المقالات

“إسرائيل” خلقت في الضفة واقعاً لا يمكن تغييره

“إسرائيل” خلقت في الضفة واقعاً لا يمكن تغييره

شالوم يروشالمي

يصف يوفال ديسكن، رئيس المخابرات السابق، في المقابلة المشوقة مع “يديعوت احرونوت” صورة بشعة للمسيرة السياسية. وحسب ديسكن فإن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لا يريد حقا دولة فلسطينية تقوم في الضفة الغربية حسب صيغة خطاب بار ايلان الذي ألقاه هو نفسه في حزيران 2009 بل انه لا يؤمن بها ايضا. وقال ديسكن، ان “نتنياهو يخاف ايديولوجياً من السير في خطوة الدولتين، وفضلا عن ذلك فهو ليس مبنيا من حيث الشخصية لاتخاذ قرارات بالحجم الذي اتخذه رابين او شارون”.

في الوضع الناشئ، كما ادعى ديسكن، نحن نسير نحو ورطة شديدة حيال الفلسطينيين، الذين فقد الكثيرون منهم الامل السياسي، وهم الآن يمهدون السبيل لمجيء “حماس” بدلا من أبو مازن، رئيس السلطة التي تعرف اسرائيل كيف تبعده وتهينه. ويجمل ديسكن النقطة فيقول: “لا أدري كم من الوقت ستستمر عملية التدهور، ولا اريد ان اقول انها لا رجعة فيها. وأعتقد انها لا تزال قابلة للتراجع. السؤال هو ماذا نفعل كي يكون هذا قابلا للتراجع”.

اريد أن أخيب أمله أكثر: الوضع منذ زمن بعيد لا رجعة فيه. فقد خلقنا على الارض واقعا اسرائيليا – فلسطينيا لا نعرف كيف نتصدى له وليس لدينا زعماء يمكنهم أن يغيروه، حتى لو ارادوا ذلك. ولا يهم على الاطلاق ايضا اذا كان لنا شريك فلسطيني أم لا، وذلك لأن هذا الواقع الفظيع هو نفسه ليس شريكا للسلام.

في “يهودا” و”السامرة”، خلف الخط الاخضر، يسكن اليوم 700 الف نسمة بتقدير الحد الادنى (بما في ذلك في الاحياء في شرق القدس). تعالوا نفترض أن الفلسطينيين مستعدون للتنازل عن الكتل الاستيطانية التي نتحدث نحن وديسكن عنها (وهم بالطبع لا يتنازلون)؛ والمقصود هو كتلة “ارئيل – الكنا” (50 الف مستوطن على الاقل)، “غوش عتصيون” (30 الف مسوطنة على الاقل)، كتلة “معاليه ادوميم” (50 الف مستوطنة) وكتلة “بيتار عيليت” (50 الف مستوطنة). ولا يزال غيرها قرابة 150 الف مستوطنة في عشرات المدن والمستوطنات التي يتعين اخلاؤهم الى داخل هذه الكتل.

فهل هذا ممكن؟ فكل بؤرة استيطانية يحتلها عشرون فتى من فتيان التلال تدير حربا عالمية. من أجل اخلاء “ميغرون” تطلب الامر 12 سنة، وعندها ايضا نجحوا في أن يحركوا هذه المستوطنة الصغيرة 500 متر فقط شرقا. هل يمكن لاحد ما أن ينهض وان يخلي اليوم “عمانويل”، “كريات أربع”، “كرنيه شومرون”، “بيت ايل”، “عوفرا”، “شيلو” او “الون موريه”؟ في الوضع السياسي الناشئ هنا، تتبلور وتتضح قبل الانتخابات أغلبية مطلقة من اعضاء الائتلاف المستقبلي التي تطالب بفرض السيادة على هذه المناطق وعدم اخلائها.

لن يكون رئيس وزراء في اسرائيل قادرا على التصدي لمثل هذا الاخلاء. ديسكن محق: نتنياهو لا يريد أيضا. خطاب بار ايلان كان نوعا من ذر الرماد في العيون. خطوة تكتيكية ليس الا، كما تقول تسيبي حوتوبيلي. في كتب سميكة كتبها نتنياهو روى عن المخاطر المرتقبة من دولة فلسطينية – حتى لو كانت مجردة من السلاح – وبالاساس بسبب التهديد الديمغرافي. ديسكن يتحدث عن التفافة الموت بين الاسرائيليين والفلسطينيين داخل المنطقة، ولكن حتى هكذا فإن السياسيين من اليمين يمسكون بعنق رئيس الوزراء ولم يسمحوا له بإخلاء مؤسسة مؤطرة واحدة.

هل رئيس وزراء من اليسار قادر على خطوة كهذه؟ لا سبيل. اليمين لن يسمح له بالحراك، ورأينا الى اين وصلنا في عهد اسحق رابين واتفاقات اوسلو. بشكل عام، هل يوجد اليوم رئيس وزراء في اسرائيل يخلي آلاف اليهود من احياء مختلطة في شرقي القدس؟ من الشيخ جراح، من جبل المكبر، من راس العامود او من الطور؟ ولنفترض أنه يوجد اتفاق على تقسيم البلدة القديمة بين الحارات المختلفة، فهل يتصور احد اخلاء السكان اليهود الذين يسكنون ويتعلمون في الحارة الاسلامية واشتروا هناك منازل حسب القانون؟

الوضع لا رجعة فيه بل وجدا، الامر الذي يعني أننا أقرب الى الكارثة التي يصفها ديسكن في المقابلة من حل لا أمل له؛ الكل مذنبون في هذا الوضع، الذي يؤدي بنا نحو الطريق الصعب الى دولة ثنائية القومية – بما في ذلك قادة المخابرات على أجيالهم، الذين يفركون اليوم أيديهم، ولكن كان بوسعهم أن يؤثروا اكثر في الزمن الحقيقي.

“معاريف”، 7/1/2013

الايام، رام الله، 8/1/2013

مقالات ذات صلة