المقالات

تراجع الدور التركي في القضية الفلسطينية

تراجع الدور التركي في القضية الفلسطينية

محمد نور الدين

تحتل القضية الفلسطينية مكانة بارزة في قلب كل تركي منذ عقود من الزمن. بل كان تقسيم الدولة العثمانية قبل قرن وفق سايكس بيكو من أهم الأسباب لتمرير إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين. ورغم أن أتاتورك انتهج سياسات منغلقة على الذات لترتيب الوضع الداخلي في تركيا بعد الحرب العالمية الأولى ورغم عقود من التحالف مع “إسرائيل” بعد إنشائها بعد الحرب العالمية الثانية لم تتراجع مكانة فلسطين لدى الأتراك. وحتى كان بعض حكام تركيا من العلمانيين والعسكريين ولاسيَّما بولنت أجاويد رمزا للموقف الشريف في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية بل سبق رئيس الحكومة الحالي رجب طيب أردوغان في وصف “إسرائيل” بأنها دولة إرهابية عام 2002 وكان رئيسا للحكومة. وعندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 واصل سياسة دعم القضية الفلسطينية لكن مع تميّزه عن سابقيه من الحكومات التركية أنه دخل إلى قلب المعادلة الإقليمية وسعى إلى التوصل إلى تسوية سياسية بين الفلسطينيين و”إسرائيل” وهو ما طرح تساؤلات كثيرة عن الدور التركي الجديد في الشرق الأوسط وتجاه القضية الفلسطينية تحديدا. وقد سببت بعض المواقف لرئيس الحكومة التركية أردوغان انزعاجا لدى حكومات “إسرائيل” ولاسيَّما الأخيرة. ومع أن مستوى التواصل المباشر بين زعماء البلدين قد تراجع غير أن العلاقات لم تصل إلى حد القطيعة. وفي نظرة إلى الموقف التركي من فلسطين و”إسرائيل” نلاحظ النقاط التالية: 1- أثر “الربيع العربي” سلبا على تركيز تركيا على القضية الفلسطينية إذ تحوّل اهتمامها إلى الأزمة السورية التي باتت أولوية لدى تركيا وفي ضوئها تقام حسابات الربح والخسارة في السياسة الخارجية التركية. 2- تراجع الدور التركي في القضية الفلسطينية نتيجة انقطاع التواصل السياسي مع “إسرائيل” وهو الأمر الذي يدفع بالسلطة التركية إلى التفكير في كيفية إعادة التواصل مع تل أبيب لتتمكن تركيا من القيام بدور وسيط افتقدته خلال العدوان على غزة في نوفمبر الماضي. 3- جاء تقدم الدور المصري أثناء العدوان على غزة سواء في التوصل إلى وقف للنار أو في التفاهم الذي تم التوصل إليه بين الفلسطينيين و”إسرائيل”، ليحجب أدوار القوى الإقليمية الأخرى ولاسيَّما تركيا. ذلك أن القضية الفلسطينية هي أولا قضية فلسطينية ثم عربية ثم إسلامية. وفلسطين جزء من الأمن القومي المصري وعلى حدود مصر مباشرة، وليست جزءا من الأمن القومي التركي ولا على حدود تركيا. ولم يبرز الدور التركي بين “إسرائيل” والفلسطينيين ولا بين الفلسطينيين أنفسهم إلا بسبب استقالة مصر أيام حسني مبارك من دورها. وعندما تتحرك مصر تتراجع الأدوار الأخرى. لذا بدا الدور التركي أثناء العدوان على غزة هامشيا وافتقدت تركيا صورة البلد التي تريد أن تكون مؤسسا للعبة إقليمية ونظام إقليمي. 4- مهما علا صوت حكومة حزب العدالة والتنمية في الدفاع عن القضية الفلسطينية فإنها لم تستطع أن تنتقل إلى مرحلة الفعل المؤثر على “إسرائيل”. فالعلاقات الاقتصادية مستمرة ورغم تراجع 12 في المائة في عام 2012 فإن حجم التجارة المتبادل بقي عند حدود أربعة مليارات دولار بعدما كان في سنة العدوان على سفينة مرمرة (2010) مليارين ونصف المليار دولار. كما تتواصل علاقات التعاون السياسية في أكثر من قضية ومنها مؤخرا رفع تركيا الفيتو على نشاطات “إسرائيل” مع حلف شمال الأطلسي. كما تستمر العلاقات الدبلوماسية والأمنية والعسكرية والثقافية. ولم تنقطع محاولات التطبيع الكامل للعلاقات في اتجاه الضغط على “إسرائيل” لتقديم اعتذار واضح لتركيا عن حادثة مرمرة. 5- ويلفت الانتباه في العلاقات التركية الفلسطينية للعام 2012 هو التقارب الشديد بين حكومة أردوغان وحركة حماس على حساب العلاقة بين أنقرة وسلطة محمود عباس وهو ما يجعل تركيا طرفا غير حيادي حتى في العلاقات بين الفلسطينيين أنفسهم. وهو ما انعكس في إمساك مصر بزمام المبادرة في المصالحة بين حماس وفتح وفي القاهرة بعدما كان الأتراك يقومون بهذا الدور سابقا بمفردهم أو بالشراكة مع مصر. 6- إن واحدا من أهم أسباب تراجع دور تركيا في القضية الفلسطينية أنها باتت أكثر أطلسية في سياساتها الإقليمية مع تعاظم دور تركيا في الحلف ولاسيَّما في مواجهة روسيا وإيران وسوريا، واستفادة “إسرائيل” الكاملة من نظام الدرع الصاروخي في تركيا وهو ما يجعل الاندفاع التركي للاضطلاع بدور عملي ضد المصالح الإسرائيلية ولصالح القضية الفلسطينية مقيدا بالقيود والضغوط الغربية، الأمريكية تحديدا.

الشرق، الدوحة، 17/2/2013

مقالات ذات صلة