المقالات

لن يعيش الكيان حتى 2050

لن يعيش الكيان حتى 2050

د.فايز رشيد

03 كانون أول / ديسمبر 2016

نشرت صحيفة «هآرتس» الصهيونية (الخميس 24 أكتوبر/ تشرين الثاني الحالي 2016)، خطة للقدس اسمها «القدس 5800»، حيث سيصادف العام «العبري» 5800 في العام 2040، وهو العام الذي سيبدأ فيه تنفيذ مشروع الخطة. الأخيرة هي مبادرة الملياردير اليهودي الصهيوني الأسترالي كوين بريمستر، الذي يملك أفضل العلاقات مع الأوساط الصهيونية الحاكمة في الكيان، وخصوصا عضو المجلس البلدي للقدس المحتلة، الناشط اليميني الأكثر تطرفاً آريه كينغ، الذي كان من المبادرين أيضا للخطة. بريمستر جمع أمواله من الاستثمار في شركة الاتصالات «سكايب» في بداية طريقها، وتجند في السابق لشراء الأرض، التي أقيمت عليها مستوطنة «نوف تسيون» داخل قرية جبل المكبر في جنوب القدس. وجُند أيضاً لصفقات أخرى، من اجل شراء العقارات لصالح الاستيطان الصهيوني، وهو يستثمر في فنادق وأراضي في غربي القدس.

الخطة تهدف إلى بناء مطار دولي كبير بين البحر الميت وأريحا وإنشاء شبكة قطارات تربط ما بين رام الله، والمنطقة الصناعية والتجارية الكبيرة، المزمع إقامتها، بالقرب من قلندية، وتتألف أيضا من عشرات الفنادق الجديدة. وسيتم الانتهاء من المشروع في عام 2050. المشروع استكمل إعداداً وموازنةً. كما يعلن المخططون، المشروع (ومثلما أعلنوا عنه) لن يكون معنيا بحل المشكلات السياسية للمدينة، لكن الكثيرين يعتبرونه محاولة أولى من قبل الكيان، لرسم رؤيا مستقبلية للمدينة المقدسة بعد 35 عاما، فهو يحدد مستقبلها من خلال تأكيد وحدتها الأبدية.

أصحاب المبادرة، عرضوا بعض أجزائها على بلدية القدس ووزارات حكومية، ووزير السياحة ياريف لفين ووزير شؤون القدس زئيف الكين، وكلهم باركوها. الخطة توسع مساحة منطقة القدس إلى مسافة تمتد حتى مدينة أريحا، وهي بالطبع، تتجاهل وجود الشعب الفلسطيني.

وحسب رؤية المخططين، سيعيش في المدينة ومحيطها 5 ملايين شخص، وسيزورها 12 مليون سائح سنويا. وستكون مكتظة بالسياح والفنادق. ولكن الأخطر في الخطة، أنها تهدف إلى اعتبار «القدس الموحدة مدينة يهودية». هذا هو المبدأ الأول للخطة، وهو واحد من ستة مبادئ جرى تحديدها، الثاني («دولة «إسرائيل» هي قلب الشعب اليهودي والقدس هي قلب دولة «إسرائيل» والشعب اليهودي). يقول المبدأ الثالث، إن زيادة سكان القدس اليهود، لن تكون فقط بناء على التكاثر الطبيعي، بل من خلال الهجرة اليهودية إلى المدينة. والمبدأ الرابع يتحدث عن أن الخطة (وضعت من أجل بناء عملية تزيد من فرص دولة «إسرائيل» والشعب اليهودي في الازدهار). والمبدآن الخامس والسادس يتحدثان عن الحاجة إلى، التخطيط الديمغرافي، من أجل الحفاظ على أغلبية يهودية في المدينة.

وأنا أقرأ نص الخطة، فإن ما خطر على بالي، أن الذين ما زالوا يتمسكون بنهج التفاوض مع هذا العدو، وبإمكانية انتزاع دولة فلسطينية من بين يديه هم واهمون. على العموم إن هذا الكيان لن يمكث حتى عام 2050، نظرا لأسباب عديدة أبرزها: فاشيته المنقطعة النظير، وعدوانه الدائم والمستديم. استيطانه البشع. نظرته الاستعلائية لكل غير اليهود من «الأغيار». عوامل تآكله الداخلية، المتمثلة في، العنصرية، التي يمارسها حتى على اثنيات يهودية في شارعه، افتقاده للتجانس المجتمعي، رغم مرور ما يقارب السبعة عقود على إنشائه القسري. التحول المتسارع في داخله نحو المزيد من الفاشية. كل ذلك، يأتي وسط ظروف دولية يُلمسُ منها، تسارع عودة حلفائه الغربيين، إلى عصر القوميات، وبما ستفرضه من صراعات أيديولوجية في المبارزة القومية. وبما ستحمله الأخيرة من عوامل تفكيكية (لا تجميعية) للإثنيات، التي استطاعت، رغم المتناقضات، بناء الدولة القوية الواحدة.ولعل إرهاصات مطالبة بعض الولايات الأمريكية بالانفصال عن الدولة، واحتمال فوز المرشح الفرنسي فيون بمنصب الرئاسة، هي دليل على صحة ما نقول.

بالمعنى الاقتصادي، نعم، استطاعت الرأسمالية تفادي سقوطها الحتمي، كحلقة أخيرة في سلَم تطورها، لكنها لم ولن تتجنب مستقبلا هذا السقوط. هذا إضافة إلى متغيرات فلسطينية، وأخرى عربية مرتبطة بسمات السير في الاتجاه السابق، وبما ستفرضه الوقائع الجديدة من حقائق مفروضة، مختلفة شكلا ومضمونا عن الأشكال السابقة والأخرى الحالية. جملة القول، إن التاريخ المعاصر المستقبلي القريب، سوف لن يشهد وجود الدولة الصهيونية.

مقالات ذات صلة