المقالات

دردشة مع شاب عربي مسلم في أوسلو

دردشة مع شاب عربي مسلم في أوسلو

دردشة مع شاب عربي مسلم في أوسلو

بقلم نضال حمد

أولا وقبل البدء بحديثي هذا عن دردشة حصلت يوم أمس الاثنين الموافق 10-6-2013 في أوسلو بيني وبين شاب مغرر به ومضلل كما هو حال الكثير من شبابنا العربي والمسلم في هذه الأيام. أريد القول أن اللقاء حصل بمحض الصدفة في مطعم عربي اعتاد ارتياده. وأن محدثي شاب في مقتبل العمر، شاب عربي أوصله وعائلته أعداء الأمة الى النرويج حيث يعيش لاجئا خارج وطنه. الشاب الصغير السن على ما يبدو ضللته الدعايات المغرضة والشعارات المذهبية والطائفية، مع انه ليس متدينا ولا متشددا بل يعيش حياة بعيدة عن الدين تماما. إذن هو برأيي ضحية من ضحايا الخريطة الإسلامية والعربية في هذا الزمن الذي تجتاح فيه الفتنة الطائفية والمذهبية بلاد العرب والمسلمين. وتجتاح أيضا أبناء العروبة والإسلام حيثما كانوا وأينما تواجدوا. وهذا الشيء نراه ونسمعه ونقرأه كل يوم في الإنترنت وفي حياتنا اليومية. شيء فظيع ومفجع ومروع .. هل نحن وهؤلاء فعلا جئنا من نسل خير أمة أنجبت للناس؟

الآن الى صلب الموضوع

قبل أيام نشرت وسائل الإعلام النرويجية خبرا مفاده أن شابا نرويجيا من أصل جزائري قتل في المعارك الدائرة في منطقة ادلب بين المعارضة المسلحة السورية والجيش العربي السوري. قرأت في الخبر أيضا بعض ماقاله أصدقاء الشاب من المقيمين هنا في النرويج والذين فضلوا ان لا يتم ذكر أسماءهم. كما ان جريدة “فيغه” الشعبية اليومية النرويجية واسعة الانتشار نشرت للشاب صورا وهو يحمل السلاح في مناطق سورية. وقامت بإخفاء الوجه. وأضافت ان الشاب بحسب أصدقائه لم يكن من الجهاديين لكنه ذهب الى سورية لنصرة الشعب السوري في قتاله ضد النظام السوري الذي وصفه بالمجرم والقاتل. وقمت بنشر الخبر في موقع الصفصاف الذي أديره مكتفيا بما جاء في الخبر النرويجي وبالصور التي نشرت بالجريدة النرويجية.

لكن الموضوع كله بقي عالقا في راسي ولم أنساه وبقيت أفكر به، وسالت نفسي ان كنت اعرف هذا الشاب ام لا، وان كنت ولو بالصدفة التقيت به هنا في أوسلو في النشاطات الكثيرة التي أقيمت بالنرويج والتي تخص قضايانا العربية وبالذات القضية الفلسطينية. كما فكرت أيضا وسالت نفسي: كيف لهذا الشاب الذي لا علاقة له بالحركات الجهادية الإسلامية كما انه ليس سوريا ولا يوجد له أهل ولا أقارب هناك قتلوا على يد جيش النظام أو لجان الدفاع التابعة له، أن يقرر السفر للقتال في سورية او للجهاد بحسب معتقد الآخرين. هذا الأمر شغلني لأنه مؤشر خطير على ما وصلت إليه الأمور بين شبابنا العربي والمسلم في كل الدنيا.

شاءت الصدف يوم أمس ان التقي بأحد الشباب العرب الذين اعرفهم وهو شاب في مقتبل العمر. ومن حديث الى آخر قال لي هذا الشاب ان صديقا له استشهد في سورية.

سألته: هل هو الشاب الذي يقال انه من أصل جزائري؟

فأجاب فورا نعم انه هو وأنت تعرفه لأنك رأيته معي، والتقيت به عدة مرات هنا في أوسلو. وكنا نرتاد هذا المكان لتناول المأكولات الشعبية العربية مثل الفلافل والشاورما والحمص ..وكان هذا الشاب أيضا يشارك في المسيرات والتظاهرات المناصرة للقضية الفلسطينية. وقال لي اسمه .. لم استطع تذكر الاسم فسألته ان كان يملك صورة للشاب فأجاب بالإيجاب وقدم لي هاتفه النقال حيث شاهدت مجموعة من الصور للشاب وهو يحمل السلاح في سورية. وصورا له بعد مصرعه في ادلب. عرفت الشاب عندما رايت صورته، وتذكرته شابا هادئا، وسيما ومرحا .. وتعجبت من تحوله السريع من حياة الشباب العادية في أوروبا الى حياة التدين والانخراط في المعركة خاصة أنها معركة ليست مع الأعداء إنما مع الأشقاء. طبعا كلامي هذا لم يرق لمحدثي الذي فاجأني بسيل من الشعارات المذهبية والطائفية ضد طائفة معينة ومذهب ديني معين في سورية.

وعندما طلبت منه أن يشرح لي أكثر عن الشاب الراحل قام بسرد بعض المعلومات على مسامعي، معلومات تحتوي بحسب رأيه على بطولات هذا الشاب الجزائري في سورية وكيف انه قبل مصرعه استطاع قتل 12 سوريا. لا ادري ان كانوا جنودا او من الوحدات شبه النظامية او غير ذلك. وأضاف ان عزاؤه برحيل صديقه يبقى في انه قبل مصرعه استطاع قتل هذا الكم من السوريين. بعد ذلك شرح لي كيف كان الشاب الجزائري على تواصل مع الاصدقاء عبر خدمة “الفايبر” بالهاتف النقال، وتواصل كذلك مع أصدقائه هنا في النرويج، حتى انه في إحدى الهجمات على حاجز للجيش السوري في منطقة ادلب تمكن من ان يتواصل معهم أثناء الهجوم مباشرة لينقل لهم على مدار ثلاث ساعات ونصف وقائع المعركة، ومشاهد من عملية مهاجمة الحاجز، وعملية قتل مجموعة من الجنود السوريين، الذين قال محدثي عنهم أنهم كفرة وان زميله قال له ان رائحتهم نتنة بالرغم من عدم مرور حتى دقائق وساعات على قتلهم. بينما رائحة المجاهدين القتلى تبقى عطرة.

أضاف محدثي ان زوجة هذا الشاب مازالت هناك تحمل السلاح وتقاتل وشاهدت صورة لها وهي تودع زوجها القتيل. وان هناك أيضا بعض من المتطوعين من الشباب العرب في سورية يقاتلون بحسب رأيه الكفرة من “العلويين” و”الشيعة” ومن “حزب الشياطين”. طبعا كنت مذهولا لما اسمع خاصة من شاب يفترض ان يكون عدوه فقط الاحتلال الصهيوني، لأنه لم يكن في يوم من الأيام من المتدينين المتشددين أو من الملتزمين جهاديا او حتى دينيا بل على العكس تماما.

قلت له الشيعة والعلويين ليسوا كفارا.. حزب الله الذي تسميه حزب الشياطين هو الوحيد بين العرب والمسلمين الذي هزم الكيان الصهيوني. وان لنا عدو واحد هو الكيان الصهيوني الذي يحتل ارض فلسطين. وان علماء الفقه والمسلمين لم يكفروا الشيعة ولا العلويين باستثناء فتوى الشيخ القرضاوي مؤخرا والتي هي فتوى لأسباب سياسية. ونتيجة انقلاب ميزان القوى في المعركة الدائرة في سورية لغير مصلحة أعداء سورية سواء في السعودية وتركيا والغرب والصهاينة وأولهم قطر الدولة التي تدير القرضاوي وتستضيفه وتوفر له كل وسائل البقاء والدعاية المضادة لوحدة المسلمين.

لم يعجبه كلامي واحتج عليه وأصر على أن المعركة بين السنة والشيعة وعلى انه يجب القضاء على “العلويين” و”حزب الشياطين” من صغيرهم حتى كبيرهم. وعندما سألته ان كان هناك في القرآن والسنة ما يكفر هؤلاء لم يعثر على جواب غير فتاوى الوهابيين والقرضاوي.

السؤال الذي يقلقني فعلا من هي الجهة التي تزرع هذا الحقد في رؤوس الشباب صغار السن وترسلهم للقتل وللموت أيضا في سبيل فتنة بين المسلمين لا يستفيد منها إلا أعدائهم وبالمقام الأول أعداء العروبة وفلسطين في الكيان الصهيوني. وهذا السؤال سيبقى يحضرني دائما خاصة ان الشاب الجزائري صديق محدثي الذي قتل في سورية لم يكن جهاديا ولا متدينا بل على العكس تماما. فأجابني محدثي بان الله مَنّ عليه بالتوبة قبل ثلاثة أشهر وانه قام ببيع كل شيء يملكه وتوجه للجهاد في سورية.

مما زاد من ألمي وغضبي وحزني على أبناء امتنا ان هناك شيخا من مشايخ المسلمين في أوسلو يحرض في خطب الجمعة علنا على حزب الله والشيعة والعلويين ويصفهم بالشياطين والكافرين. هذا الكلام نقله لي يوم السبت الفائت احد الأصدقاء المغاربة الذي يريد معرفة الحقيقة السورية. والذي كان يحدثني ويناقشني بموضوع سورية وهو متأثر قليلا بهذه الأوصاف التي سمعها في خطبة الجمعة.

يجب أن لا نضحك على أنفسنا وان نعترف أننا أمام معضلة هي اكبر واخطر معضلة تواجه المسلمين أينما كانوا. لقد نجح أعداء قضية فلسطين ووحدة الأمة العربية وأعداء الوحدة الإسلامية في شق صفوف المسلمين وزرع الفتنة بينهم بقوة. وكل ما نسمعه ونراه ونقرأه في مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر وغيرهم، وحتى في اللقاءات اليومية مع من نعرفهم من الناس العاديين يؤكد ذلك بدون أدنى شك.

طبعا هناك أيضا كثير من التعليقات التي تهاجم أهل السنة و الجماعات الإسلامية المسلحة وتصفهم أيضا بأبشع الأوصاف. واعتقد انه كان من الخطأ أن يحتفل أنصار حزب الله بشكل استعراضي في الضاحية الجنوبية بعد تحرير مدينة القصير وريفها من المعارضة السورية. مما استدعى ابتهاجا آخرا للأسف حصل في مخيم عين الحلوة حيث احتفلت الجماعات الإسلامية السنية المتشددة بسقوط مئات العناصر من الحزب بين قتيل وجريح في معركة القصير. حصل ذلك في ظل أخبار تحدثت عن اعتقال ومقتل عناصر من حركة حماس في معركة ريف القصير وترافق أيضا مع شريط بث إخباري متواصل في قناة الأقصى التابعة لحركة حماس مليء بالحقد والشعارات المذهبية والطائفية..

من يتحمل مسؤولية هذه الفتنة ؟

سؤال يبقى قائما وبرسم أهل السنة وأهل الشيعة من المسلمين الذين بحسب علمي كلهم ينطقون بالشهادتين.

* مدير موقع الصفصاف

مقالات ذات صلة