المقالات

هل هى بداية تراجع حزب أردوغان؟ بعد ربع قرن.. المعارضة التركية تستعيد اسطنبول

خاص بوابة الهدف

مُني حزب العدالة والتنمية الحاكم ورئيسه رجب طيب أردوغان بهزيمة قاسية فى انتخابات الإعادة على رئاسة بلدية اسطنبول التى جرت فى الثالث والعشرين من شهر يونيو -حزيران الماضى.

مرشح المعارضة – أكرم إمام أوغلو – فاز فى الانتخابات بفارق كبير تجاوز 800 ألف صوت على منافسه مرشح العدالة والتنمية – بن على يلدرم – حيث حصل إمام أوغلو على 54% من الاصوات وحصل على يلدرم على 45% من الأصوات.

بالنظر إلى انتخابات اسطنبول سواء من حيث الحملات الانتخابية، أو الضخ الإعلامى الذى رافق الاتتخابات، أو من حيث نتائجها وانعكاساتها على الوضع السياسي فى تركيا ، يمكن القول إن الانتخابات تعدت فى أهميتها كونها انتخابات محلية يتنافس فيها المرشحون على رئاسة بلدية وتحولت إلى ما يشبه الاستفتاء على شعبية الرئيس أردوغان، وإلى معركة سياسية حشد فيها الطرفان المنافسان أردوغان ومعارضيه كل الإمكانيات المتاحة للفوز فى مدينة اسطنبول.

فبالنسبة لأردوغان وحزبه سعيا إلى الفوز فى اسطنبول، لما ثمثله المدينة من أهمية اقتصادية وسياسية ومعنوية؛ فمنها بدا أردوغان حياته السياسية قبل ربع قرن، عندما فاز برئاسة بلديتها، ليتدرج بعدها فى مشواره السياسي وصولًا إلى رئاسة الجمهورية التركية، ولتحقيق هدفه بالفوز فى اسطنبول دفع أردوغان بأهم شخصية داخل حزبه العدالة والتنمية، فبن على يلدرم كان شغل مناصب مهمة وحساسة داخل الدولة التركية، فعمل وزيرًا للمواصلات، ثم رئيسًا للوزراء، ورئيسًا للبرلمان التركى، واستقال من هدا المنصب وترشح لانتخابات اسطنبول.

تعد اسطنبول من أكبر وأهم مدن تركيا، ففيها يعيش 20 % من سكان تركيا، وهى الرافعة الأساسية لاقتصاد تركيا، وصورة مصغرة عن تركيا، ومن يفوز فيها يفوز فى تركيا، كما يردد دائمًا الرئيس أردوغان نفسه.

أما بالنسبة لأحزاب المعارضة شكل فوزها فى مدينة اسطنبول نصرًا كبيرًا فهى نجحت باستعادة المدينة بعد ربع قرن من سيطرة الإسلاميين عليها، ما أعطى للمعارضة دفعة معنوية كبيرة، خاصة أن اسطنبول أضيفت إلى قائمة المدن الأخرى التى فازت فيها المعارضة، وهى من أهم وأكبر مدن تركيا (انقرة -ازمير -انطاليا -مرسين -اضنه –هطاى وغيرها).

إن هذا الفوز أشاع أجواء التفاؤل والثقة بالنفس فى أوساط المعارضة، وخاصة حزب الشعب الجمهورى أكبر أحزاب المعارضة التركية وأنهى مقولة “الحزب الذى لا يهزم”، أى حزب العدالة والتنمية الذى فاز فى كل الانتخابات التى دخلها منذ تأسيسه فى عام 2001 حتى الآن، والأهم أن انتخابات اسطنبول قدمت قائدًا سياسيًا شابًا هو أكرم إمام أوغلو، والذي نجح بجمع كل الطيف السياسي المعارض لأردوغان، من اشتراكيين ويساريين وقوميين ليبراليين وأكراد، على قواسم مشتركة ومبادئ جامعة، كالديمقراطية، والحقوق، والمساواة، واستقلالية القضاء، وعبر استخدام لهجة سياسية هادئة بعيدة عن النهديد والتخوين.

ويرى كثيرون أن إمام أوغلو الذى دخل المشهد السياسي فى تركيا بقوة وبخط سريع، سيكون لاحقًا المنافس الأقوى لأردوغان على منصب رئاسة الجمهورية فى الانتخابات الرئاسية القادمة؛ سواء كانت مبكرة، أو المقررة بعد أربع سنوات. فإمام أوغلو الذى ينتمى إلى حزب الشعب الجمهورى، ذو التوجه العلمانى، ينحدر من أسرة ليبرالية محافظة، ويلقى خطابه المعتدل قبولًا من قبل الإسلاميين وحتى من قبل أنصار أردوغان الذين يرون فى إمام أوغلو نمطًا مختلفًا عن القادة التقليديين لحزب الشعب الجمهورى، الأمر الذى يفتح أمامه الأبواب مشرعة كمنافس قوى على منصب رئاسة الجمهورية، خاصة إذا نجح بتنفيذ وعوده الانتخابية فى بلدية اسطنبول.

تداعيات خسارة اسطنبول:

على الرغم من أن حزب العدالة والتنمية الحاكم ما زال هو الحزب الأقوى والأكبر شعبية فى تركيا، إلا أن تقدم المعارضة فى الانتخابات المحلية وفوزها فى أهم وأكبر مدن تركيا خاصة اسطنبول، قد فتح المجال لنقاش وجدل كبير فى تركيا حول مستقبل الحزب الحاكم ورئيسه أردوغان، وأثارت نتائج الانتخابات جملة من المعطيات أهمها :

  1. خسارة اسطنبول أثارت جدلًا واسعًا داخل صفوف حزب العدالة والتنمية؛ فالأصوات المعارضة لسياسسة أردوغان بدأت تتبلور بشكل علنى وواضح ،فرئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، يسعى حاليًا إلى تشكيل حزب جديد يخرج من رحم العدالة والتنمية، ويبرر داود أوغلو رفيق درب أردوغان سابقًا، ذلك إلى تراجع شعبية العدالة والتنمية، وانتشار الفساد فى صفوفه، وانحرافه عن المبادئ الأساسية التى كان يدافع عنها خلال السنوات الماضية.

أما وزير الاقتصاد السابق -على باباجان- المقرب من رئيس الجمهورية الأسبق -عبد الله غول- فيسعى هو الآخر إلى تشكيل حزب جديد، ويدور الحديث عن دعم كبير يحظى به –باباجان- من عدد كبير من نواب حزب العدالة والتنمية. فهذه التطورات ستضعف إلى درجة كبيرة حزب أدوغان التى يسعى حاليًا إلى لملمة أوضاع حزبه، واستقطاب بعض المعارضين له من الأوساط الإسلامية لقطع الطريق على الحزبين الجديدين اللذان سيتم الإعلان عن تشكيلهما فى الأيام القادمة.

  1. فوز المعارضة دفعها إلى إثارة الصلاحيات الواسعة التى يتمتع بها الرئيس أردوغان بعد التغيرات التى جرت على الدستور التركى العام الماضي، وتم بموجبها تغيير النظام فى تركيا من برلمانى إلى رئاسي، بناء على رغبة أردوغان. واللافت أن بعض المسؤلين الكبار فى حزب العدالة والتنمية بدؤوا يتحدثون علانية عن ضرورة العودة إلى النظام البرلماني، أو إجراء تعديلات على النظام الرئاسي الجديد للحد من الصلاحيات الواسعة التى يتمتع بها أردوغان وجعلته الحاكم المطلق لتركيا.
  2. خسارة أردوغان لاسطنبول وضعت أيضًا أداء حكومته فى مهب الانتقادات، خاصة في المجال الاقتصادي، وموضوع الحريات، وحقوق الإنسان، وحرية الصحافة، والسياسة الخارجية، وموضوع اللاجئين السوريين، الذين يصل عددهم فى تركيا إلى 4 مليون لاجئ، وزادت الأصوات التى تطالب بضرورة إجراء تغيّرات تطال وزراء مثل وزير المالية -صهر اردوغان- ووزير الداخلية، ووزراء آخرين؛ فالحكومة الحالية لم تنجح بتجاوز الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد، وهو ما انعكس على نتائج الانتخابات، وشكل سببًا مهمًا لخسارة حزب العدالة والتنمية.

إذًا، فإن انتخابات اسطنبول فتحت صفحة جديدة أمام أحزاب المعارضة التركية التى أثبتت من خلال تحالفها الواسع وانتهاج استراتيجية انتخابية صحيحة، لامست تطلعات وأمال الناخبيين.

إن الفوز فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، لن يكون صعبًا، فحزب أردوغان الذى وصل القمة، برأي البعض بدأ بالتراجع، ولم يبقَ فى جعبته الكثير مما سيقدمه لتركيا، وأن أجواء التغيير التى بدأت فى اسطنبول ستمتد لاحقًا إلى عموم تركيا.

مقالات ذات صلة