المقالات

ذكرياتي في ذكرى يوم الأرض

المكانُ ليس هنا، الزمانُ يدورُ حول نفسهِ، في الخارج ثمّة صحراء وثمّة روح في اغترابها السابع، المكانُ يقرأُ ذاتهُ ويتحدثُ عن نفسهِ، أين أنا؟ متى ولدتُ؟ أين أصبحتُ؟ كلّ الأسئلة كانت تختبأُ في جعبتهِ كالجرح اليافع، والجوابُ يطولُ ويقصرُ، ولدتُ في المخيم عام 1983، البحرُ ورائي والنهرُ أمامي في بيتٍ أضيقُ من خزانةٍ خشبية الألوان والمظهر، وفي كلَّ عامٍ لذكرى يوم الأرض الخالد كنتُ أسألُ نفسي، من أنا؟ أين أنا؟ وما معنى مصطلح الأرض؟ في جوابٍ بسيطٍ على داخلي البسيط.

وفي محاولةٍ للوصولِ إلى ذاتي، كنتُ أجيب لكي أشفى من مرض السؤال الطفوليّ: ‘المخيم هو أرضي ‘ فهل من أرضٍ أخرى لظلي الشريد؟ نعم أم لا؟ لا أعرف غير أنّي أريد أن ألعب فوق أرضٍ ما، لا تاريخ لها، لا أدرك معناها ولا أسمع صوتها، كنتُ صغيراً وثمّة رقمٌ للذكرى يدورُ في أُذني، فأفكر قليلاً به، هل هو عمرُ الأرض؟ أم هو رقم معلمتي في روضة غسان كنفاني التي إنتسبت إليها في ذاك الزمن الطفولي العابر فيي عمري وعمر الأرض، كبرتُ وصارت الأرضُ تكبرُ في العقل والروح والكلمات.

أين أنتِ؟ أراكِ في نشيدي المدرسيِّ وفي أغاني الفدائيّ، صارت تنضج في مخيلتي وفي حلمي الواقعيّ، وفي عباراتي على اللوح المدرسي ‘ حق العودة’ إنها لثورة حتى النصر ‘ أولى الكتابات هي أولى الغرائز في انتمائي أو اكتشافي لذاتي ومكانها وأحلامها ومصيرها الضائع بين العهود والوعود.

ما أوسع الأرض، صحوتُ في صباح الذكرى السابعة والثلاثين ليوم الأرض الخالد، نظرتُ إلى الخارج فبدّلت قولي : ما أوسع الصحراء هنا، الرمل يركض على رصيف الشارع، لا أحدٌ هنا، الرمل في اختلاف أنواعهِ، الرمل في الصحراء تراه خفيف الطيران واللعب مع الريح، هو صديق الريح في الهروب، ما أوسع الفارق بين تراب الأرض ورمل الصحراء، هو كالفارق بين الوطن والمنفى يختلف في هواجسك وثقله، في الصحراء علّمني الصمت حبّ الكلام.

كيف أرى الوطن من بعيد في صورة الشعر والكلمات، في المشهد الغريزي للانتماء إلى ملامحي ودمي الفلسطيني أينما كنتُ، أينما وجدتُ، اليوم ليس كباقي الأيام أّنصتُ إلى موسيقى مرسيل خليفة وهو يغنّي’ قصيدة الأرض’، أُحاولُ أن أكتب، أركض وراء ألأفكار فتسقط على الأرض، تراودني تفّاحة نيوتن، للأرض جاذبيةٌ وكلّ شيءٍ يسقطُ في جاذبية العشق للأرض وهو إذ يبتعد ويعلو فهو في النهاية صريع الجاذبية في الهبوط إلى بيت الأرض،

أما آن للحاجز الذي بيننا أن يسقط وأن نعود إلى حيث يجب أن نكون؟ التاريخ يعبرُ ثانيةً من الدرب ذاتهُ، تعود الأسئلة الطفولية إلى ذهني الصريع بالأسئلة اليافعة، ما تغير شيء، ما زلت أنتظر شروق الشمس من جهة البحر، كي أُبصر منامي ثانيةً وأشمُّ رائحة التراب الأول، أُحبّكِ يا أرضُ أُحبّكِ، وأكره المنفى منذ ولدتُ، فعانقيني لأحيا ثانيةً فيك.

ذكرياتي في ذكرى يوم الأرض

بقلم : باسل عبد العال

2013-04-03

مقالات ذات صلة