المقالات

زيارة أوباما إلى “الكيان المريض”

زيارة أوباما إلى “الكيان المريض”

أوري مسغاف

قبل سبع سنوات زار سناتور شاب مجهول الارض المقدسة. وخلال خمسة ايام مكثفة في الجو والبر، حرث دولة اسرائيل والسلطة الفلسطينية ذهابا وإيابا، فقد أجرى جولات وحصل على تفسيرات وأتم لقاءات وسأل اسئلة. وقد جاء الى كل محطة مسلحاً بقلم ودفتر كبير؛ وتأثر مضيفوه بنشاطه ولطفه واصراره ايضا على تلخيص انطباعاته بنفسه.

وقد استطاع السناتور شديد الدراسة أن يحلق بطوافة لسلاح الجو فوق الخصر الدقيق للدولة، والقيام بجولة في الحدود الشمالية، والتأثر بمبنى مقصوف بقذائف في كريات شمونة، ومركز جماهيري محوسب في القرية العربية المسيحية فسوطة، وان يلتقي مع وزير الخارجية الاسرائيلي، ويتأثر بطائفة من المواقع في القدس والبلدة القديمة وإتمام لقاء في رام الله مع أبو مازن والحديث هناك الى طلاب جامعات فلسطينيين. وفي مطار بن غوريون، وهو ينتظر رحلته الى الوطن، استطاع ان يسجل بث الراديو الاسبوعي لمصوتيه. وكانت جملته الملخصة هي: “هذا مكان معقد بصورة غير عادية”.

في هذا الشهر سيعود الى هنا هذا الضيف، لا سناتور هذه المرة بل رئيساً للولايات المتحدة، انتخب مؤخراً لولاية ثانية. وتبرهن خطة الزيارة التي نسجها مضيفوه له على ان الحديث فيما يتعلق بالنزهات المنظمة على الأقل يدور عن ظروف اسوأ فسيحصل على مكان مسطح ذي بُعد واحد بدل الارض المعقدة بصورة غير عادية.

إذا استثنينا اللقاءات الرسمية الواجبة مع الرئيس ورئيس الوزراء فان أمامنا ما يشبه تنويعا مُحدثا على طريق الآلام، لأن اوباما سيضع باقة زهور في جبل هرتسل، ويشاهد القراطيس المحفوظة، وينظر في النموذج المصغر للقدس في ايام الهيكل الثاني، ويزور بطارية “القبة الحديدية”، ويتناول وجبة الفطور مع نتنياهو. وعلى المائدة كما جاء عن مصادر رسمية: “ايران وسورية ويونثان بولارد”. صحتين (من حسن الحظ ان الاميركيين أصروا على ان يُباحث اوباما نتنياهو في المسيرة السياسية ايضا بل على ان يخطب في ألف مواطن اسرائيلي).

نسينا في الأساس انه لن تغيب بالطبع زيارة “يد واسم” وهي نارنا الدائمة. ماذا يعني ان يكون السناتور اوباما قد خصص في زيارته السابقة ساعتين لجولة شخصية تحقيقية في المتحف؟ ربما يجدر ان نجد لزعيم العالم الحر نافذة زمنية صغيرة اخرى كي يلتقي مع اسرائيليين من أبناء الجيلين الثاني والثالث للمحرقة، يشمون أيديهم بالرقم الذي كان النازيون يشمون جلود آبائهم وأجدادهم به في اوشفيتس. لا يوجد مجاز أتم من هذا للخط الموجه للزيارة المخطط لها كلها: مع الاتجاه الى الماضي ولا سيما الماضي بمظهر الضحية. واذا نظرنا هنا وهناك الى الحاضر فمن المناسب ايضا ان نؤكد الظهور بمظهر الضحية (ايران والقبة الحديدية وبولارد).

من المفهوم ضمنا أن للماضي اليهودي دورا رئيسا في فهم عناصر الوجود الاسرائيلي، لكن هل هذه هي القصة كلها؟ كيف يمكن ان تستقبل على هذا النحو قوة اقليمية هي في ظاهر الامر نموذج عالمي تاريخي يُحتذى للبعثة والتجدد، حليفها الذي يأتي في نهاية الامر بزيارة مُشتهاة؟ أليس عندنا في الحقيقة ما نُطلع اوباما عليه سوى القراطيس المطوية وهيكل خرب، ونصب للمحرقة وشواهد عسكرية؟ واذا كان الحديث يدور عن الماضي فانه يمكن ان يُعرض ايضا بطريقة أكثر تركيبا وتنوعا لكن ماذا عن الحاضر والمستقبل؟ أين اختفى الفخر الاسرائيلي والمبادرة والعظمة التي أُنعم بها علينا في الماضي؟.

يقول المنطق السليم: انه يمكن ان نملأ بصورة أفضل وأجدى الوقت القصير لرئيس اميركي. وان نُريه، وأن نُذكر أنفسنا ايضا انه يوجد في الأفق الاسرائيلي أكثر من الخراب والمحرقة والذرة والقبة الحديدية. بيد ان اسرائيل في فترة نتنياهو الممتدة هي كيان مريض جدا. ان البساط الاحمر الذي تبسطه الضحية الأبدية ملطخ بالدم دائما؛ إن الأبد هو الرماد والغبار فقط.

“هآرتس”، 5/3/2013

الأيام، رام الله، 6/3/2013

مقالات ذات صلة