شؤون فلسطينية

نص المقابلة الخاصة التي أجرتها صفحة ” تاريخ وجذور كنعانية “. مع الإعلامي الفلسطيني والناشط السياسي الرفيق وديع أبوهاني

بداية أتشرف بدعوتكم لي للمشاركة بالندوة الحوارية الخاصة التي تنظمها صفحة “تاريخ وجذور كنعانية” والتي تتعلق بالتحديات والمخاطر التي تواجه قضية وحقوق شعبنا الوطنية والقومية وسبل المواجهة الشاملة والمستدامة لإفشال صفقة القرن وقرار الضم ولحماية وانتصار مشروعنا الوطني.

سأحاول بإجابتي أن أحيط بكل الأسئلة المطروحة كمادة للحوار والتفاعل والإغناء ونحن نمر بأخطر المراحل وذروتها من خلال المشاريع التصفوية المطروحة منذ أكثر من قرن.

وبالتحديد منذ مؤتمر بال الصهيوني الأول عام ١٨٩٧ وربما قبل ذلك منذ بناء أول مستوطنة يهودية في بتاح تكفا “ملبس”عام ١٨٨٢. مرورا”بسايكس بيكو 1916ووعد بلفور المشؤوم عام ١٩١٧

وما أدى ذلك من ترجمة لمراحل المشروع الصهيوني في عام ١٩٤٨ وحلول نكبة فلسطي،. ومنذ هزيمة حزيران عام ١٩٦٧ وصولا” لكوارث إتفاقات كمب ديفيد ووادي عربة وأوسلو وملاحقه الأمنية والاقتصادية، ومشاريع التفتيت والشرق الأوسط الجديد إلى موجات التطبيع السافرة. للحظة الحصاد المر المتمثلة بصفقة القرن وقرار الضم ولقانون قيصر. وربما الحبل على الجرار.

أردت أن أقول إن أهداف المخطط الإمبريالي الاستعماري الصهيوني الكولونيالي واحدة وإن تعددت مراحل تطبيق الرؤية التصفوية لتلك المشاريع لأسباب ذاتية أو موضوعية في كل مرحلة من المراح، فالهزيمة التي يشهدها النظام الرسمي العربي والفلسطيني ببرامجه السياسية وأدواته وسياساته هي محصلة لحالة الانهيار والتراجع والهوان الذي أصاب جسم الأمة منذ أكثر من قرن.

وذلك بفعل اختلال موازين القوى العالمية والعربية والمحلية التي اختلت لمصلحة المشروع المعادي ما قبل وبعد إنهيار الاتحاد السوفيتي السابق. وصولا “للتطبيع السافر والوقح الذي يترجم رسميا وعربيا” على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني والسياحي والرياضي والفني. حيث يجري تطبيع شامل على كافة المستويات.

لقد كانت التربة خصبة ورخوة لولادة تلك الاتفاقات ولكل أشكال التطبيع.. هذه الهزائم المتوالدة جاءت رغم حالة الصمود والمقاومة والتضحيات التي قدمتها شعوبنا العربية. وبذلك حولوا أعدل قضية تحرر وطني وعالمي إلى بازارات في المفاوضات والتسويات ولوهم حل الدولتين. وحتى هذه الاتفاقات التي تنصل حتى العدو من تطبيقها رغم رفض قطاعات شعبية فلسطينية وعربية لكل تلك الاتفاقات التصفوية التي حُركت وأستُثمرت بالتسوية بعد حرب تشرين عام ١٩٧٣.

. كل ذلك ساهم بتراجع موقع القضية الفلسطينية وضرب بعرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالحقوق الوطنية وفي مقدمتها القرار ١٩٤

إن الهزائم المتتالية للنظام الرسمي العربي والفلسطيني لاحقا” أسست للأزمة البنيوية العميقة التي تعيشها الحركة الوطنية الفلسطينية،. برأيي الذي هُزم هي البرامج السياسية للقيادة ونهج المفاوضات التي تُوهم البعض بإمكانية تسوية أو حل للصراع مع عدونا العنصري. والمحزن أن القيادة الفلسطينية المتنفذة هي التي نظَّرت و قفزت عن حقائق الصراع وطبيعته .. وهي المسؤولة عن حالة الإستعصاء الوطني دون إستعدادها للإعتراف بأوهام السلام الزائف.

وتم إستبدال المناهج الوطنية وثقافة المقاومة بثقافة “دايتون” والتنسيق الأمني الذي دفعت ثمنه السلطة والمقاومة والشعب. وحولت الصراع التاريخي مع العدو الصهيوني الإستيطاني من كونه صراع وجود ليتحول سقف حلِّه من قبل العدو لمشكلة حل للسكان أو لتحسين ظروف معيشته. أو للبحث عن إزدهار إقتصادي بديلاً عن الحرية والإستقلال والسيادة والعودة والتحرير.

الشعب الفلسطيني لم يُهزم مازال يقاوم. ومازال الصراع موضوعي وإشتباك يومي مفتوح على الهواء والماء وكل مناحي الحياة وعلى الأرض والحقوق الكاملة غير المنقوصة. إذا إعترفنا بالهزيمة وأزمة الحركة الوطنية الفلسطينية علينا تحليل الأسباب التاريخية التي أدت إليها,

وهذا يتطلب عقل جماعي وطني. ومراجعة نقدية وعميقة وشاملة لأسباب الهزيمة. والعمل على بناء و توفير الإرادة السياسية القادرة على إستشراف رؤية موحدة وتأصيل للصراع يؤسس لها من هو في الميدان وفي مواقع المواجهة على إمتداد وطننا التاريخي فلسطين من النهر إلى البحر. لمن ضحوا من شهداء وجرحى وأسرى. لمن لم يساوموا. هنا تحضرني مقولة غسان كنفاني..)إذا فشل المدافعين عن القضية’ علينا تغيير المدافعين لا تغيير القضية). وعلى الشعب الفلسطيني وقواه الحية، والشباب في المقدمة وفي الميدان،أن يقولوا كلمتهم الفصل. في القرار والمشاركة بالقيادة لإستعادة الرواية الفلسطينية التحررية وتحفيز الروح الوطنية بديلاً عن النزاعات الحزبية والفئوية التي سادت منذ عقود. وغيب فيها كل ما هو ديمقراطي بحياتنا الحزبية والوطنية وفي داخل المجتمع الفلسطيني ومؤسساته، ونقاباته، واتحاداته. ليتحول نظامنا السياسي الفلسطيني إلى أشبه بالنظام الرسمي العربي.

إستعادة وهج الثورة ومرحلة التحرر الوطني وكل أشكال الكفاح هي أسلحة شعبنا في المراجعة والمقاومة شريطة توفر الوحدة الوطنية والتحالفات المناصرة لحقوقنا. والوضوح السياسي الذي يميز بين معسكر الأصدقاء والأعداء. هذه هي شروط المراجعة من أجل الأهداف التي قضى في سبيلها ألاف الشهداء ومن أجلها يقبع ألاف الأسرى خلف القضبان

. هل يمكننا إعادة الإعتبار للاءات قمة الخرطوم عام ١٩٦٩ لا صلح – لا تفاوض – لإ اعتراف

. الحركة الوطنية التحررية الفلسطينية ستبقى المهماز والمحرك لإعادة عقارب الساعة للوراء من أجل صنع المستقبل والنصر لشعبنا. لإستعادة الزمن الجميل. )زمن الفدائي الفلسطيني والعربي والأممي الجميل. (حين ذلك نطمئن أن القضية الفلسطينية إستعادت وهجها كحركة تحرر عربية وعالمية. كقضية عادلة ونبيلة في مواجهة النظامين العنصريين في أمريكا والابرتهايد الصهيوني في فلسطين.

* حول طبيعة الصراع في المنطقة هل هو صراع سياسي أم ديني ؟ وهل الدين عامل في الصراع العربي الصهيوني ؟

عرف العالم عبر التاريخ أنواع من الصراعات والحروب الدينية بغية تحقيق أهداف سياسية أو إستعمارية أو دينية على حد سواء. وقد جرى توظيف الدين في مثل تلك الصراعات ومنها الحروب الصليبية

. وفي الوقت الحاضر وظف المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية الدين غطاء” لحروبهم في المنطقة في عهد بوش الأب والابن في العراق وأفغانستان وغيرها، في محاولة من المسيحية المتصهينة في الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” في محاولة للقول إنهم ينفذون إرادة إلهية

. من وجهة نظري أنا وفي حال صراعنا الوطني والقومي والأممي منذ قرن علينا أن لا نتبنى مثل هذه المقولات. ويجب أن نحذر منها ومن أهدافها.. سواء كانت محاولات تسييس للدين أو محاولات تديين للسياسة. لأن من شأن تديين الصراع في العالم ومنطقتنا كصراع ديني حضاري يفضي إلى حروب وتدمير للإنسان والعالم لتبرير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” ومن وراء ذلك إعلان الحرب على الاسلام وبإسم الاسلام وذلك لتحقيق أهداف خبيثة (مثال أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١).

أول الأهداف الخبيثة تبرير الصراع الديني في المنطقة والذي ستستفيد منه “إسرائيل” للاعتراف بيهودية الدولة اليهودية بفلسطين مما يفتح الباب للترانسفير وللوطن البديل وتفريغ مناطق شعبنا في عام ١٩٤٨.وصولاً لقرار الضم ليهودا والسامرة والقدس والأغوار.

وبذلك يبررون الحروب الجارية التفتيتية باسم المذاهب والطوائف والإثنيات والأقليات لتمزيع النسيج الإجتماعي لجسد الأمة. لذلك حذار من الإنجرار وراء هذه المقولات و الحروب الدينية أو زج الدين في هذه الحروب خاصة الوطنية التحررية والقومية. فالمستفيد الأول والأخير الصهيونية المسيحية والمحافظين الجدد زعماء ويمين الجمهوريين الذين يبررون مجازرهم وحروبهم في الدفاع عن المسيحية اليهودية في مقابل الاسلام الديني وإرهابهم.

إن محاولة حرف الصراع عن أسبابه الحقيقية بكونها حرب تحرر وطني في مواجهة عدو إستيطاني عنصري أدى إلى طرد شعب بأكمله من أرضه عام ١٩٤٨. وخلق قضية اللاجئين الفلسطينيين التي هي أصل الصراع ومفتاح الحل. أما جوهر السؤال لكيفية توظيف الدين وعناصر القوة والحلفاء والأصدقاء لقضايانا الفلسطينية والعربية. يهمني الإشارة بأنه ليس بالضرورة كل وطني هو مسلم. وليس كل مسلم هو وطني. قد يكون الوطني الذي يدعم الحقوق الوطنية مسلماً أو مسيحياً وربما يهودياً تقدمياً مثل منظمة الفهود السود “الماتسبن” والكثير من اليهود العرب الذين يقفون ضد قيام وممارسات دولة الإحتلال.

. لذلك من واجبنا تحشيد مناصرة المقدسات الفلسطينية سواء كانت مسيحية أو إسلامية والعمل على إحترام المعتقدات أياً كان معتنقيها. لأننا معنيين بتحشيد الملايين من العرب لصالح قضية العرب المركزية فلسطين، لأن المشروع الصهيوني يستهدف حاضر وثروات وسيادة وأراضي ومستقبل الأمة.

علينا أيضاً بنفس القوة تحشيد الدعم للقدس بأبعادها الحضارية من خلال المؤتمرات الإسلامية ومؤتمرات القمم العربية والمؤتمر الاسلامي ومنظمات العالم الإسلامي. رغم إدراكنا أن الكثير من دول و حُماة الاسلام والمسلمين من السعودية إلى تركيا تعترف بإسرائيل وتقيم التحالفات وتطبع مع من يحتل القدس وما تمثله من رمزية للمسلمين والمسيحيين.

إن توظيف الدين والهلوكست تخدم الدعاية الصهيونية وحلفائها لتبرير الصراع الديني من أجل إقامة الدولة اليهودية على كامل فلسطين. والتبرير للهلوكست الصهيوني الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني من ضحايا الهلوكست الغربي الذي ارتكب ضد اليهود ويرتكب يومياً ضدنا كشعب.

لذلك نحن نقاتل من أجل قضية عادلة ومظلومية وندافع عن قضية نبيلة وعن هوية وكيانية وطنية، نقاوم ونضحي من أجل حقنا بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس وبحق اللاجئين بالعودة وبتقرير المصير. وهذا حق طبيعي وتاريخي وقانوني تمنحنا إياه وتدعمه قرارات الشرعية الدولية وشرعة حقوق الإنسان والقانون الدولي. نحن نريد إعلاء قيمة المواطنة في فلسطين. وبناء الوطن التاريخي المحرر في فلسطين العلمانية الديمقراطية في مجتمع عادل يعيش فيه الجميع من يهود وعرب بمساواه. ولن يتأتى ذلك إلا بإلحاق الهزيمة بالمشروع الصهيوني وإنهاء معاناة اليهود أنفسهم وطي صفحة هذا الصراع الدامي بعودة الأرض والحقوق لأصحابها الأصليين الشرعيين.

* هل مازالت القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية ؟

لربما الأدق هل مازال التناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني وداعميه هو التناقض الرئيس أم أستُبدل هذا التناقض التناحري مع العدو بتناقضات ثانوية مع دول الجوار.

لا شك بأن القضية الفلسطينية هي قضية الشعوب العربية وشرفائها ولم تكن يوماً قضية النظام الرسمي العربي الذي تآمر على القضية منذ سايكس بيكو وحتى وعد بلفور مروراً بتسليم جيش الإنقاذ فلسطين في نكبة عام ١٩٤٨ ، وهو المسؤول عن الهزائم المتلاحقة من حزيران ١٩٦٧ من نظامه الرسمي لجامعته العربية.

المفارقة النوعية أن ننتقل من لاءات قمة الخرطوم أيام الراحل جمال عبد الناصر عام ١٩٦٩ لا صلح – لا تفاوض – لا إعتراف إلى حالة الهوان في القمم العربية المتلاحقة وصولاً لقمة بيروت في أذار عام ٢٠٠٢ التي مهدت الطريق للتطبيع قبل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة في فلسطين ولبنان والجولان وسيناء .

هذه القمة التي ساومت على قضية اللاجئين وحقهم بالعودة إلى طرح مشاريع حلول (حل متفق عليه لقضية اللاجئين). وفتحت هذه القمة التي عُقدت في بيروت الشهية للتطبيع العلني والسافر مع عدو الأمة. وطُرحت مشاريع وحلول بديلة لحق العودة للاجئين الفلسطينيين لديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها عام ١٩٤٨ عملاً بالقرار الأممي رقم ١٩٤.

اليوم بعض الدول العربية الوازنة يصعدون العداء لدول الجوار ويغلبون التناقضات الثانوية معها، ويمدون جسور التطبيع والصلح والتحالف مع أعداء الأمة والشعب الفلسطيني. ويناصبون العداء لقوى محور المقاومة على إمتداد مساحة الأمة من قوى وأحزاب ودول.

ورغم السياسة الرسمية العربية وتحالفاتها التي تقدم المصالح على حساب المبادئ والحقوق العربية تبقي شعوبنا العربية المقيدة إرادتها والمصادر قرارها بوصلتها فلسطين

حيث مازالت شعوبنا تناصر فلسطين ويُرفع العلم الفلسطيني وتصدح حناجرهم المؤيدة لكفاح ومقاومة الشعب الفلسطيني في غالبية الشوارع العربية. فالنظام الرسمي العربي صادر ومازال يصادر الإرادة الشعبية العربية ويقمعها ويحتجز تطور البلدان العربية ويفرط بسيادتها ومصالحها وأمنها القومي .. وما يجري في الشوارع العربية من حراك وهبات وإحتجاجات وثورات وطنية ما زالت تؤشر بوصلة هذه الشعوب العربية إلى فلسطين كقضية مركزية للأمة رغم معاناتهم من أنظمة الإستبداد والقمع الذي يرزخ تحته المواطن العربي, فالحرية والكرامة والديمقراطية أوجه لمعارك لا تتجزأ للتحرر والتحرير .. لتحرير الإرادة العربية التي تعرف طريقها وعدوها جيداً.

* أما حول موقع القضية الفلسطينية على الصعيد العالمي ؟

عندما يتخلى أصحاب القضية عن قضيتهم أو يتراجع الاهتمام بها فلا تصبح على جدول أعمال العالم وتفكير وإهتمام الرأي العام والمجتمع الدولي. كافة القرارات الدولية المؤيدة لحقوق ونضالات الشعب الفلسطيني أُخذت في ظل ميزان قوى عالمي مائل لصالح حركات التحرر العالمية سواء كانت في أفريقيا أو في أسيا أو في منطقتنا العربية وخاصة لصالح ودعم القضية الفلسطينية. فكانت المنظومة الإشتراكية وحلف وارسو ودول عدم الإنحياز.

. كانت مقاومة الشعب الفلسطيني وبرنامجه الوطني التحرري حاضراً في الميدان من خلال الوحدة الوطنية المتمسكة بالميثاق الوطني القومي الفلسطيني. وفي ظل المد الوطني والقومي حتى التسعينات من القرن الماضي. فكانت الثورة الفلسطينية موئل الثوريين والأمميين. وكان الحضور العالمي لفلسطين في الذروة في ظل ميزان قوى داخلي فلسطيني وعربي قومي داعم، ودول إشتراكية تناصر وتقدم كل أشكال الدعم السياسي والعسكري والمالي في المحافل الدولية. فكانت مخالب وأنياب الثورة بالمرصاد لمن تسول له نفسه التطاول على الشعب وثورته ومناضليه.

في ظل التراجع العام للمعسكر الصديق وضبابية الرؤية وعمى الالوان عند البعض منا ومنهم من هو بموقع القيادة، وفي ظل التقدم الذي حققه المشروع الامبريالي الصهيوني الرجعي بدأت تتراجع مكانة القضية الفلسطينية لدرجة أن توسم المقاومة للمحتل بالإرهاب.

. ويجري شطب عدد من القرارات الدولية الداعمة للحقوق الوطنية غير قابلة للتصرف ،والتي تدين الكيان الغاصب. وأبرزها إلغاء قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية. ووصل الأمر إلى إستبدال المظلة الدولية للحل من خلال مؤتمر دولي للسلام ينفذ قرارات الشرعية الدولية إلى اللجنة الرباعية الدولية والعربية التي تفاوض وتساوم على القرارات الدولية. ليجري إستبدال الشرعية الدولية أو توظيف الأمم المتحدة .

وتُفرض الإرادة الأمريكية الإسرائيلية من خلال عشرات من قرارات الفيتو الأمريكي لتعطيل الإدانة للممارسات الصهيونية بحق الأرض والشعب. ووصلت حالة الهوان إلى تراجع مكانة وتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في المحافل الدولية. فعالم اليوم مشدود لمنطق القوة وليس لقوة المنطق والقانون الدولي ولشرعة حقوق الإنسان.

لكل تلك الأسباب من المتغيرات والتحولات تراجعت مكانة القضية الفلسطينية وبسبب تمدد المشروع الأخر المعادي الذي يحقق إنجازات على أكثر من صعيد وساحة من ميادين الصراع الدولي يصل الأمر اليوم لدرجة ملاحقة لجان المقاطعة BDS الداعمة القضية الفلسطينية والتي تدعو لمحاصرة الإحتلال ومحاسبة مجرمية. ويلاحق المحتوى الوطني الفلسطيني في مواقع التواصل الإجتماعي .. وتصل مدايات تأثير اللوبي الصهيوني وأذرعه لمطاردة وتصفية رموز مقاومة وحالات ثقافية مناصرة للقضية الفلسطينية ولكفاح ومقاومة الشعب الفلسطيني.

. كل ذلك يتكئ على حالة الهوان والتراجع التي يشهدها النظام الرسمي العربي بدءً من جامعته العربية وسياساتها لحد التطبيع الفاجر على مرأى العالم والمواطن العربي .. وهنا لابد من تذكير العالم وأنفسنا إلى أنه أشتُرط قبول إسرائيل في الأمم المتحدة عام ١٩٤٨ بأن تعترف وتنفذ قراري مجلس الأمن الدولي. القرار(١٨١) والقرار (194) وحتى هذه اللحظة تتهرب إسرائيل من هو أدنى قيمة قانونية من تلك القرارات الدولية .

هل نستطيع نحن الفلسطينيين والعرب أن نطرح مجدداً الطعن بعدم شرعية الكيان الغاصب، وسحب الاعتراف بها. ليس فقط من باب إحتلالها للأرض العربية وتشريد شعوب عربية من أراضيهم، بل من الزاوية القانونية أيضاً بسبب تهرب إسرائيل من تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بقبولها في النادي الدولي ولأنها وكونها مازالت مصدر قلق وعدم إستقرار للسلم العالمي بسبب حروبها وإحتلالاتها وممارساتها العنصرية في فلسطين ولبنان والجولان ورعايتها ودعمها لإرهاب الدولة المنظم. فهناك علاقة جدلية بين مكانة القضية الفلسطينية تراجعاً أو تقدماً بفعل دورنا وفاعليتنا الكفاحية على أكثر من صعيد.

* العلاقات الوطنية والبينية بين قوى وفصائل العمل الوطني الفلسطيني. أسباب الصراعات والانقسامات في المشهد الفلسطيني الراهن وسبل تجاوز الأزمة الوطنية الحادة والسائدة. وسبل المواجهة للمخاطر المحدقة بالمشروع الوطني الفلسطيني المتمثل بصفقة ترامب نتنياهو(صفقة العار/صفقة القرن). ولقرار الضم ولقانون قيصر.

يجب أن نعترف بأنه لم تُبنى وحدة وطنية حقيقية تاريخياً تتطابق فيها البرامج السياسية وتتناغم فيها القرارات الوطنية منذ إنطلاقة الثورة الفلسطينية ولم تكن هناك شراكة ديمقراطية حقيقية في القيادة والقرار.

لقد كنا في عز الثورة والمد الوطني أمام قواسم مشتركة تشكل حالة إجماع وطني بحده الأدنى، أو أحياناً نكون في حالة تعايش ومساكنة سياسية. يحكمنا الخلاف في مرحلة التحرر الوطني وفي ظروفنا قانون الوحدة والصراع في العلاقات الوطنية. وكانت المقاومة والمواجهة في الميدان تغطي على مشهد الخلاف والإختلاف في مرحلة المد الوطني والتي كانت تنخفض أو تعلو عندما يتعلق الأمر بمشاريع سياسية تصفوية يتم التسويق لها أو مغازلتها ونتيجة التعاطي معها مثل إتفاق عمان عام ١٩٨٥ إلى مشاريع عربية ودولية سابقة مثل مشاريع ريغن وفاس وفهد ومرحلة الخلاف الحاد بعد الخروج من بيروت عام ١٩٨٢ والموقف من مشروع فيليب حبيب وتشتيت قوات الثورة ولحظة الاقتتال الدموي بين أجنحة فتح عام ١٩٨٣ وصولاً لمحطتين نوعيتين في الخلاف والانقسام الفلسطيني. محطة الولوج لأوسلو والرهان على التسوية والمفاوضات حياة وتعديل والغاء مواد في الدستور والميثاق الوطني والقومي الفلسطيني في مؤتمر غزة عام ١٩٩٦ بحضور كلنتون وبموافقة الراحل عرفات. إلى محطة الانقسام والحسم العسكري في غزة عام ٢٠٠٧ والذي أدى للانقسام الجغرافي والسياسي على الأرض الفلسطينية وفي عموم الوطن.

هذا الانقسام المدمر الذي لم نشفى من جراحه العميقة حتى الآن رغم كل الاتفاقات الوطنية التي أبرمت لإستعادة الوحدة الوطنية منذ إتفاق وتفاهمات القاهرة ووثيقة الأسرى عامي ٢٠٠٥ و ٢٠٠٦ وحتى الأن. حيث نواجه إستراتيجيتين واحدة تقودها حماس السلطة في غزة والثانية تقودها فتح السلطة في الضفة. وفي غياب بديل ثالث لليسار المشتت غير الموحد حتى الآن، وغياب ضغط شعبي يجبر طرفي الانقسام للإستجابة لنداء الوحدة وإنهاء الانقسام.

مشروعين مدعومين إقليميا وإمتداداً لتحالفات إقليمية وعربية لا تقدم وتغلب المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني . الواقع فإن المواطن الفلسطيني سأم بعد كل هذه السنوات العجاف لم يعد يصدق طرفي الانقسام، لأن كل طرف ما زال متمسك بمشروعه وإستراتيجيته. مشروع باسم المقاومة في غزة يقيم سلطة ومستعد لتنفيذ شروط الرباعية والبقاء في السلطة حتى لو على حساب برنامجه وتمسكه بخيار المقاومة. وهناك المشروع الأخر الذي ما زال يتمسك بخيار وأوهام التسوية بعدما وصلت التسوية والاتفاقات مع العدو الصهيوني إلى طريق مسدود. إذا كان من الاستحالة حتى الأن تنازل كل من طرفي الانقسام عن إستراتيجيته للدفاع عن مصالحه ولبقائه في السلطة التي ترزح تحت الاحتلال سواء في غزة أو الضفة.

فهل من خيار وتغليب للحكمة والمصالح الوطنية بتوفير القواسم المشتركة لمواجهة المخاطر المحدقة بالقضية والشعب والحقوق

. اذا تعذرت وحدة وطنية في الرؤية والمواجهة والقيادة الموحدة. فلنبحث على الأقل عن تنسيق ووحدة في الميدان وبناء الركائز السياسية والتنظيمية والكفاحية لإفشال مشاريع التصفية الجارية للقضية . وفي المقدمة منها مشروع ترامب نتنياهو (صفقة العار. (وقرار الضم للقدس والأغوار ومحاولات شطب قضية وحقوق اللاجئين.

بدون خيار الوحدة والمقاومة كاستراتيجية يصعب الحديث عن انتفاضة ثالثة أو مواجهة شاملة وجدية ناجعة. وهذا يتم من خلال المراجعة الوطنية الشاملة لما آلت إليه الساحة الفلسطينية وبعقل جماعي وجمعي لما بعد مرحلة الخروج من بيروت وبعد هذا الحصاد المر لاتفاقيات أوسلو وملاحقه التي دفعنا فيها أثمان باهظة من تنازلات ورهانات بائسة. وبدون تنفيذ الاتفاقات الوطنية وقرارات الإجماع الوطني وخاصة القرارات المتعلقة بالعلاقة مع الاحتلال وفك الارتباط والتنسيق الأمني والاقتصادي معه

. فإن الحديث عن مواجهة جدية للمخاطر هو هراء وللاستهلاك ولتبادل التهم ولحفظ ماء الوجه وتغطية للجرائم التي ترتكب يومياً بحق المقدسات والحقوق.

. بدون دمقرطة للمجتمع الفلسطيني ومؤسساته وفسح المجال أمام الشباب وما يمثلون وإشراكهم بالقيادة والقرار فإن الرهان على أي تغيير هو تضليل وتخدير وإطالة في أمد الانقسام وتعطيل للمواجهة الحقيقية والجدية للمشروع الصهيوني الذي يتمدد ويطبع ليلاً نهاراً.

الشعب الفلسطيني رغم معاناته لم ييأس ولم ولن يستسلم. وها هم في ساحات المواجهة في القدس والضفة وغزة وخلف القضبان وفي مناطق ٤٨ وفي المهاجر والشتات، وإن كان منسوب المواجهة مازال متواضع حتى الآن في ظل الانقسام الوطني. فإنه مرشح بتعزيز الزخم الشعبي والشبابي والمشاركة الواسعة وتوفير القيادة الوطنية المؤمنة والنظيفة والمضحية وممارسة كافة أشكال النضال عبر برنامج موحد للمواجهة نستعيد من خلالها الوحدة السياسية لشطري الوطن. لإعادة تأصيل للصراع مع العدو كمرحلة تحرر وطني نعيشها ويمر بها النضال الفلسطيني.

إن الأزمة الوطنية الشاملة والتي ترافقت مع تفشي مظاهر للفساد والمحسوبيات والهدر للمال العام وهمشت الكفاءات والتي إمتدت وإستطالت وتعمقت.. تتطلب إعادة بناء للنظام السياسي الفلسطيني بشكل ديمقراطي وإستعادة مكانة ووظيفة ودور منظمة التحرير الفلسطينية كائتلاف وطني عريض وتعزيز التمثيل الموحد وتحرير الإرادة الكفاحية للمنظمة والشعب وإجراء إنتخابات وطنية شاملة. وما يتطلبه ذلك من إعادة تقييم لدور ووظيفة السلطة من أن تكون وكيل أمني تحت الاحتلال وللتنسيق الأمني إلى ذراع لمنظمة التحرير تدير شؤون المواطنين وتدافع عن المقاومين وتبني إقتصاد وطني مقاوم وغير تابع.

هذه هي خطوط وسبل المواجهة والمراجعة من وجهة نظري. فصراعنا مع الإحتلال كان وسيبقى صراع وجود لا تحله اتفاقات وتسويات وأوهام لحلول واتفاقات تنصل العدو من تطبيقها بعد أكثر من ربع قرن على توقيعها . سواء ما تعلق منها بقضايا المرحلة الانتقالية أو بقضايا الحل الدائم .

وديع أبو هاني

إعلامي فلسطيني11/7/2020

مقالات ذات صلة