اخبار الوطن العربي

عذراً عمر كرامي

عذراً عمر كرامي

العنف يغذي الغرائز السلبية من حقد وثأر ورغبة انتقام وغيرها من الغرائز المدمرة التي يصعب التسامي فوقها في لحظات الكارثة. خاصة عندما يستدعي الحدث ذكريات كوارث سابقة مماثلة. في هذه الحالات نتعمد نحن الاختصاصيون التعرف الى نمطية الغرائز المتفجرة عقب الحدث مباشرة وهو ما فعلناه عقب محاولة اغتيال فيصل كرامي. وهذه المراقبة تعتمد على لحظات تفجر المخاوف من عواقب الحدث وهي لحظات يصهر الخوف فيها اختلافات الرأي التي تذوب امام توقعات تكرار الكارثة او توسعها وانتشارها عبر ردود الفغل عليها…. هذه المقدمة تعتبر من اساسيات علم نفس الصدمات النفسية الجماعية وهكذا ندرسها في الاكاديميات الامنية في اعداد المتخصصين في الوقاية من الكوارث وتقنين ردود الفعل عليها في حال حدوثها.

بتطبيق هذه المباديء وباستقراء التجارب السابقة رصدنا في الشارع الطرابلسي مواقف غرائزية انتشرت بالعدوى وبالتوقع على شكل اسئلة منها: هل هي القوات اللبنانية التي قتلت رشيد كرامي وقد اخترقت الصفوف الطرابلسية وعبر قيادات باتت معروفة بدقة التي حاولت اغتيال فيصل؟… هل اتعظ آل كرامي بعدما خسروه بعزوفهم عن تجارة الدم وبعدما رأوا المكاسب المتحققة من هذه التجارة؟… هل تراهم يزايدون في هذه التجارة لتعويض الغبن اللاحق بهم وبشهيدهم؟… هل يشهد الشارع الطرابلسي استعادة فعاليته من باب الثأر لكرامة المدينة وكبارها؟…

اما على صعيد التوقعات فهي تجاوزت ردود فعل الشارع لتتحول الى خوف لبناني عام من عواقب المحاولة حتى انني تلقيت مكالمة من صديق يعمل مستشاراً لدى رئيس حزب معارض بارز ينصحني بمغادرة طرابلس كون المعلومات المتوافرة تنذر بالشرور وبنشوب نزاع اهلي على مستوى لبنان.

اما بالنسبة الى ردود الفعل قصيرة الامد فهي اقل مصداقية كونها تتمازج مع آراء “النفاثات في العقد” وتتضمن محاولات نشر الشائعات المؤذية وتسريب المعلومات المضللة لذلك لا نعيرها كبير اهتمام دون ان يعني ذلك اهمالها. بل يعني دراستها من منطلق “يكاد المريب يقول خذوني”. حيث الفاعلون والمتهمون الافتراضيون يتسابقون للتضليل وفي ذهنهم رمي كرة النار بعيدا عنهم. وبالنظر لضيق الوقت ومعه احيانا ضيق الافق ينطلق التضليل نحو توجيه الاتهام في الاتجاهات الخاطئة بغرض التخفي والتضليل. وفي كل الاحداث المشابهة تجد ان المضللين والساعين للتضليل هم في طليعة المتهمين والمستفيدين من اذية الحوادث.

فجأة وفي وقت قياسي اشبه بالسباق مع الزمن قطع علينا عمر كرامي هذه التحليلات ليعلن من عليائه ان الحادث مجرد غلطة…هو موقف صارم يضع الحدود للغرائز السلبية المتفجرة بالمناسبة ويزيح غمامة الفتنة عن سماء طرابلس ومعها لبنان.

هو موقف الرجال الذين بتنا نفتقدهم في السياسة اللبنانية حيث يتحرك الشارع مستعداً لأصعب الاحتمالات ويستمع الى حكمة زعيمه ويسلم بصوابية رايه ممتثلاً له.

هو موقف الأب الحاني المستعد لإعادة احتضان الأبناء الضالين ومسامحتهم مع تاكيد حرصه ورفضه اراقة دمائهم.

هو موقف تكراري في سلوك عمر كرامي الذي عانى من الزمن الرديء دون ان تقوى الرداءة على تغييره. فهل تتخيلون رجلا باناقة ومستوى عمر كرامي يقبل بالصاق لقب “الشهيد الحي” بنجله!…

هو عمر كرامي الذي حافظ على تراث المدينة ووطنيتها وتسامحها لتحتفظ طرابلس بالقابها التاريخية ومنها: “طرابلس مدينة عبد الحميد كرامي” و “مدينة الرئيس الشهيد رشيد كرامي” الا ان طرابلس هي اليوم وبامتياز “مدينة عمر كرامي” وهو الللقب الازهى والاكثر راهنية لهذه المدينة.

عمر كرامي الزعيم كعادته ليس في وارد التذكير بعقوق الابناء الضالين في المدينة ولا بادعاءاتهم وتخليهم وخروجهم من جلدتهم. بل هو يتمنى لهم الاستقرار لغاية التطوع لامتصاص نقمة الابناء الصالحون وغضبهم على المساس بالاب الحاني. فهل يدرك الضالون مستوى الإساءة وحجم الخطأ بتنحية دور الأب لمصلحة بدلاء قاصرين له. وهم أعطوا اشارات واضحة لاستعدادهم التخلي عن هؤلاء البدلاء واعادتهم من حيث أتوا ان قبل الأب توبتهم وتطوع للوساطة التي قد تعيد العاقين الى المدينة بعد ان عاشوا فيها غرباء يعملون لغرباء؟.

كانت تجربة خطيرة ومؤلمة لكنها كرست نبل الأب الطرابلسي عمر كرامي وأناقته وتسامحه مقرونة بحساسيته تجاه كرامة طرابلس وكرامته الشخصية وإرثه السياسي التي كانت مزايا معوقة في هذا الزمن الرديء.

هذه المزايا هي التي أغضبت المافياوي غازي كنعان من عمر كرامي فمارس عليه مافياوية استغرقت 12 سنة كاملة.

هي المزايا نفسها التي دفعت بعمر كرامي لمفاجأة الجميع باستقالة أملتها عليه حساسيته تجاه دمعة سالت على وجنة أخت الشهيد.

هـي الأبوة التي جعلت عمر كرامي ضنيناً دائماً بالدماء وبخاصة دماء أهل المدينة. لذلك خاصم الطرابلسيين عشية استقالته برفضه ردة فعلهم العفوية دفاعاً عن صورة الأب التي لا تمسها الأنواء مهما بلغت.

هـو الإرث الذي جعله يمتنع عن الترشيح في انتخابات 2005 مكرراً موقف الوالد عبد الحميد العام 1947.

هي أناقة عمر كرامي عندما ظهر منافساً في انتخابات 2009 غير طامع بمقعد لا يساوي عنده جناح بعوضة ليعلن للأبناء الضالين ان بيت الاب يبقى مفتوحاً.

هـو رقي عمر كرامي الرافض للتفريق بين الابناء وبالتالي لا يمكنك الاعتماد عليه لجعل الابناء يتواجهون ويتقاتلون لاختلاف دياناتهم او مو

اقفهم او حاراتهم.

هـو وفاء عمر كرامي الرافض للعفو عن مجرم حرب أطلقه آخرون من سجنه بضغوط خارجية معلومة.

هكذا فان عمر كرامي ينطلق في مواقفه من ثوابت ومن رؤى سياسية شفافة دون ان يأبه بالمكاسب والتضحيات بدليل الاثمان التي دفعها دون ان يرف له جفن ودون ان يتخلى عن قناعاته أو يجعلها موضوع مناورات. وهو ما يكرسه أباً لا منافس له لهذه المدينة ويجعل دوره عصياً على البدلاء. وهو ليس فقط زعيم السنة اللبنانيين بل هو زعيم وطني لبناني جامع وان كانت بيده مفاتيح الاعتراف بزعامات السنة.

يبقى على الابناء الضالين العائدين اصلاح ما فعلت ايديهم عبر عقوقهم….. ومقدمته رفع شعار “عــذراً عمــر كرامي” فقد حملناك ما لا يحتمله الا رجل استثنائي في زمن غير اعتيادي…..

د محمد احمد النابلسي* “مستقبليات”

*رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية

مواضيع مشابهة

المفتي قباني عند الرئيس عمر كرامي

اجهزة الامن لم توقف اي متهم من المعتدين على كرامي رغم معرفتهم

الشيخ منقارة: نجاة كرامي كانت بفضل الله ونجت معها طرابلس من فتنة

نجاة الوزير فيصل كرامي من محاولة اغتيال في طرابلس

فيصل كرامي : كلنا مستهدفون في طرابلس

مقالات ذات صلة