المقالات

تشييع سبعة شهداء عظام

تشييع سبعة شهداء عظام

منير شفيق

كوكبة من سبعة شهداء شُيِّعوا في قضاء غزة بعد أن قُتِلوا نتيجة انهيار نفق عليهم فارتقوا إلى جنّة الخلد إن شاء الله. وقد خرجت الجماهير قطاع غزة بقضَّها وقضيضها، وبمشاركة كل الفصائل، لوداعهم وإيداعهم في مثواهم إلى جانب الآلاف من الشهداء والشهيدات قدّمتهم غزة في الكفاح ضدّ العدو الصهيوني.

فإلى جانب الخسارة التي مُنِيَت بها المقاومة وكتائب القسّام بفقدان ثابت الريفي قائد مجموعة في الوحدة القسّامية، ومعه غزوان الشوبكي وعز الدين قاسم، ووسيم حسونة، ومحمود بصل، ونضال عودة وجعفر حمادة، وجميعهم من الأبطال الذين خاضوا معارك المواجهات الصفرية البطولية في الحروب السابقة ولا سيما في حرب صائفة 2014، والتي أنزلت هزيمة عسكرية ميدانية بالجيش الصهيوني بل بنخبته المقاتلة الطليعية التي أعدّها إعداداً خاصاً لخوض حرب ميدانية. وذلك خلافاً لعامّة الجيش الذي تحوّل منذ 25 عاماً وأكثر إلى قوات شرطة في مواجهة الانتفاضتين السابقتين 1987 و2000، كما مواجهة المقاومة، بأشكالها اليومية، أو قل حماية الاحتلال والاستيطان.

على أن استشهاد هذه الكوكبة من الشباب المقاوم وهم يعدّون الأنفاق يحمل مجموعة من المعاني والأبعاد التي يجب ألاّ نمرّ بها مرور الكرام. وإنما تستحق التأمل وأخذ العبرة وتصحيح الكثير من الأفكار والسياسات حول حماس والجهاد والمقاومة في قطاع غزة.

إن أول ما يجب التوقف عنده أن عقد هدنة، أو وقفاً لإطلاق النار، لا يعني كما يشيّع البعض التخلي عن المقاومة، أو التراجع السياسي عن مواصلة المقاومة، وإنما هي حالة حرب، بل هي استمرار للحرب، لأن الإعداد الجاد للحرب، وفي مقدّمها التجربة العسكرية الفلسطينية في قطاع غزة، بالنسبة إلى حفر الأنفاق ضمن إعداد دفاعي-هجومي، كما تجلى بصورة خاصة في حرب 2014، هو الحرب بعينها، وهو مستوى من المقاومة المسلحة في أعلى مراتبها. بل لا يختلف عن الاشتباك نفسه. لأنه شرط الاشتباك في ظروف اللاتكافؤ في السلاح، ولا سيما في الطيران والتكنولوجيا والقنابل الذكية وكثافة النيران.

فكتائب عز الدين القسّام، وإلى جانبها كتائب سرايا القدس، وعدد من كتائب المقاومة الأخرى ما زالت في حالة حرب يومياً بل وفي كل ساعة ودقيقة، وهو ما يؤكدّه استشهاد هؤلاء الأبطال. ولذلك على كل من راح يتجاهل ما يعانيه قطاع غزة من حصار ظالم لا سيما من الجانب المصري، ولا يُعلي الصوت ضدّه، كما على كل من راح يشكك في نيّات حماس وسياساتها من دون أن يأخذ في عين الاعتبار ما يجري في قطاع غزة من إعداد للحرب، أن يُراجعا أنفسهما وما يُلحقانه من ظلمٍ وتجنٍّ على مقاومة ما زالت في مقدّمة المواجهة مع العدو الصهيوني.

صحيح أن بعض السياسات قد تؤخَذ على حماس. ولكن المعيار الأساسي للحكم والتقويم يجب أن يرتكز على ما يجري من مقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس. فها هنا تُقرَأ البوصلة ويحدّد المعيار. وبالمناسبة حدثت الإشكالية نفسها منذ أوائل السبعينيات الماضية في تقويم فتح حيث كانت بعض سياساتها غير متطابقة مع بُعدها المُقاوِم على الأرض. مما ذهب بالبعض إلى الارتكاز على تلك السياسات وعدم تغليب الجانب المتعلق بالممارسة الفعلية على تلك السياسات في الحكم والتقويم العام. على أن الممارسة هي سياسة أيضاً بل هي الحَكَم الأول في الحُكم على حركة سياسية. بل حتى في الحُكم على الفرد الواحد. طبعاً هذا لا يعني إغفال أهميّة البُعد السياسي حين يُناقِض الممارسة. ولكن ما ينبغي له أن يطغى على الصورة ويقدّم ذلك البعد الأهم والأقوى دلالة ألا وهو بُعْدُ الممارسة.

أما ثان يما يجب التوقف عنده فهو عدم إغفال هذا البُعْد المُقاوِم من الصورة عند تقويم صورة الوضع العربي. وقد أخذت الظواهر السلبية تطغى في التقويم العام إلى حد لم يعد يُرى معه، أو يُذكَر، ما في صورة الوضع العربي من جوانب مضادة لهذه الظواهر السلبية.

فإلى جانب ما تعبّر عنه المقاومة في قطاع غزة والانتفاضة في القدس والضفة الغربية والمقاومة في لبنان وعدد من الحراكات الشبابية فضلاً عما يعبّر عنه رأي عام عربي واسع ينتقد مظاهر الفتنة الطائفية والمذهبية وتيّارات التكفير، وما يُرتكَب من جرائم واستباحة للدماء. بل أن انتشار الحديث عن تدهور الوضع العربي وما أخذ يسود على سطحه من سلبية يحمل في طيّاته رفضاً لهذه السلبية ومقاومة لها وعدم الرضا عما يجري. وهو ما تجده حتى عند عدد كبير من المنساقين وراء مظاهر الفتنة إذ تراهم ينخرطون فيها من جهة وينتقدونها في الجانب الآخر من جهة ثانية وذلك باعتبارها تعصّباً مذموماً. الأمر الذي يحمل نقيضه عملياً.

ولهذا يجب أن تصحّح قراءة صورة الوضع العربي العام من زاويتين الأولى أن ما يظهر من سلبيات يجب ألاّ يطغى على الصورة ويظن أنه المستقبل وأن الأمور سائرة من سيء إلى أسوأ. فالمستقبل العربي لا يمكن أن يكون للتكفير، أو للجرائم العشوائية أو للتعصب وتفكيك أواصر وحدة الشعب والأمّة. وما يجري من صراعات وانقسامات في ما بين قوى الكتلة التاريخية، أو بين القوى والدول الرئيسة يسير في اتجاه مضاد للوجود ولمصالح كل المكوّنات. وأما الزاوية الثانية فإن السلبيات الناجمة عن تلك السلبيات مثل بحور الدماء والكوارث الاجتماعية سوف تفرض إعادة البحث عن الثوابت التي تحقق الوحدة من جديد.

مقالات ذات صلة