ثقافة وفن

محمد نبيل || واجهتني صعوبات كثيرة في صمت الزنازين

يختم ثلاثيه الوثائقية بعمل يتمحور حول استغلال المرأة واستعبادها

 أكادير: سعاد العطار

على هامش مشاركته في المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بأكادير (فيدا دوك) بفيلمه الجديد “صمت الزنازين” قال المخرج المغربي المقيم في ألمانيا إنه انتظر سنتين من أجل الحصول على ترخيص تصوير مدته أسبوع واحد فقط، لإنجاز ثاني أفلامه الذي يندرج في إطار مشروعه الوثائقي حول المرأة.

وأكد نبيل في حوار خص به “بيت الفن” أنه يعمل حاليا على استكمال ثلاثية عن المٍرأة بدأها بـ”جواهر الحزن” عن الأمهات العازبات، ثم “صمت الزنازين” عن النساء السجينات، وسيختمها بفيلم جديد عن موضوع مؤلم يتعلق باستغلال المرأة واستعبادها، وهو موضوع شائك يؤرق الجميع.

في فيلمك الجديد “صمت الزنازين” كما في أغلب أعمالك تناولت موضوع المرأة، خصوصا تلك التي تعيش وضعية صعبة أو على الهامش “الأم العازبة، السجينة…” لماذا هذا الاختيار؟

اختياري لموضوع المرأة يعود لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، فبحكم أنني عشت طفولتي ونشأت في بيت نسائي يجمع (الأخوات العمة والجدة والأم…).

لقد كنت أرافق جدتي وعمتي كثيرا إلى الأماكن العمومية الحديقة وغيرها، وكنت دائما أحس أن هذه المرافقة مثيرة بالنسبة لي لأن النساء كن دائما يتحدثن عن الأسرار عن الرجل عن الهوامش دون أن ينتبهن إلي بحكم أنني كنت طفلا صغيرا لا يتعدى عمري الأربع سنوات، ولاعتقادهن أنني طفل لا يفهم، لكنني كنت أنتبه إلى ما كن يسردنه بإمعان لأن قصصهن كانت تثيرني وتشدني بغرابتها. ومع الوقت زاد اهتمامي بتلك الحكايات العجيبة، وما زلت أتذكر لحظات دخولي إلى الحمام التقليدي النسائي ككل طفل لا يتعدى عمره الخامسة، بعد ذلك وأثناء التحاقي بالمدرسة بدأت استمتع بقراءة القصة والرواية إلى أن نلت شهادة البكالوريا، والتحقت بالجامعة واخترت شعبة الفلسفة تخصص علم الاجتماع (سوسيولوجيا)، وبدأت مسيرة البحث العلمي في موضوع الجنس في المجتمع المغربي، خصوصا الجانب الذي يتعلق بالمرأة، وهذه كلها أسباب ذاتية.

بعد ذلك تأتي الأسباب الموضوعية، وهي أن سؤال المرأة أعتبره أساسيا لأنني أنشغل به، فكيف يمكن للمرأة أن تعبر عن نفسها؟ ولماذا المرأة بالتحديد؟ ولفهم ما يروج في المجتمع المغربي وفي الهامش يجب التوجه إلى المرأة لأنها الحلقة الأضعف في النسيج المجتمعي.

من خلال جينريك “صمت الزنازين” يلاحظ أن هناك عدة جهات ساهمت في إنتاج الفيلم، كما يلاحظ أن جل التقنيين الذين شاركوا في الفيلم من جنسيات أجنبية، رغم أن الفيلم مغربي، صورت كل مشاهده بالمغرب، هلا حدثنا عن ظروف الإنتاج وأسباب عملك مع طاقم أجنبي، رغم أن المغرب يتوفر على تقنيين أكفاء؟

بالإضافة إلى عملي مخرجا للأفلام أسست شركة إنتاج خاصة سنة 2010 أطلقت عليها اسم “ميا براديز بروديكسيون” وهي التي أنتجت من خلالها كل أفلامي، وبما أن عملية الإنتاج صعبة ومعقدة فإنني أبحث دائما عن داعمين، وبحكم إقامتي في ألمانيا فإن معظم الداعمين من هذا البلد، وبالتالي فإن مسألة اختيار التقنيين ترتبط أساسا بظروف الإنتاج، رغم أن العمل مصور بالكامل في المغرب.

ومع ذلك فإنني استعملت موسيقى عربية لموسيقي سوري، وأنا أرحب بالعمل مع أي طاقم تقني سواء مغربي أو أجنبي، رغم أنني ألفت العمل مع ألمان لهم نفس التطلعات التي لدي ما يضمن نجاح العمل وتصويره في أحسن الظروف.

بحكم إقامتك في ألمانيا، ما رأيك في المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بأكادير، وكيف تقارنه مع مهرجانات دولية أخرى سبق لك المشاركة فيها؟

المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بأكادير (فيدادوك) في دورته العاشرة مبادرة متميزة لأنها تعيد الاعتبار للفيلم الوثائقي، ومحطة أساسية لفهم السينما الوثائقية ومناقشة هذا النوع من الإبداع السينمائي، كما أنه ملتقى يجمع الكثير من المهنيين والمتخصصين من المغرب والخارج، وأعتبره فرصة للتلاقي مع الجمهور أولا، وهذا شيء أساسي بالنسبة إلي لأنني حين ألتقي مع الجمهور أتعلم وأستفيد أكثر وأرى عملي المقبل.

المهرجان يتيح أيضا فرصة اللقاء بالتقنيين والمهنيين وربط علاقات تفاعل مبنية على الإفادة والاستفادة.

(فيدا دوك) ملتقى جميل جدا وهو لا يختلف عن باقي المهرجانات الدولية الموجودة في جل دول العالم، صحيح أن هناك مهرجانات كبيرة وأخرى متوسطة وصغيرة، لكن أي مهرجان كيفما كان نوعه يعمل على تقديم الأفضل في حدود إمكاناته وظروف تنظيمه. وما يحسب لهذا المهرجان هو أنه فتح نافذة كبيرة من أكادير على العالم.

 كيف ترى مستقبل السينما الوثائقية، خصوصا أن عرض الأفلام يقتصر فقط على المهرجانات وبعض القنوات التلفزيونية المتخصصة؟

الفيلم الوثائقي أولا هو عمل سينمائي فيه بعد موضوعاتي وبعد جمالي وبعد فني، فهو يساهم في تغيير العقليات والمجتمع بطريقة فنية، كما يساهم في طرح السؤال. لكن هذا لا يمكن أن يكون إلا إذا تم عرضه سواء في المهرجانات أو في القنوات التلفزيونية المتخصصة، فهناك  العديد من القنوات  العالمية والأوربية، خصوصا الألمانية، تهتم بهذا النوع من الأفلام بمختلف أجناسه، وتعطيه قيمته التي يستحقها، وفي المغرب ما زال الفيلم الوثائقي ثقافة متواضعة جدا، فعلى مستوى التلفزيون هناك تعامل محتشم، وهذا الأمر يحتاج إلى رؤية وخطة وإستراتيجية فنية وإعلامية كبرى، ترى أن الفيلم الوثائقي أساسي لنقل هموم المواطن والواقع بطريقة فنية إلى بيته عبر الشاشة الصغيرة، فلا بد للتلفزيون المغربي من إعادة النظر في رؤيته الحالية، والانفتاح على موضوع المرأة وعلى الطاقات الواعدة سواء داخل المغرب أو خارجه، فالفيلم الوثائقي يمكنه أن يقدم الكثير.

 هل اعترضتك صعوبات في الحصول على تراخيص التصوير، خصوصا أن معظم مشاهد الفيلم صورت داخل أسوار السجن وخلف قضبان الزنازين، وكيف أقنعت السجينات السابقات على الظهور بوجوه مكشوفة، خاصة أن معظمهن أدلين بشهادات صادمة؟

انتظرت سنتين من أجل الحصول على ترخيص تصوير مدته أسبوع واحد فقط، لقد كان الأمر صعبا جدا، انتقلت أكثر من مرة إلى إدارة السجون بالرباط، والتقيت مسؤولين كبار من بينهم المندوب السامي لإدارة السجون آنذاك، لقد كان الأمر مرهقا بالنسبة إلي، خصوصا أنني كنت أتحمل أعباء السفر من ألمانيا إلى الرباط في كل زيارة، ورغم ذلك فإن اللقاءات كانت مفيدة.

ومما أخر عملية التصوير تغيير المندوب السامي لإدارة السجون، فبعدما حصلت على موافقة شفهية من المندوب السابق مولاي حفيظ بن هاشم، فوجئت بتعويضه بالمندوب الحالي محمد صالح التامك، ما اضطرني إلى إعادة جمع الوثائق المطلوبة للمرة الثانية، إذن كانت صعوبات كثيرة للحصول على الترخيص.

نسقت أيضا، مع مؤسسة الحسن الثاني لإعادة إدماج السجناء، ومجلس الجالية المغربية بالخارج الذي يدعمنا دائما، وبهذه المناسبة أشكر المجلس على دعمه لفيلمي الذي هو عمل مغربي من أجل المغرب.

وبعد الحصول على الترخيص واجهتنا صعوبات كثيرة أثناء التصوير، بسبب تدخل إدارة السجون في اختيار السجينات اللواتي ظهرن في الفيلم، لقد كنت أود اختيارهن بنفسي، ومع ذلك تفهمت الظروف، وكنت مقتنعا جدا بما قمت به رغم الإكراهات.

أما بخصوص المشاهد التي صورت خارج السجن بوجوه مكشوفة، فقد كانت هناك تعاقدات مع سجينات سابقات، تم اختيارهن بعد عملية كاستينغ، لقد كان الاتفاق واضحا وشفافا منذ البداية على أن تكون الوجوه مكشوفة وهي مسالة مهمة سواء بالنسبة لي أو بالنسبة للسجينات اللواتي كن في حاجة إلى التعبير عن أنفسهن، رغم تحفظات التلفزيون المغربي.

هناك من اعتبر الفيلم مسيء للمغرب وللمرأة المغربية، خصوصا أنه قدم نماذج من نساء قاتلات ومتاجرات في المخذرات، ما رأيك في ذلك؟

بالعكس “صمت الزنازين” يقدم صورة إيجابية عن المغرب، فهناك مخرج مغربي يقدم فيلما عن السجن بالمغرب بطريقة نقدية، وهذا فيه صورة إيجابية في كل أنحاء العالم عن المغرب كبلد حداثي منفتح يسمح بدخول الكاميرا إلى السجن.

فانا كمخرج لا أنقل سوى الواقع، رغم قتامته، عبر صور سينمائية من شأنها أن تطرح تساؤلات نقدية تساهم في التغيير وتطوير وضعية السجون بالمغرب بصورة إيجابية.

ما هو جديد محمد نبيل ؟

أشتغل على ثلاثية عن المٍرأة بدأتها بـ”جواهر الحزن” عن الأمهات العازبات، ثم “صمت الزنازين” عن النساء السجينات، وسأختمها بفيلم جديد عن موضوع مؤلم يتعلق باستغلال المرأة واستعبادها، وهو موضوع شائك يؤرق الجميع.

محمد نبيل

مقالات ذات صلة