أرشيف المنتدى

رحيل قيثارة الفلسطينيين أبو عرب مخلفا وراءه 300 أغنية تداعب حلم العودة

رحيل قيثارة الفلسطينيين أبو عرب مخلفا وراءه 300 أغنية تداعب حلم العودة

1_1461347382.webp

إبراهيم محمد صالح الشهير أبو عرب

2 مارس 2014

لم يهدأ البحر ولم يعد “أبو عرب” إلى سفوح الجليل، ولا الى شجرته في طبريا، لكن الذي ما فتئ يردد “طوّلنا في غيبتنا” كان حريصا على رعاية “توتة الدار”، حتى أصبحت شامخة جذورها ضاربة في أعماق الأرض، وإن غادر جسده الدنيا، مخلفا وراءه أكثر من 300 أغنية لطالما ألهبت حماس “الثوار”، والجماهير، ببلاغة أحيت في نفوس الناس الأمل بالعودة إلى فلسطين.

رحل أبو عرب، قيثارة فلسطين في أوج الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية من تونس حتى سورية، حيث كان لوفاته وقع مختلف غير مجرى الأمور ولو للحظة آنية، فإن كانت السياسة تطفو على رائحة الدم التي تزحم الأنوف في كل مكان، فإن رحيل “فنان الثورة”، أعاد للقضية الفلسطينية مكانها في صدارة الاهتمامات الشعبية العربية، ليثبت أنه في رحيله كان مؤثرا فاعلا نشطا، تماما مثلما كان في حياته.

ودعت فلسطين أيقونة الغناء الشعبي الفلسطيني أول من أمس وفنان الثورة إبراهيم محمد صالح الشهير باسم “أبو عرب” عن عمر ناهز 83 عاما، والذي ينحدر من عائلة مزجت بين المقاومة والتضحية لأجل فلسطين وبين الفن، فجده يكتب الأشعار التي ألهبت حماس الثوار في الثورة الفلسطينية على الانتداب البريطاني العام 1936، وقضى والده شهيدا في حرب فلسطين العام 1948، كما سجل ابنه اسمه بين الشهداء خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982.

الشاعر والناقد د.عز الدين مناصرة قال إن أبو عرب مطرب شعبي وفنان مرتبط بقضية الأساس فلسطين، وكان يركز كثيرا على تجديد الهوية الفلكلورية للشعب الفلسطيني باعتبارها عنصرا مهما من عناصر الهوية المقموعه، وارتبط اسمه بقرية الفنان العظيم الشهيد “ناجي العلي” وهي الشجرة، حتى أنه تأثر بثورية ناجي وبقي في الإطار الوطني للثورة الفلسطينية قديما وحديثا.

وأضاف مناصرة الذي تعرف على أبو عرب في بيروت عندما كانا في الثورة: “أسهم ابو عرب في ولادة الحماسة لدى جمهور المخيمات الفلسطينية في الشتات مثل مخيمات لبنان وسورية، كما لعب دورا إيجابيا في بقاء الثقافة الفلسطينية عاليا مرفوعة كفاعل أصيل من الفاعلين الشعبيين، لأن الفلكلور هو الدرجة الرابعة من درجات الهوية كما قال المفكر الإيطالي (غرامشي)”.

أسس أبو عرب الذي استقى كلمات أغانيه من مفردات التراث الفلسطيني أول فرقة للغناء لفلسطين بالأردن في العام 1980، وأطلق عليها اسم “فرقة فلسطين للفن الشعبي”، وبعد استشهاد الفنان ناجي العلي –وهو من أقارب أبو عرب- قام بتغيير اسم الفرقة لـ “فرقة ناجي العلي للتراث الفلسطيني”.

مطرب فرقة بلدنا وأحد مؤسسها كمال خليل رأى أن اللسان يعجز عن الحديث عن قامة شامخة مثل أبو عرب، فهو مناضل حقيقي وصاحب موقف ملتزم مع القضية الفلسطينية في كل مراحلها، فقد واكب القضية في انتصاراتها وترحالها، وقدم ابنه شهيدا للقضية، ومع ذلك بقي صامدا في موقفه حتى وفاته.

وأشار خليل إلى أن أبو عرب كان فنانا ومبدعا وشاعرا ومنشدا، بقي عطاؤه مستمرا حتى آخر يوم في حياته، فكل التحية إلى روح أبو عرب، وبرحيله خسرت الساحة الفنية الفلسطينية فنانا كرس حياته للفن والتراث الفلسطيني، فالخسارة كبيرة بهذه القامة الكبيرة.

“كان يدعو أبو عرب الذي يحمل المفاتيح وكواشين الأرض التي انتزع منها، في أغانيه إلى العودة لفلسطين، ويحصر وصف المدن الفلسطينية والقرى في أغانيه، كما غنى للشهداء والمقاومة، وبرع في المواويل وفنون الغناء التراثي الفلسطيني القديم”، كما قال رئيس جمعية الحنونة للثقافة الشعبية د.موسى صالح.

وأضاف صالح أن أبو عرب كان من أوائل المبادرين للحفاظ على المفردات الثقافة الشعبية الفلسطينية، فقد قام بدور مهم من خلال جمع المادة التراثية وإعادة تقديمها للناس، وكان حريصا على إبراز الكثير من مفردات الثقافة الشعبية الفلسطينية.

ونوه صالح إلى أن المفردات الفلسطينية معرضة للضياع بسبب الظروف الاستثنائية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى محاولات الصهيونية لمحو الذاكرة الشعبية الفلسطينية بعد أن قامت بطرد سكانها الأصليين، ومحاولاتها طمس الذاكرة الفلسطينية وانتحال بعض هذه المفردات والزي المطرز الذي جعلته شركة العال للطيران الإسرائيلي الزي الرسمي لمضيفاتها، كما قام الصهاينة بتأسيس فرقة دبكة على اعتبار أنها تراث إسرائيلي.

ولد أبو عرب في قرية الشجرة القريبة من طبريا العام 1931، وعاش طفولته على وقع الثورة الفلسطينية العام 1936، في حين عاش يتيما منذ أن كان في الـ13 من عمره، حيث قتل والده في حرب فلسطين التي سبقت نكبة الشعب الفلسطيني الذي أعلن قيام دولة فلسطين على أراضيه.

غنى أبو عرب للشهداء والمقاومة والعودة مستحضرا التراث الفلسطيني القديم، كأحد أبرز فناني الثورة الفلسطينية في اللجوء الذي عاشه أبو عرب في مخيمات اللاجئين بالأردن وسورية ولبنان، قبل أن ينقل هذا الفن والغناء لأماكن عدة حول العالم.

وفعلا طابق الواقع الحلم وزار أبو عرب الشجرة التي طرد منها في أيار (مايو) 1948، وتوقفت مركبته قبالة العين، وبعد دقائق من التأمل والتعرف غسل وجهه وهو يقول إنها لا تطفئ حنينه لها.

بعد أن قدم لوطنه ما يقرب من 63 عاما وهو خارجه حتى تمكن من العودة إليه قبل عامين للمشاركة في مهرجان ثقافي، حيث أحيا مجموعة من الحفلات في مختلف مدن الضفة الغربية قبل عودته إلى مقر إقامته في سورية.

بقي أبو عرب الذي غادر فلسطين لاجئا في العام 1948 وكان عمره 17 عاما، يتفيأ بظل توتة الدار رغم طول المشوار، حيث حط رحاله مع عائلته التي هاجرت من قرية في الجليل مثل مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين رحلوا أو أجبروا على الرحيل عن منازلهم في مدينة حمص السورية حيث رحل هناك.

عزيزة علي – عمان