الشتات الفلسطيني

الفنانة ميرنا تدرس الطّب لمداواة جراح شعبها ولفت الأنظار لقضيته

رام الله – محمـد الرنتيسي

اكسبت الهبّة الجماهيرية الأخيرة، الحركة الفنية الفلسطينية زخماً يبدو أنه غير مسبوق، وأشبه ما يكون بـ»هبّة فنية» بعدما بادر الفنانون الفلسطينيون إلى مواكبة ايقاعها، وتداعياتها المتنوعة، في أعمال تشير إلى محاولاتهم التعبير عن مساندتهم لها، والتخفيف من وطأة آثارها المختلفة، على كافة فئات المجتمع.

وأخذت ملامح هذه الحركة، تفرض ذاتها بفعاليات مختلفة، في شتى مناحي العمل الثقافي والفني، بحيث أصبح لا يمر أسبوع إلا والعديد من النشاطات تفرض نفسها، ويختلط فيها الإبداع الفني، لا سيما في مجال الأغاني الوطنية.

ورغم تأكيد الفنانين الفلسطينيين، على أن أعمالهم تندرج في إطار دعم الانتفاضة، واستمرار الحياة الطبيعية للشعب الفلسطيني، إلا أنهم يرون أن ما يقومون به يستدعي تطويره، ما حداهم إلى توجيه دعوات مختلفة للنهوض بالعمل الفني والثقافي المساند للانتفاضة، الذي يصادفه العديد من العقبات.

هبّة فنية

ومع الهبّة الجماهيرية، هبّت رياح فنانة واعدة، صاحبة صوت يقطر أملاً وانتماءاً للوطن، ولا تعزف إلا على أوتار النجاح، ورغم صغر سنها، تبدو «واثقة الخطوة».. ليست بحاجة إلى «الشهرة»، بقدر ما هي بحاجة لدعم معنوي، تجسده زيارة لأرض الوطن.. كي تشدو في فضائه بأعذب الألحان، ذلك أنها لبنانية المولد، وإن كانت تعود بجذورها إلى أصالة مدينة حطين الفلسطينية التاريخية العظيمة، فما كان بالإمكان، أكثر من أن تطيّر صوتها إلى أبناء شعبها، كي تشد من أزرهم، وترفع من معنوياتهم، فكانت الانتفاضة عاملاً مشجعاً لها، كي تستمر في رسالتها الفنية، وتفجر ينبوع الموهبة والإبداع لديها، بأغنية خصصتها لهذه الانتفاضة، وأطلقت عليها اسم «يا شعبي الثائر».

في السطور التالية، توضح الفنانة الشابة، ميرنا عيسى إبنة الـ(20) ربيعاً، أنها ستظل ملتزمة بلونها، فلن تغني إلا للوطن، ولن تحيد عن قناعاتها، رغم الجوانب المرحة في روحها الجميلة، بحكم مصدر نشأتها في حي شعبي، بمخيم «عين الحلوة» في لبنان.. بل إن أكثر ما يحرجها، أن يُطلب منها أن تغني بمناسبات غير وطنية!!. لأنها قطعت على نفسها عهداً، أن لا تغني إلا لفلسطين، لهذا قررت مسبقاً، أن لا تشارك في أي برنامج تلفزيوني غنائي، رغم موهبتها الأخاذة.

تقول ميرنا لـ»الدستور» عن بداية مشوارها، أنها بدأت من خلال الفرق الفنية المدرسية، وخصوصاً في المناسبات الوطنية، التي كانت تنظمها مدارس «الأونروا» فكانت تشارك مع زملائها، لتصدح بصوتها لأبناء شعبنا، فتغني للاجئين وحق العودة، ولفلسطين الجريحة المسلوبة، وتضيف: «كل من سمع صوتي من زملائي في المدرسة، كان يشجعني على الاستمرار، لكن الدعم الكبير حظيت به من عائلتي، فوالدي شجعني بحكم عمله في الإعلام المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما أن أخي علاء الذي اهتم بموهبتي وتابعني منذ الصغر، أخذ بيدي وشجعني بقوة، وهو الآن مدير أعمالي، بينما تنهمك والدتي بتطريز الأثواب الفلسطينية التراثية، والكوفية الفلسطينية كي تتناسب مع طلتي الوطنية»، ومن هنا بدأت الحكاية، التي اكتمل جزء هام من فصولها، مع اندلاع الهبّة الجماهيرية الأخيرة.

أول الغيث

كانت أغنية «يا بلادي» با كورة أعمال ميرنا الفنية، والتي غنتها خلال مسيرة «العودة» والزحف الفلسطيني نحو الحدود اللبنانية الفلسطينية، بالتزامن مع ذكرى «النكبة» العام (2010)، وعن ذلك تقول: «في ذلك اليوم، دارت مواجهات بين الجماهيرنا الفلسطينية الغاضبة، وجنود الاحتلال، وسقط إثر ذلك، العديد من الشهداء والجرحى، فكانت «يا بلادي» تكريماً لهؤلاء، ولاقت هذه الأغنية اهتماماً كبيراً من وسائل الإعلام المختلفة، نظراً للحدث الذي ارتبطت به، ومنذ ذلك الحين بدأت الصحافة تفتش عن موهبتي»، لتتوالى بعد ذلك مشاركاتها بالمناسبات الوطنية المختلفة، كذكرى استشهاد الرئيس أبو عمار، يوم الأرض، ذكرى النكبة، وإنطلاقة الثورة، وغيرها، لتمهد لها الطريق، كفنانة وموهبة شابة، تشق طريقها نحو مزيد من التألق والإبداع.

بين الطب والغناء

استطاعت ميرنا، أن توفق ما بين الدراسة والغناء، وكان أن اختارت دراسة الطب، كي تحقق حلمها الأهم، في أن تصبح طبية، ليكون بمقدورها تضميد جراح أبناء شعبها، لا سيما في ظل الدماء الفلسطينية النازفة على كل مساحة الوطن، ليطلق عليها لقب «الفنانة الطبيبة» لكن جنباً إلى جنب، تحمل أغاني ميرنا، رسائل حافلة بالمعاني والمضامين السامية، فهي تطيّر من خلال أغانيها الوطنية، رسائل عظيمة الشأن والقيمة والمنزلة، لأبناء شعبها، تحثهم فيها على الوحدة الوطنية، والصمود في وجه الاحتلال، وتمجّد من خلالها الشهداء وتضحياتهم، والأسرى وعذاباتهم، والجرحى وآلامهم، والمشردين واللاجئين وحلمهم بالعودة إلى أرض الوطن.. وكل همها وهاجسها، أن تصدح بصوتها على أرض فلسطين، كي يصل صوتها من هناك، إلى العالم أجمع، ليلتفت إلى قضية شعبها، ويرفع الظلم عنه، وتقول: «أتمنى أن يتحقق حلمي ذات يوم، وأهبط في بلدي، وأوجه رسالتي للعالم من هناك، أن ارفعوا الظلم عن هذا الشعب الذي يقاوم المحتل لدحره عن أرضه، فمن حقه أن يعيش بأمن وأمان، كباقي شعوب العالم».

أضافت: «كنت أوازي ما بين دراستي، وتوجهي للمسار الفني، ولم تخلُ أوقات الدراسة، من بعض «البروفات» الفنية، فغالباً ما كنت أصيغ تجاربي الفنية، من وحي دراستي، وكنت استغل العطلة الصيفية، لتطوير موهبتي الفنية بشكل أفضل، لا سيما على صعيد إعداد أغانٍ تتزامن مع المناسبات الوطنية المختلفة».

رصيد غني

تمتلك ميرنا في جعبتها، رصيد غني من الأغاني، منها ما هو حصري، وأبرزها: «يا بلادي، حمامة فلسطينية، شعب الجبارين، أول شمعة، أبطال الميدان»، وبعضها لفنانين فلسطينيين، أعادت غنائها بصوتها، كحال «علّي الكوفية» للفنان الفلسطيني محمـد عساف، أنا فلسطينية، فجرك يا فلسطيني»، أما عن جديد أعمالها، فكشفت أنها أغنية «يا شعبي الثائر» التي تجسد الانتفاضة الحالية التي يخوضها الشباب الفلسطيني ضد الاحتلال في مناطق الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة، وفلسطين المحتلة العام (48).

تعشق فيروز

لدى سؤالنا لميرنا، عن قدوتها من الفنانين، أجابت: «مثلي الأعلى، الفنانة العملاقة «فيروز» وتأثرت بأجمل ما غنت لفلسطين، كأغاني: «زهرة المدائن»، «غاب نهار آخر» و»بيسان».. أما عن الأغاني التي تواظب على سماعها، فأوضحت أنها شغوفة بسماع الأغاني الوطنية، ولا شيء سواها.

ميرنا، أكدت أنها، وبعد تخرجها من كلية الطب، لن تخذل شعبها، وستواصل تقديم رسالتها السامية كطبيبة وفنانة في آن معاً، وقالت: «سأعمل على مداواة جراح أبناء شعبي النازفة، كطبيبة، لكن في المقابل، لن أدفن موهبتي، ولن أبخل على شعبي في توظيف هذه الموهبة، لخدمة قضيته العادلة، وإيصال صوته ورسالته للعالم».

مقالات ذات صلة