المقالات

تبادل أم تنازل؟

تبادل أم تنازل؟

عبد الزهرة الركابي

رغم الترحيب الرسمي من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بمساعي إحياء عملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة، فإنّ بعض الفصائل الفلسطينية يشكك في إمكان إحداث اختراق جدي في هذا الملف، حيث دعا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال لقائه وفداً يمثل اللجنة الوزارية لمبادرة السلام العربية والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في واشنطن في الفترة الأخيرة، إلى إحياء عملية السلام المجمدة بين “إسرائيل” والفلسطينيين. وكان رئيس الوفد العربي قال، إن الاتفاق يجب أن يقوم على أساس حل الدولتين، وعلى أساس خط الرابع من يونيو/حزيران 1967، مع احتمال إجراء مبادلة طفيفة متفق عليها ومتماثلة للأرض، كما أن وزير الخارجية في السلطة الفلسطينية رياض المالكي الذي كان ضمن الوفد العربي الزائر إلى واشنطن قد صرح بالقول، قبلنا مبدأ تبادل الأراضي منذ زمن طويل شرط أن يكون محدوداً جداً، لكن مسألة تعديل المبادرة العربية ليست من مهمات الوفد، وأضاف: “المبادرة العربية أُقرت في مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، ومؤتمر القمة وحده الجهة المخولة إجراء تعديلات عليها”.

من الواضح أن مقترح تعديل المبادرة العربية والمتعلق بتبادل الأراضي، لقي ردوداً متباينة بين الفلسطينيين، فمنهم من رفض هذا (المبدأ) جملة وتفصيلاً، كما هو موقف حركة حماس الذي تمثل في تصريحات خالد مشعل وإسماعيل هنية الذي قال في هذا الصدد، “نرفض المبادرة العربية التي توافق على تبادل أراض مع الاحتلال الإسرائيلي”، مضيفاً “الموقف العربي الجديد تنازل مرفوض ويشجع الاحتلال على استمرار الاستيطان، وإننا نحمّل أنفسنا جزءًا من المسؤولية لأن قيادة السلطة الفلسطينية أول من شرّع تبادل الأراضي”.

وكان اللافت في ردود الأفعال هذه، هو الموقف الرمادي للسلطة الفلسطينية الذي جاء على سياق (بين وبين)، حسبما ورد في تصريح الوزير الفلسطيني الآنف الذكر، وقد تعزز هذا السياق أكثر فأكثر في تصريح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي قال: “إن أية تعديلات طفيفة مقترحة لحل الدولتين على حدود العام 1967 ستدرس خلال المفاوضات حول تنفيذ رؤية حل الدولتين”.

واللافت أيضاً هو أن بعض المواقف الصادرة عن مسؤولي حركة فتح، جاءت متقدمة في الوضوح والتفاصيل عن موقف السلطة الرسمي، وهذا ما أفصحت عنه تصريحات عضو اللجنة المركزية نبيل شعث الذي قال بشكل حاسم، إن الجانب الفلسطيني “لا يمكن أن يقبل تبادل أراض في القدس وفي الحدود مع الأردن”، في حين قال عضو اللجنة المركزية للحركة محمد أشتية، إن معركتنا على القدس هي بالسنتيمتر وليس بالدونم، لذلك هذا الأمر يجب أن نتوقف عنده كثيراً، رافضاً في الوقت نفسه كل إعلان صدر في واشنطن يفضي الى قبوله تبادل الأراضي، جازماً في الحديث عن أن تبادل الأراضي يعتبر أمراً سابقاً لأوانه، ويجب أن يكون نتيجة مفاوضات وليس سلفة يقدمها العرب نيابة عن الفلسطينيين.

وفي الجانب الآخر، فإن مسؤولي الدولة الصهيونية وفي مقدمهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، راحوا يزايدون في الرفض للتعديل المقترح على المبادرة العربية، بل وإدارة الدفة إلى جهة أخرى عندما قال الأخير، إن أصل النزاع مع الفلسطينيين ليس على الأراضي بل على وجود إسرائيل كدولة يهودية”، بحسب ما نقل عنه مسؤول حكومي.

وكانت مصادر إسرائيلية قد كشفت النقاب، عن أن نتنياهو، والمستشارين المحيطين به، يخشون أنْ يقوم وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بتبني إعلان وفد الجامعة العربية والقاضي بتجديد المبادرة العربية وموافقة العرب على تبادل الأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين ضمن الحل النهائي للصراع العربي – الإسرائيلي.

مهما يكن، فعلى الجانب الفلسطيني أن يتمسك بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 شرطاً لتحقيق السلام، وإن كانت هناك حاجة إلى بعض التعديلات الطفيفة على الحدود، فإن هذا الأمر يجب أن يكون متبادلاً بالقيمة والمثل والنوع: أي سنتيمتر يعطى يجب أن يؤخذ مقابله سنتميتر آخر، وهناك خشية من أن تستخدم “إسرائيل” مطلب تبادل الأراضي من أجل ضم الكتل الاستيطانية، وأن تعتبر الكتل الاستيطانية جزءاً من المبادرة العربية، والحقيقة هي أن “إسرائيل” يجب أن تكون الطرف الذي يُطلب منه تقديم خطوات من أجل استئناف المفاوضات وليس العرب، مشيرة إلى أن تواصل الاستيطان هو الذي يعيق المسيرة السلمية.

إن الوفد العربي الذي زار واشنطن مؤخراً، حمل مقترحاً مفاده، تعديل المبادرة العربية بشأن مبادلة الأراضي مع الدولة الصهيونية، على الرغم من أن هذه المبادرة باتت ميتة منذ زمن بعيد .

الخليج، الشارقة، 12/5/2013

مقالات ذات صلة