصادرة، وبيته ومسقط رأسه. والسيد نوري يكتب عن رحلة العناء التي يعاني منها العرب في داخل إسرائيل من تهجير قسري بشكل دوري في عدة صحف منها جريدة أخبار النقب، حيث يكتب بها قصصاً عايشها أو حدثت له أو من حوله. وله كذلك كتاب صدر بثلاثة لغات هي (العربية، العبرية، الإنجليزية) بعنوان “ننتظر العدل”.