المقالات

حركة “فتح” حين لا أعرفها..!

حركة “فتح” حين لا أعرفها..!

بقلم: بكر أبوبكر

23 كانون أول 2013

ساءني كما الكثيرون في حركة “فتح” أن تصل الأمور في بعض المواضع والحالات في حركتنا العملاقة إلى الحد الأقصى في التعامل، بمعنى أن تحل لغة التباغض والتنابذ والتنافر والتسلط مكان لغة الحوار والتفاعل والتحابب والتسامح التي هي أصل من أصول الفكرة الوطنية لحركتنا ذات المساحة الرحبة.

إن الوضع السياسي يعيش حالة ارتباك شديدة من السعي الإسرائيلي الحثيث لتدمير حل الدولة الفلسطينية المستقلة والتواطؤ الأمريكي، ومن الحرج للمفاوض الفلسطيني ما بين عالم يترقب نتائجا ومستعد لتحميلنا قبل غيرنا تهمة الإفشال، ولسبب انهيار وحدة وطنية لا تستطيع أن ترفع رأسها إلا وتتلقى طعنة، من هنا أو هناك. ولأن الواقع الإحتلالي والاقتصادي المزري جعل من المستوطنين يتغوّلون، ومن السجانين يتوحشون، ومن الانتهازيين والمتسلقين بين ظهرانينا ينظّرون لمقولة “ليس بالإمكان أفضل مما كان”.

وفي ظل هذا الارتباك والتخلخل وعدم الوضوح في المخرجات أو النتائج المتوقعة تعيش التنظيمات السياسية الفلسطينية عامة حالة فريدة من القلق أوالتقلب بين الفكر والأسلوب النضالي من جهة ومتطلبات السلطة من جهة أخرى، فأوقعت نفسها في حبائل السلطة ولذائذها على حساب تكاليف النضال وتضحياته الباهظة.. فتباعدت عن ذاتها وجعلت المسافة كبيرة داخلها وخارجها.

كيف لمناضل أن يسعى لمزايا، وكيف لمدير ألا يطلب المزايا؟ وكيف لمجاهد أن يتخلى عن سيفه وأنىَّ لوزير أن يكون في الخنادق؟ وكيف لمن وضع روحه على راحته أن يجلس على كرسي وثير أو العكس؟ تضاد وتضارب وتنافر يجعل من ضرورة تحديد الاتجاه وحل المعضلة مسألة مركزية في الفكر الثوري والنضالي للتنظيمات الفلسطينية بما فيها حركة “فتح”، و”حماس” والشعبية وجميعها.

إن التخلخل والارتباك وعدم الوضوح ليس في الوضع السياسي فقط، وإنما في الأمور التنظيمية الداخلية والتي حُكما تتأثر بالوضع السياسي كما تتأثر بحاجات الناس والسلطة، مما جعل الناس -أو كثير منهم- تتجه بقوة بدواعي القرف والملل والاحباط نحو حلول قد تتجاوز التنظيمات السياسية وقد تصل في مرحلة متقدمة لأن تتخطاها كليا.

من الآثار الجانبية للارتباك التنظيمي أن ننشغل بالفرعيات على حساب الرئيسيات أوبالثانويات على حساب الأولويات، وهل من تكثيف الجهود كل الجهود في مواجهة العدو الصهيوني أولوية أكبر؟ لذلك نرى النعرات المناطقية القبيحة تظهر على السطح بين غزة والضفة، وبين شمال وجنوب وبين وبين…، وترى التكتلات على ذات القاعدة أو وفق الولاء الشخصي لهذا القائد أو ذاك وكلنا مُقاد، أو المرتبط بمصالح سلطوية فتّانة لكنها زائلة.

ومن الآثار الجانبية للوضع المرتبك أيضا أن نتسرّع، أو نتساهل، أو نتطرف أو نتشدّد في العمل والقرار وإن بنوايا قد تكون حسنة، ولكن دون أو نحقق العدالة (الكاملة) رغم أن العدالة بطبيعتها نسبية.

ومن الآثار الجانبية أيضا انتشار شلل الزعران والعصابات، تروّج للفوضى والفتنة كما تروّج للمخدرات والتخريب في البلاد ، وأيضا قد نلحظ في عدد من المواقع الهامة انهماك الكادر التنظيمي في صراع المراكز على حساب الأفعال، وفي صراع المواقع على حساب الانجازات لفلسطين والأمة والحركة.

إن انعدام الحوار الفكري والقيمي والروحي والسياسي والثقافي يُعدّ من أصعب الآثار الجانبية للتخلخل التنظيمي، فيشرد الكثيرون ليملؤوا أدمغتهم الخالية بأنصاف الحقائق أوالأكاذيب والافتراءات التي تنتشر في سوق فلسطين المادي المعاش، أو في سوق الشابكة (الانترنت) الذي يصبح هو المؤدِّب والمربِّي والمعلِّم، والتنظيم من كل ذلك في إجازة مفتوحة.

إن الحِدّية والتطرُّف والتنابذ (كل يتحصن في جهة، ومالي وغيري، أو ليذهب غيري إلى الجحيم) في الحركة ما بدأنا به مقالنا قد يصبح مسار العلاقة الداخلية الدائم، فلا نتّزن في تعاملنا فتصبح قوة اليد أو السلاح أو المركز أو القبيلة أوالخواء سبيل الحوار فقط، وقد لا نرى آثامنا نحن وننشد القصاص من غيرنا دون تحري، أو بتحيز للأهواء والجبروت دون رقيب أو نتشدد باتجاه بينما نحن متساهلون فيما هو أهم وأعم وما هو طامة كبرى.

لن أُكثر في التنظير هنا، فان في حركة “فتح” هذه الأيام جرحا نازفا سواء على صعيد السياسية غير الواضحة وتردد الأفعال والتصريحات، أو على صعيد البناء التنظيمي الذي يزحف زحفا بأمل الاستنهاض الممكن لنور الفكرة وثراء الحركة، أو على صعيد القيم والمسلكيات المرتبكة ما بدأ يباعد بين الأشقاء، فنتوه في العلاج بين قانون المحبة أوالعقوبة الرادعة، وبين تطبيق النظام والقانون وشرائط التطبيق، وبين التريث في اتخاذ القرار أوالحزم المطلوب، وبين استخدام الشِدّة حيث يجب واللين حيث يجب.

بمعنى آخر نحن –باعتقادي- نفتقد للميزان الذي نستطيع به أن نحكّم العقل ولا نُهمِل المشاعر، ونجعل النظام لمصلحة الأعضاء وليس سيفا على رقابهم، ونتقبل التعدد في الأفكار والطروحات والآراء كافة،مع احترام الإطار، ونرفض لغة التهجم والاتهام والشتائم والاعتداء، ونقيم للقنوات والمؤسسات الحركية وزنا حقيقيا يجعل من حركة “فتح” التي بتنا لا نعرفها في الآونة الأخيرة تنطلق كطائر الفينيق إلي فضاء حكم المؤسسة لا الشخص أو الشخوص أي كانت مرتبتهم.

* الكاتب أحد كوادر حركة “فتح” ويقيم في رام الله. – baker.abubaker@yahoo.com

مقالات ذات صلة