المقالات

الفلسطينيون ومحنة الشتات

الفلسطينيون ومحنة الشتات

الحسين الزاوي

يعيش الفلسطينيون أوضاعاً إنسانية مزرية منذ إصدار الأمم المتحدة قرارها المشؤوم القاضي بتقسيم فلسطين التاريخية، حيث قامت قوات الاحتلال الصهيوني بقتل وتشريد آلاف الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في الأراضي المحتلة سنة 1948 التي شهدت أحداث النكبة مع إعلان قيام دولة “إسرائيل” . وتضاعفت معاناة الشعب الفلسطيني بعد هزيمة حزيران ،1967 التي أفرزت نتائج مدمرة بالنسبة إلى كل المواطنين الفلسطينيين بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وبات واقع الجاليات الفلسطينية منذ ما يقارب 50 سنة خلت، خاضعاً للحسابات القطرية والإقليمية الضيقة للدول العربية، حيث إن أوضاعها كانت تسوء كلما اندلعت صراعات داخلية في الدول التي تحتضن مخيماتهم، ووجد الفلسطينيون أنفسهم ضحية لصراعات وتوازنات سياسية هشة على مستوى محيطهم العربي الذي كان ومايزال خاضعاً لصراعات متناقضة تتحكم فيها قوى دولية كبرى .

وقد مثلت أحداث بيروت سنة 1982 منعطفاً مأساوياً في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وأسهمت التداعيات المترتبة عن حصار الفلسطينيين في عاصمة الأرز إلى مزيد من المعاناة والقتل والتشريد، كما دفع الفلسطينيون من جراء التطورات اللاحقة على مستوى المشهد السياسي العربي، ثمناً باهظاً نتيجة لموقفهم السياسي من غزو صدام حسين الكويت . وأصبحوا بعد ذلك بفترة وجيزة فريسة سهلة للمجموعات الطائفية في العراق، بسبب الأوضاع الجديدة المترتبة عن الغزو الأمريكي لبلاد الرافدين . ونلاحظ أن هناك من يريد أن يزجّ بهم الآن، في تفاصيل الصراع الدامي الذي تشهده سوريا، فقد أدت الاشتباكات الأخيرة التي عرفها مخيم اليرموك بدمشق، إلى نزوح عدد كبير من الفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم يدفعون مرة أخرى ثمن حرب ليست حربهم . وبالتالي فإنه من غير المستبعد أن تؤدي تطورات الأحداث في سوريا إلى التأثير بشكل سلبي في أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن على حد سواء، لأن الصراع السوري إذا ما قُدر له أن يمتد إلى دول الجوار، فسيمثل الفلسطينيون الحلقة الأضعف التي ستسعى كل القوى المتصارعة إلى النيل منها، وصولاً إلى تجريدها من حقها في الدفاع عن نفسها، وتحديداً في لبنان الذي مازالت الدولة فيه عاجزة عن تحصين أجهزتها الأمنية ضد الاختراقات المتعددة التي تقف وراءها بعض القوى الخارجية والداخلية .

ولأن الفلسطينيين أصبحوا يجسدون بتضحياتهم المتتالية، الجرح الغائر للزمن العربي الراهن، فإن معاناة ومحنة الشتات الفلسطيني لم تقف عند هذا الحد، فقد تقطعت السبل بآلاف الفلسطينيين في ليبيا نتيجة الصراع المسلح بين المجموعات التابعة لثوار 17 فبراير من جهة، وكتائب القذافي من جهة أخرى . ودفعت الجالية الفلسطينية في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، ثمناً مضاعفاً بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر ،2001 بسبب افتقار الفلسطينيين إلى دولة مستقلة وذات سيادة، قادرة على الدفاع عن حقوقهم المشروعة .

لقد تحوّل التاريخ الفلسطيني المعاصر إلى عنوان بارز للنكبات وللقتل والتشريد في مخيمات الشتات، ومازال المجتمع الدولي غير قادر حتى الآن على ضمان حق العودة إلى الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، وحتى اتفاقات أوسلو التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع الجانب “الإسرائيلي”، لم تسمح إلا لعدد قليل من الفلسطينيين بالعودة إلى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة . ومن ثمّ فإن ما يزيد من قلق الفلسطينيين، هو أن التطورات الأخيرة لمسار الأحداث في المنطقة العربية لا يبشر بقرب انفراج الأوضاع، لأن ملف اللاجئين الفلسطينيين لا يمثل أولوية كبرى بالنسبة إلى القوى الإقليمية أو الدولية المعنية بقضية الصراع في الشرق الأوسط .

من الواضح بناءً على كل ما تقدم، أن الشعب الفلسطيني بات في حاجة إلى أكثر من مجرد دولة رمزية مقطعة الأوصال، لأن الفلسطينيين الذين ضاقت بهم الأرض العربية بما رحبت، في حاجة ماسة إلى كيان سياسي قوي وكامل السيادة على كل حدوده التاريخية، حتى يتمكن من استيعاب كل أبنائه الذين يفترشون تراب مخيمات المعاناة والبؤس، في اللحظة التي يشيّد فيها غلاة المستوطنين القادمين من كل أصقاع العالم، دولة عنصرية تحرمهم حتى من حقهم في الموت فوق تراب الآباء والأجداد .

الخليج، الشارقة، 25/12/2012

مقالات ذات صلة