المقالات

“الشريك الإسرائيلي” يهدّد المصالحة بين فتح وحماس

“الشريك الإسرائيلي” يهدّد المصالحة بين فتح وحماس

تسفي بارئيل

ليس ليوسف رزقة، المستشار السياسي لاسماعيل هنية، أدنى شك: “نتائج الانتخابات في اسرائيل هي هزيمة لنتنياهو”، قال. ليس مجرد فشل بل فشل آخر في مسلسل بدأ مع حملة “عامود السحاب”، تواصل بالهزيمة في الأمم المتحدة أمام نجاح محمود عباس في جني اعتراف بدولة فلسطينية مراقب، وانتهى بالعلاقات الباردة مع باراك أوباما.

في لعبة الصفر، فان فشل نتنياهو يفترض ظاهراً أن يكون انجازاً لـ “حماس”. ولكن سامي ابو زهري، الناطق بلسان “حماس”، على علم بالشرك القائل انه لو كان اليسار انتصر لكان ممكناً ان يعتبر شريكاً مناسباً في المفاوضات. وقال في مقابلة صحافية إن “غياب الموضوع السياسي عن الانتخابات في إسرائيل يشهد أيضاً على باقي الاحزاب، الوسط واليسار، التي تتفق كلها على استمرار العدوان ضد الفلسطينيين والتنكر لحقوقنا الوطنية”. ورغم هذا الفهم فان هزيمة اليمين – اذا كانت هذه هزيمة – لا تغير على الاطلاق المعادلة التي بموجبها لا يوجد ولا يمكن أن يوجد شريك صهيوني للمفاوضات.

السؤال إذا كان يوجد ام لا يوجد شريك للمحادثات، والذي رسم خط الحدود بين معسكر اليمين واليسار في اسرائيل، كان أيضاً أحد خطوط التمييز المتصلبة والواضحة بين “فتح” و”حماس”. فبينما تمسك عباس بموقف أن المفاوضات مع اسرائيل هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق المصالح الفلسطينية وان لدى الولايات المتحدة وحدها القوة لخلق شريك اسرائيلي، فقد رأت “حماس” في هذا الجهد ترهات عديمة الاساس في أفضل الاحوال، وتعاوناً مع العدو في أسوأها. وفي السنة الاخيرة لم يكن لعباس مفر غير الموافقة على ان ليس فقط نتنياهو ليس شريكاً، بل ان الجمهور الاسرائيلي لا يمكنه أن ينتج شريكاً بديلاً في الانتخابات.

ولكن خلافاً لفهم “حماس”، فان عباس لا يرى مانعاً مبدئياً من ادارة مفاوضات مع اسرائيل، اذا ما جاءت بعرض يمكن قبوله يكون مسنوداً بضمانة اميركية، حتى لو كان نتنياهو هو الذي يدير المفاوضات من الطرف الإسرائيلي. “سنتعاون مع كل حكومة اسرائيلية تتبنى مبدأ الدولتين للشعبين، توقف البناء في المستوطنات، وتقبل قرار الأمم المتحدة في تشرين الثاني، بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية كدولة مراقب في الامم المتحدة”، قال نبيل ابو ردينة الناطق بلسان محمود عباس.

هذه الفوارق بين “حماس” و”فتح” في المسألة السياسية، تملي ايضاً مبادئ مفاوضات المصالحة، والتي تجري بوتيرة متغيرة منذ التوقيع على اتفاق القاهرة بينهما في تشرين الثاني 2011. وذلك بعد نحو خمس سنوات على الاتفاق الفاشل في مكة والذي وقع في بداية 2007 ومساعي الوساطة المصرية التي استؤنفت في العام 2009. وحسب الاتفاقات التي تحققت في نهاية السنة الماضية بين خالد ومشعل وعباس، يفترض بالطرفين أن يبدآ في نهاية الشهر في مباحثات عملية لتطبيق اتفاق المصالحة. وفي هذه الاثناء يبدو أن هذه المباحثات لن تبدأ قبل الشهر القادم وربما في وقت لاحق، الموعد الذي لا ينقطع عن عملية تشكيل الائتلاف في اسرائيل، والذي يتعين عليه أن يوضح للفلسطينيين الى أين تتجه الأمور.

من هنا تنشأ أيضاً الفوارق في المواقف في سلم الاولويات الفلسطيني. فبينما يصر عباس على أنه يجب أولاً اجراء انتخابات القيادة الفلسطينية في الضفة وفي غزة على حد سواء وبموجبها يتقرر توزيع المناصب ومجالات المسؤولية بين الحركتين، فان “حماس” من جهتها تطالب بأن تقام أولاً حكومة وحدة، تنفذ إصلاحات في تشكيل م.ت.ف بشكل يضمن لـ “حماس” مكانة مهمة في المنظمة، والوصول الى اتفاق حول عمل أجهزة الأمن.

في “حماس” يخشون من أنه اذا جرت انتخابات قبل اقامة حكومة الوحدة وقبل أن يتفق على أنظمة توزيع الحكم، من شأن عباس أن يستخدم نتائج الانتخابات كي يقرر بموجبها، وليس حسب الاتفاق السابق، توزيع مجالات المسؤولية. مثل هذا الوضع من شأنه أن يجعل “حماس” فصيلاً فلسطينياً آخر ينتظر دوره في توزيع المناصب وليس كمن يمكنه أن يمليها على أساس اتفاق المصالحة.

تخوف آخر لدى “حماس” هو أن نتائج الانتخابات قد تشير الى أن معظم الجمهور الفلسطيني يفضل النهج السياسي لـ “حماس” حيال اسرائيل والولايات المتحدة، وهكذا تعلق “حماس” في موقف متعذر: إذا عارضت الخطوة السياسية ستظهر كمن تعارض المصالحة مع “فتح”. وبالمقابل، اذا ما قبلت موقف الجمهور، فستضطر الى التنكر لمواقفها الأيديولوجية.

ولكن هذا أيضاً رهان من جانب عباس. اذا ما فضل الناخبون الفلسطينيون “حماس” فسيتحطم الأمل في المفاوضات السياسية ومثله أيضاً فرصة التعاون الدولي مع الدولة الفلسطينية. ولكن في حينه يمكن لعباس أن يعتزل منصبه بهدوء دون أن يتحمل مسؤولية انهيار فلسطين أو أن يسلم المفاتيح لاسرائيل، بحيث تدير المناطق بنفسها.

“حماس” ليست عمياء حتى لا ترى حقل الالغام هذا، وهي تحاول أن تمسك العصا من طرفيها. وقد أعلنت أنها توافق على ان يكون عباس رئيس الحكومة التي تقوم بالتوافق. وهكذا تلمّح “حماس” إلى أنها لن تعارض في أن يواصل عباس العمل في القناة السياسية طالما كان متفقاً على أن كل اتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين، إذا ما تحقق، سيخضع لاستفتاء الشعب الفلسطيني.

هذا الاسبوع التقى خالد مشعل في قطر مع جبريل الرجوب، الذي يحمل اللقب الرسمي لرئيس اللجنة الاولمبية الفلسطينية، ولكنه عملياً يعمل مبعوثاً خاصاً لعباس. ولم تنشر تفاصيل اللقاء، ولكن حسب مصادر فلسطينية في رام الله، فان الرجوب قد يكون المسؤول بتكليف من عباس عن تطبيق بنود التعاون الأمني في اتفاق المصالحة الفلسطينية.

وسيتضمن هذا التعاون دمج أجهزة الأمن واقامة قيادة موحدة يشارك فيها رجال “فتح”، “حماس”، و”الجهاد الاسلامي”. واختيار الرجوب ليس صدفة وليس فقط بسبب ماضيه كمسؤول عن الامن الوقائي. فلدى الرجوب اتصالات جيدة مع بعض كبار المسؤولين في اسرائيل وهو مقبول لـ “عقد الصفقات معه”.

الخلاف في المسألة السياسية وانعدام وجود توافق بين “حماس” و”فتح” في مسألة الانتخابات يكفي ظاهراً من أجل عدم انتظار المصالحة الفلسطينية بأنفاس مقبوضة. ولكن من جهتها، فان مصر، السعودية وقطر، تمارس الضغط الشديد على الطرفين للوصول الى مصالحة سريعة. مصر، العراب والراعي لاتفاق القاهرة، تتطلع لان تصبح “حماس” حركة سياسية شرعية، حسب نمط “الإخوان المسلمين”، كي تتمكن من شطب غزة عن قائمة التهديدات ضد مصر. وطالما بقيت “حماس” حركة مسلحة فانها هي او خصومها في القطاع وفي سيناء قد تشعل غزة من جديد، وتجر رداً اسرائيلياً شديداً يجبر مصر على أن تدخل مرة اخرى في دور الوساطة الكريه.

طالما كانت هناك مفاوضات بين “فتح” و”حماس”، لا يمكن أن يكون لإسرائيل دور مهم بالذات في الفترة الانتقالية. وذلك إذا ما أعلنت في الزمن القريب القادم انها مستعدة لان تبدأ مفاوضات مع محمود عباس على أساس قسم من المبادئ الاساس التي يقترحها. مثلاً، ان تتبنى مرة اخرى، بفم مليء وبصوت عال، مبدأ الدولتين للشعبين وتعلن أن موضوع المستوطنات هو الاخر يمكن أن يطرح على مائدة البحث. يمكن لهذا ان يكون بداية مناسبة قد توفر لعباس مساراً سريعاً لاستئناف المفاوضات ووضع “حماس” في مواجهة المعضلة. ويمكن لهذا ايضا ان يكون الاختبار السياسي الأول ليائير لبيد.

“هآرتس”، 27/1/2013

الأيام، رام الله، 28/1/2013

مقالات ذات صلة