المقالات

المستوطنون والسياسة في إسرائيل || ظاهرة صهيونيـة يتزايـد نفـوذها

أثار الصعود المفاجئ لمكانة وشعبية حزب «البيت اليهودي» بزعامة نفتالي بينت على حساب تحالف «الليكود بيتنا» أفكاراً متباينة حول دور المستوطنين ونفوذهم في الحياة السياسية العامة. وبرغم تعدد مظاهر تأكيد هذه المكانة ليس فقط في حزب «البيت اليهودي» وإنما في «الليكود بيتنا» و«شاس» أيضاً، إلا أنه من المبالغة اعتبار المستوطنين ظاهرة جديدة في الحياة العامة الإسرائيلية حيث كان الاستيطان، ولا يزال، لب وجوهر الحركة الصهيونية.

حلمي موسى
حلمي موسى

ولكن الاستيطان المعاصر، الذي بات يظهر ويتعزز بعد الاحتلال الإسرائيلي لأراضي العام 1967، اتخذ صفات خاصة غلب عليها، خصوصاً في الضفة الغربية، الطابع الديني. وعملياً ونتيجة النزوع التاريخي نحو اليمين في إسرائيل انتقل رأس الحربة الكفاحية في المشروع الصهيوني من الكيبوتسات (الاستيطان اليساري) والموشافيم حتى مطلع السبعينيات إلى «المستوطنات» (الاستيطان اليميني) بعد ذلك وحتى اليوم. وإذا كانت سمة الاستيطان الأول في الغالب احتلال الأرض وصولاً إلى طرد العرب، فإن الاستيطان الجديد يحمل السمات نفسها ويضيف إليها.

وبرغم الحديث عن أن المستوطنين باتوا يرون تمثيلهم في حزب «البيت اليهودي»، وهو محصلة انتقال الصهيونية الدينية من الهامش إلى المركز، إلا أن المستوطنين ممثلون طبيعياً في المستوطنين القدامى وعبر ممثليهم الأبرز في الأحزاب الأخرى القائمة. وهكذا ليس صدفة أن «البيت اليهودي»، منطلق وغاية وهدف، موجود أصلا داخل الليكود، وأفلح في الانتخابات الداخلية في الحصول على الأقل على حوالي ربع الأصوات. كما أن زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» وزير الخارجية المستقيل أفيغدور ليبرمان مستوطن «جديد» يعيش في مستوطنة «نيكوديم» في الضفة الغربية.

كذلك، تنال حركة «شاس» قسماً كبيراً من أصواتها من المستوطنات التي هي في الواقع مدن حريدية أقيمت داخل القدس والضفة الغربية. وكذلك الحال مع غالبية الأحزاب الصهيونية الأخرى.

فزعيمة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش، كادت أن تنافس اليمين الليكودي في تأييد المستوطنين وتقديم الميزانيات المالية لهم. واختار زعيم حزب «هناك مستقبل» يائير لبيد إطلاق حملته الانتخابية من جامعة «أرييل» التي أقيمت في المستوطنة التي تحمل الاسم ذاته. ولا حاجة للحديث عن مقدار تأييد زعيمة حزب «الحركة» وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، للمستوطنين ومدى إصرارها في مفاوضاتها مع السلطة الفلسطينية ليس فقط على تكريس الاستيطان، وإنما أيضا على توسيع الكتل الاستيطانية.

ومع ذلك لا يمكن القفز عن وقائع جديدة تعبر عن الدور المتنامي للطليعة الجديدة لليمين الإسرائيلي. وربما أن واحداً من أبرز هذه الوقائع حقيقة مفزعة تتمثل في أن بين مجموع المستوطنين ونسائهم وأطفالهم البالغ عددهم جميعاً 500 والمقيمين في البلدة القديمة في مدينة الخليل ثمة أربعة مرشحين للكنيست. ويؤيد هؤلاء المستوطنون على التوالي حسب الأفضلية حزب «عوتسما ليسرائيل» (الوجه الجديد لحركة كاخ) و«البيت اليهودي» وأخيرا الليكود. ومن بين مستوطني الخليل مرشحان على قائمة «البيت اليهودي»، وهما هيليل هوروفيتش وأوريت ستروك. وتضم قائمة «عوتسما ليسرائيل» المستوطنان، إيتمار بن غبير وباروخ مارزل، واللذان عرفا في صداماتهما مع العرب ومع المتضامنين. ومن الجائز أن هذه الحقيقة تعبر أكثر من أي شيء آخر عن مدى ميل المستوطنين الجدد لفرض أنفسهم على الحياة العامة في إسرائيل.

وبديهي أن هذا الميل يثير مخاوف «المستوطنين القدامى» الذين يرون اندفاع الأحزاب لتلبية أهواء ومطالب المستوطنين على حساب الآخرين في ظل تعاظم الأزمة الاقتصادية. وبعدما تبين حجم الفجوة في عجز الميزانية العامة الذي زاد عن عشرة مليارات دولار في العام الحالي، وتوقع فرض ضرائب جديدة باهظة بعد الانتخابات، تزايدت نسبة الداعين إلى تقليص امتيازات المستوطنين. وأظهر استطلاع نشر قبل يومين في «هآرتس» أن 63,7 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون إجراء أكبر تقليص على ميزانية الاستيطان.

ولكن هذا الميل لا يزال بعيداً عن التأثير في المواقف العامة للأحزاب الإسرائيلية. فتقرير حركة «السلام الآن» المناهضة للاستيطان الأخير، أظهر أن عدد الوحدات الاستيطانية التي أقرتها حكومة نتنياهو في العام 2012 زاد أربعة أضعاف عما أقرته في العام 2011. وأشار التقرير إلى أن حكومة نتنياهو صادقت على خطط بناء لإنشاء 6676 وحدة استيطانية أغلبها شرقي الجدار الفاصل مقارنة مع 1607 وحدة في العام 2011، والمئات في العام 2010.

وبرغم ذلك أثار انحياز غالبية المستوطنين إلى «البيت اليهودي» نوعاً من خيبة الأمل لدى قادة الليكود ممن يؤمنون أنهم فعلوا كل ما باستطاعتهم لتعزيز النهج الاستيطاني، وبالتالي أنهم الأولى لقيادته. واندفع بعض الليكوديين لاعتبار أن موقف المستوطنين ينطوي على نكران كبير للمعروف خصوصاً بعد الإدانة الواسعة في أوساط المستوطنين لانضمام سكرتير عام المستوطنات لحملة نتنياهو وليس لحملة «البيت اليهودي». وليس مستبعداً أن تقود الخلافات الجديدة في أوساط اليمين إلى تعزيز الميل لدى المستوطنين القدامى لمواجهة المستوطنين الجدد ورفض هيمنتهم على الحياة العامة.

عموماً، وبحسب آخر استطلاع نشرته القناة العاشرة فإن «الليكود بيتنا» لن ينال إلا 32 مقعداً، وإن المقعدين اللذين خسرهما عن الاستطلاع السابق ذهبا لـ«عوتسما ليسرائيل» و«البيت اليهودي». ومن الواضح أن معسكر اليمين بقيادة نتنياهو لا يزال يتقدم على معسكري الوسط واليسار بشكل واضح حيث يملك الأول 65 مقعداً في حين يمتلك الثاني 55 مقعداً.

وبدأت المعركة داخل معسكر اليمين من الآن، حيث لاحظ المعلقون أن الخسائر في قائمة «الليكود بيتنا» هي فعليا خسائر نشطاء الميدان الذين سيميلون إلى التنفيس عن غضبهم بعد الانتخابات ليس فقط على «البيت اليهودي» والمستوطنين، وإنما ربما على قيادة «الليكود» نفسه.

وأشارت معطيات جديدة أخرى إلى احتمالات حدوث مفاجأة لا تظهر حتى الآن في استطلاعات الرأي وهي ترتبط بإمكانية عودة المستنكفين عن المشاركة في الانتخابات عن موقفهم. ويعتقد خبراء أنه إذا حدث ذلك وارتفعت نسبة التصويت فقد تظهر مفاجأة في نتائج المعسكرات. ومعروف، مثلا، أن حوالي نصف الناخبين العرب لا يشاركون في الانتخابات العامة الأخيرة.

السفير، بيروت، 17/1/2013

مقالات ذات صلة