المقالات

فاطمأنت “إسرائيل” وخرست!

فاطمأنت “إسرائيل” وخرست!

برهوم جرايسي

صدر الأسبوع الماضي تقرير لمركز “أدفا” الإسرائيلي للقضايا الاجتماعية، يبين في عنوانه الرئيس أن الشريحة الوسطى في إسرائيل قد تضاءلت نسبتها بين الجمهور العام، واتجه القسم الأكبر نحو الشريحة الأفقر، والباقي نحو الشريحة “العليا”. لكن هذا التقرير لم يُحدث ضجة في إسرائيل، ومر بهدوء.

وقبل أقل من شهرين، صدر التقرير السنوي للفقر في إسرائيل، وبيّن أن نسبة الظاهرة تراوح مكانها عند نحو 24.5 % من مجمل السكان، و35 % من إجمالي الأطفال. وهذه معطيات كان من المفترض أن تثير ضجة في دولة تسجل أعلى نسب النمو الاقتصادي بين الدول المتطورة، ولكن أيضا مرّ التقرير في حينه بكثير من الهدوء والسكينة، فيما كان هناك في الغرف المغلقة كثير من الضحك والابتسامات، لأن “المهمة” أنجزت.

نعم، فـ”المهمة” أنجرت بمفهوم إسرائيل الرسمية، وبمفهوم الحركة الصهيونية، وبمفهوم بنيامين نتنياهو الذي قال حرفيا، رغم كل التقارير الواردة بعناوينها الصاخبة: لا يوجد فقر في إسرائيل، ولا توجد بطالة، ومستوى المعيشة في ارتفاع مستمر.

والحقيقة في التقريرين السابقين واحدة، وهي أن الفقر يرتفع أساسا، لا بل كليا، بين فلسطينيي 48. أما بين اليهود، فهو إما يراوح مكانه لفترة، أو ينخفض، ولكن المؤشر واضح، وهو الانخفاض المستمر، لأنه إذا ما استثنينا اليهود الأصوليين “الحريديم”، فإن نسبة الفقر بين اليهود في تراجع مستمر.

فقد ذكر تقرير الفقر أن النسبة العامة للظاهرة بين المواطنين تقل بقليل عن 25 %، ولكنها بين العرب تفوق نسبة 54 %، مقابل أقل من 16 % بين اليهود. وتهبط هذه النسبة الأخيرة الى ما دون 11 % إذا ما فصلنا “الحريديم” عن اليهود، لأنهم يختارون لأنفسهم حياة تقشفية، ويرفضون الانخراط في سوق العمل.

أما التقرير الآخر، فيذكر أنه في مقابل تقلص الشريحة الوسطى بين اليهود من 31.1 % في العام 1992 إلى أقل من 28.5 % في العام 2010، فإن الشريحة الفقيرة تقلصت أيضا من 31.2 % من إجمالي اليهود إلى أقل من 30 % خلال ذات الفترة. كما أن الشريحة “العليا” ارتفعت نسبتها من 37.7 % من إجمالي اليهود في العام 1992 إلى 41.6 % في العام 2010.

أما بين العرب، فإن الشريحة الوسطى تقلصت من 26.4 % في العام 1992 إلى 23.4 % في العام 2010، ومعها تقلصت الشريحة “العليا من 17.1 % إلى 12.6 %، فيما سجلت الشريحة الفقيرة ارتفاعا حادا من 56.4 % إلى 64 % في ذات الفترة.

كذلك، فإن البطالة ليست بحال أفضل؛ فهي ترتفع باستمرار بين العرب أساسا، وتبلغ نسبتها 25 % أو أكثر، بينما النسبة العامة هي 7 %، وبين اليهود في حدود 4.5 %. وهذه الفجوات تنسحب على كل مجالات الحياة، وفي أدق تفاصيلها؛ من مستوى الأوضاع الصحية، ومعدل الأعمار، والتحصيل العلمي، وحتى معدلات القتل في حوادث الطرق.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل إصدار هذه التقارير يمثل شفافية زائدة في “دولة إسرائيل”؟ نجزم أن الجواب هو “لا”، لأن هذه التقارير موجهة أساسا إلى الشارع اليهودي، لتقول له: إنك تعيش بمستويات أكثر الدول تطورا، والفقر والبطالة ليسا لديك. ولهذا، ليس صدفة أن يقول نتنياهو في جلسة لحكومته: لا يوجد فقر في إسرائيل ولا بطالة. لأن العرب ليسوا في حساباته، لا بل إن الأوضاع القائمة للعرب هي نتيجة سعت إليها كل المخططات الإسرائيلية على مدار 65 عاما. بل وتسعى إسرائيل إلى ما هو أسوأ، لأنها لا تصلح الأوضاع، بل تزيدها سوءا من خلال تعميق سياسة التمييز العنصري.

إن سياسة التمييز العنصري ضد فلسطينيي 48 هي جريمة ضد الإنسانية، يختار المجتمع الدولي، كما كبرى المنظمات الحقوقية الدولية، تجاهلها، كي لا يواجها أشرس نظام عنصري في التاريخ الحديث. وأمام هذا الوضع، تتمادى إسرائيل أكثر في سياستها.

وفقط في الأيام الأخيرة، أقرت حكومة نتنياهو مخططا اقتلاعيا يستهدف أهالينا في صحراء النقب. ويتضمن هذا المخطط مصادرة 400 ألف دونم، واقتلاع 30 قرية، وتشريد 30 ألف عربي من منازلهم وأراضيهم!

الغد، عمّان، 2/2/2013

مقالات ذات صلة