المقالات

قبل ان تقطعوا لقمة العيش عن الفلسطينيين في لبنان .. اليكم هذه الحقائق

محمد يوسف – 17/7/2019

بداية سأستهل مقالتي بإحصائية لموقع  World Population Review المعني بتصنيف درجات العنصرية حول العالم ، فكما هو الحال في العام المنصرم  حافظت لبنان هذا العام أيضاً على تصنيفها كثاني أكثر دولة عنصرية في العالم بعد الهند. لا يخفى على أحد من المتابعين للشأن اللبناني الكم الكبير من الخلافات والتناحرات  بين التيارات والاحزاب اللبنانية  المختلفة و التي تقريباً لم تتفق على شيء منذ استقلال لبنان كما تتفق اليوم على التنكيل بالفلسطينيين.

المحور الرئيسي الذي أود التحدث عنه هنا هو قانون تنظيم العمالة الأجنبية الذي صدر مؤخراً والذي يلزم العمالة الأجنبية بإصدار تراخيص عمل و يعمد إلى ملاحقة اللاجئين الفلسطينين في لبنان في أماكن عملهم وتغريم مشغليهم و أرباب عملهم وكذلك إقفال مؤسسات يملكها فلسطينين ، حيث بدأن هذه الحملة فعلاً في الشمال اللبناني وستمتد إلى كافة الأراضي اللبنانية.

دعوني قبل التطرق إلى الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينينون في لبنان إلى أن اشير إلى مساهمة الفلسطينيين في الاقتصاد اللبناني ، لا يخفى على أحد أهمية الفلسطينيين ودورهم في المساهمة ببناء وازدهار ​الاقتصاد اللبناني​ على مدى العقود الماضية، حيث كانوا اليد العاملة الرئيسية في مجالات البناء والاعمار والزراعة والصناعة التجارة، وان كثيرا من منهم ساهموا في النهضة العمرانية في المدن اللبنانية، ناهيك عن مداخليهم المالية التي يجري صرفها في لبنان سواء للعاملين فيه او المغتربين الذين يرسلون شهريا اموالا الى ذويهم واقاربهم لمساعدتهم على العيش بكرامة في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة.

“فقط الفلسطينيون المقيمين في الأمارات يضخون مليون دولار يومياً في الاقتصاد اللبناني وهنا سأستشهد بدراسة تحليلية قامت بها المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان شاهد تشرح بالأرقام مساهمة الفلسطينيين اللبنانيين المقيمين في الامارات في الاقتصاد اللبناني “

العلاقات الاقتصادية بين الفلسطينيين من حملة الوثائق اللبنانية في دولة الإمارات العربية المتحدة ولبنان تقوم عبر القطاعات التالية:

تحويلات الفلسطينيين إلى ذويهم في لبنان : يقدر عدد الأشخاص المنتجين والذين يحولون جزءا من دخلهم شهرياً إلى لبنان بحوالي 35000 شخص، بمعدل 2000 درهم شهرياً، وبذلك تكون تحويلاتهم سنوياً: 35000 شخص × 2000 درهم شهرياً × 12 شهرا = 840 مليون درهم.

التعليم الجامعي : يقدر عدد الطلاب الفلسطينيين في الجامعات اللبنانية بحوالي 2000 طالب جامعي كمعدل سنوي.. ويكلف كل منهم حوالي 12000 دولار سنوياً. 2000 طالب × 12000 دولار × 3.68 = 88.32 مليون درهم.

العقـــارات : يقدر عدد الشقق التي يمكلها فلسطينيو لبنان خلال 48 عاماً بحوالي 25000 شقة ثمن الواحدة بمتوسـط 40000 دولار فيصبـح المجمـوع مليـار دولار (1.000.000.000 دولار).

وإذا أخذنا نسبة ضئيلة لصيانة هذه العقارات سنوياً (3%) يصبح ما يصرف على الصيانة: 3% × 1.000.000.000 دولار × 3.68 درهم = 110.400 مليون درهم.

البنـــوك : يقدر عدد الفلسطينيين الذين يدخرون أموالا في البنوك اللبنانية بحوالي 30000 شخص بمعدل 35000 درهم = 1050 مليون درهم.

الطيــران : يسافر فلسطينيو لبنان سنوياً على طيران الشرق الأوسط بمعدل 30000 تذكرة – 30000 تذكرة × 1800 درهم = 54 مليون درهم.

الاستـيراد من لبنان: يستورد التجار الفلسطينيون العاملون في الإمارات العربية المتحدة من لبنان إلى الدولة (خضار وفواكه، مصنوعات جلدية، ملابس ونسيج، وصناعات خفيفة) بضائع تقدر سنوياً بحوالي 250 مليون درهم.

تجديد وثائق السفر في سفارة لبنان بالإمارات : يجدد جميع الفلسطينيين من لبنان الموجودين في الإمارات وثائق سفرهم لمدة 5 سنوات وتصل رسوم تجديد الوثيقة الواحدة الي 430 درهم وهذا يعني ان عائدات تجديد الوثائق التي تدخل خزينة الدولة اللبنانية تصل الي 8.6 مليون درهم .

اذن يصل المجموع ســنويا الذي يضخه الفلسطينيون في لبنان الي 1.351.320.000 درهم وهذا المبلغ يعادل حسب سعر الصرف الحالي 368 مليون دولار سنوياً .

هذه الارقام تؤكد أن الفلسطينيين من حملة الوثائق اللبنانية والعاملين في دولة الإمارات العربية المتحدة يضخون يومياً مليون دولار أمريكي في لبنان.. كما ويملك فلسطينيو لبنان عقارات تقدر بمليار دولار ولهم حوالي 1050 مليون درهم في البنوك اللبنانية.. كما ويساعد استثمار البنوك لها بإيجاد فرص عمل للمواطنين اللبنانيين.. والمساهمة في بناء البنية التحتية التي دمرتها الحرب الأهلية.

“إذا بدلاً من أن يكافأ الفلسطينيون على دعمهم للاقتصاد اللبناني والمساهمة بتشغيل وخلق فرص عمل للبنانيين ، يصار إلى ملاحقتهم والتنكيل بهم وطردهم من أماكن عملهم تحت شعار تنظيم العمالة الأجنبية “

تنتهك لبنان حقوق اللاجئين الفلسطينيين بشكل مستمر ومتزايد منذ لجوئهم إليها بعد النكبة الفلسطينية عام 1948 وإلى يومنا هذا، آخر هذه الانتهاكات كان ممثلاً بقانون تنظيم العمالة الأجنبية الأخير و الذي يحرم الفلسطينيين المقيمين في لبنان من ممارسة حقهم في العمل كما هو موضح في الأسفل .

انتهاك حق العمل

وفقاُ للقوانين و المواثيق الدولية يعد الحق في العمل من أهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لضمان مستوى معيشي لائق فهو من الحقوق الاقتصادية، لأنه يؤمّن الفرد ماديا واقتصاديا ويوفر له متطلبات معيشته. وهو من الحقوق الاجتماعية لارتباطه الوثيق بالمجتمع، والحق في العمل يعني الحق في المشاركة في إنتاج وخدمة أنشطة المجتمع الإنساني.

تنص المادة 23 من الميثاق العالمي لحقوق الانسان على مايلي :

  • لكلِّ شخص حقُّ العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة.
  • لجميع الأفراد، دون أيِّ تمييز، الحقُّ في أجٍر متساوٍ على العمل المتساوي.
  • لكلِّ فرد يعمل حقٌّ في مكافأة عادلة ومُرضية تكفل له ولأسرته عيشةً لائقةً بالكرامة البشرية، وتُستكمَل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية.
  • لكلِّ شخص حقُّ إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.

تنتهك الحكومة اللبنانية معظم هذه الحقوق فهي تحرم الفلسطينيين من ممارسة العديد من المهن وتقيد عملهم في قطاعات معينة ، كما تحرم الفلسطينيين من  انشاء النقابات العمالية و المهنية التي تضمن حقوقهم وتمثلهم أمام مؤسسات الدولة اللبنانية، وبإصدار  قانون تنظيم العمالة الأجنبية  الجديد  فقد انتهكت  الحكومة اللبنانية جوهر المادة 23 وهو الحق بالعمل الذي كفلته المواثيق والقوانين الدولية .

حلقة الانتهاك هذه تأتي ضمن مسلسل طويل من الانتهاكات بدأت منذ لجوء الفلسطيني الى لبنان ولا يبدو أنها ستنتهي قريباُ ومن أهم هذه الانتهاكات :

انتهاك حق التملك

لقد استثنى القانون رقم 296 والذي أقره مجلس النواب في 21 آذار 2001 اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من شروط الملكية العقارية المطبقة على سائر الرعايا العرب بذريعة رفض التوطين. ولا يأتي القانون على ذكر الفلسطينيين تحديدا انما اشترط ان لرعايا الدول المعترف بها (من قبل لبنان) الحق بتملك عقارات شرط ان لا تتعارض هذه الملكية مع مبدأ رفض التوطين الذي كرسه الدستور. ولقد كانت الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 296 واضحة جدا باستثناء الفلسطينيين من حق التملك. وجاء نص الفقرة على الشكل التالي:

“لا يجوز تملك أي حق عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها او لأي شخص اذا كان التملك يتعارض مع احكام الدستور لجهة رفض التوطين.”

و يشار هنا الى أن لبنان لم يعترف بالسلطة الفلسطينية الا بعد عام 2005، التى لم ترق الى مستوى دولة ، وبالتالي لم يسمح للفلسطيني بالتملك. ولقد أصاب هذا القرار الفلسطينيين في الصميم، وترك آثارا اقتصادية واجتماعية وسياسية سيئة على الفلسطينيين في لبنان.

ويشكل هذا انتهاكاً صارخاً  للفقرة الأولى من  المادة 17 من الميثاق العالمي لحقوق الانسان والتي نصت على أنه ” لكل فرد الحق بالتملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره

انتهاك الحق في العلاج والاستفادة من الخدمات الطبية

حسب مشروع الخطة الوطنية لحقوق الانسان التي أقرها مجلس النواب اللبناني فإن اللاجئون الفلسطينيون لا يستفيدون  من خدمات المستشفيات الحكومية وأية خدمات صحية أخرى تقدمها وزارة الصحة، إلا في إطار الاتفاقيات الموقعة بين الأونروا ووزارة الصحة، لذلك تبقى الأونروا وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وبعض الجمعيات الأهلية الفلسطينية الهيئات الأساسية المعنية مباشرة بتقديم الخدمات الصحية للفلسطينيين في لبنان.

وهذا يذكرنا بالحادثة الأليمة في العام المنصرم و  التي قضى على أثرها الطفل الفلسطيني “محمد وهبة” البالغ من العمر 3 سنوات بعد رفض مستشفى لبناني استقباله لعدم توفر تكاليف العلاج مما أدى إلى وفاته .

لبنان بذلك تنتهك الفقرة الأولى من المادة 25 للعلان العالمي لحقوق الانسان والتي نصت على مايلي :

” لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.”

كما تنتهك  لبنان المادة 12 من  العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيث تنص على: “حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يُمكن بلوغه”

هناك انتهاكات آخرى لم أعرج عليها تتعلق بحرية التنقل والمسكن وكذلك تشكيل النقابات والمؤسسات المدنية والحديث يطول لكي لا أتجاوز موضوع الدراسة الأساسي وهو  قانون تنظيم العمالة الأجنبية الأخير.

أخيرا المضحك المبكي  أو دعوني أسميه كلام حق أريد به باطل ، ما غرد به الاعلامي الصهيوني ايدي كوهين ليتباهى بالحقوق التي يمنحها كيانه للعمال الفلسطينيين الذين يعملون في الأراضي المحتلة وكيف أن العرب قد تخلوا عن الفلسطينيين في إشارة منه إلى الممارسات الغير قانونية والتضييقات الأخيرة التي فرضت من قبل الحكومة اللبنانية ضد الفلسطينيين.

*محامي وباحث قانوني فلسطيني – ماجستير في القانون الدولي

Mhm.yousef90@gmail.com

مقالات ذات صلة