المقالات

لماذا تحاصر السلطة؟ التفكيك أم الإعادة للأردن!

لماذا تحاصر السلطة؟ التفكيك أم الإعادة للأردن!

محمد ياغي

لا يوجد شك بأن المتغيرات السياسية في المنطقة العربية قد فرضت نفسها على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. استلام التيار الإسلامي للحكم في مصر، واقتراب وصوله من حكم سورية، دفع أطرافاً دولية مؤثرة لإدارة ظهرها كلياً لعملية السلام في الشرق الأوسط. والأهم أن هذه الأطراف قد طلبت من المانحين “عرباً وعجماً” التوقف عن دعم السلطة مالياً، وهو ما تسبب في الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها السلطة حالياً، والتي قد تؤدي، من جملة أسباب أخرى، إلى انهيارها.

للبعض، هذا الحصار المالي استهدف منع السلطة من التوجه للأمم المتحدة للحصول على صفة المراقب.. ولهذا البعض أيضاً، الحصار يستهدف الضغط على السلطة للعودة للمفاوضات دون شروط. لكني أعتقد بأن سبب هذا الحصار هو المتغيرات التي تحدث في الإقليم. إن كان لا بد من تسوية سياسية، في حسابات إسرائيل، فلماذا تكون مع السلطة في رام الله، أو ليس من الأفضل أن تكون هذه التسوية مع “حماس”، طالما أن الإقليم يميل لصالحها؟

دققوا في تصريحات منسوبة لرئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو، قال فيها قبل أيام ثلاثة إن “سقوط السلطة الفلسطينية في رام الله وارد،” وأن “كل ذي عقل يستطيع استبصار حالة سقوط السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية على غرار ما يجري في سورية الآن.” مضيفاً بأن “حركة حماس قد تسيطر على أراضي السلطة الفلسطينية إما قبل التوصل إلى تسوية سياسية معها (مع السلطة) أو بعدها”. وبالنتيجة يقول نتنياهو إنه “يجب انتهاج نهج المسؤولية والعقلانية إزاء السلطة الفلسطينية في رام الله بخلاف الأصوات الداعية إلى الهرولة والتنازل والانسحاب وذلك لتلافي خطر قيام قاعدة إرهابية إيرانية ثالثة في المنطقة بعد ما حدث في لبنان وغزة”.

نتنياهو على قناعة بأن “حماس” ستستلم السلطة.. حديثه عن احتمال استلام “حماس” للسلطة بعد التسوية هو من باب الادعاء بأنه على استعداد للتوصل لتسوية مع السلطة في رام الله، لكن ممارساته على الأرض تؤكد عكس ما يقوله. دع عنك ادعاءه بأن هنالك خطر قيام قاعدة إرهابية إيرانية جديدة في الضفة، فهو أكثر من غيره يعلم بأن “حماس” قطعت علاقتها مع إيران وموجودة الآن في خندق الحلفاء الجدد الذين يريدون التهدئة مع إسرائيل، ولو مؤقتاً.. ثم إذا كانت مخاوفه “حقيقية”، فلماذا يحاصر السلطة ويحجب عنها الأموال، ويمهد لانهيارها.

ما هو مهم في تصريحاته بأنه يمهد لفكرة قبول سيطرة “حماس” على الضفة كإحدى الحقائق التي على إسرائيل التعامل معها، والتسوية تأتي بعد سيطرة “حماس” على الضفة، لا قبلها. الحصار المالي العربي يأتي ضمن هذه الرؤية أيضاً. وربما من أجل التسريع باستبدال سلطة “فتح” بسلطة “حماس”، وبعدها رعاية مفاوضات، غير مباشرة، لإيجاد تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

معالم هذه التسوية في حسابات إسرائيل، وأظن بأن التيار الإسلامي، لا يعترض عليها، هي في عودة الضفة الغربية للأردن. لهذا كان هنالك لقاء بين ملك الأردن ونتنياهو قبل أسبوع، نقلت بعض الصحف عنه، أن اللقاء تطرق لعلاقة كونفدرالية بين الضفة والأردن.

هذا حل مريح لأطراف عديدة. لإسرائيل أولاً التي تريد أكبر جزء من أرض الضفة ولكن بدون فلسطينيين عليها.. وهذا الحل بديل إسرائيلي لفكرة الدولتين- حيث الدولة الفلسطينية المقطعة الأوصال لا مقومات اقتصادية تمكنها من البقاء وهي تبعاً لذلك مصدر أزمات دائمة لإسرائيل لا يجب السماح بها.. وهو حل أيضاً في صلب عقيدة الليكود السياسية التي يرى في الأردن دولة للفلسطينيين.

وهو حل مريح للإسلاميين الذين استلموا السلطة قبل أشهر أو في طريقهم لها بعد أشهر. مصر تحتاج إلى سنوات عديدة، إن بدأت اليوم وإن بدأت بطريقة صحيحة، حتى تتغلب على الإرث المأساوي من الفقر والأمية والتخلف العلمي والارتباطات الأمنية الدولية، الذي تركه لها حكم مبارك.

وسورية، إن استلمها الإسلاميون ستكون قريبه من ليبيا.. ميليشيات مسلحة تتنازع على السلطة، وسيدخل التيار الإسلامي المعتدل، الإخوان المسلمون السوريون، كما حالهم الآن، في لعبة دولية هدفها تمكينهم من الحكم وفرض سيادتهم على كامل تراب سورية، وهي لعبة لها أثمانها السياسية.. والموقف من إسرائيل سواء من مسألة الجولان، أو من التسوية في الضفة سيكون حاضراً خلال “لعبة التمكين” هذه.

الإسلاميون في الأردن لا يعترضون على هذا الحل.. إلى اليوم يرفض الإسلاميون قرار فك الارتباط بين الأردن والضفة الذي اتخذه ملك الأردن العام 1988، وهم يرون بأن قرار فك الوحدة بين الضفتين غير دستوري، وأن الضفة يجب أن تعود أولاً للأردن، وأن تجرى فيها انتخابات برلمانية، ثم يجتمع البرلمان الموحد، ليقرر فك الارتباط من عدمه، وهو ما يعني صراحة، بأنهم يؤمنون بأن الضفة هي جزء من الأردن.

موقف الأردن الرسمي العلني ضد الفكرة، بحسب تصريحات وزارة الخارجية الأردنية مؤخراً.. لكن هذا الموقف مرشح للتغيّر لسببين: الأردن يعاني من ديون وصلت الى 24 مليار دولار، وهو عرضة لضغط سياسي لن يكون بإمكانه تحمله في حالة رفضه للمشروع.. والنظام الأردني ثانياً يعاني من تفسخ في قاعدته الاجتماعية بين الأردنيين الأصليين، تحديداً في جنوب الأردن، ومن مصلحته بناء قاعدة اجتماعية داعمة له وسط الفلسطينيين. التيار الإسلامي الأردني الذي يحظى بدعم جمهور عريض من الفلسطينيين، لا يمانع في دعم النظام الأردني إن حصل على جزء من السلطة السياسية- مثلاً، رئاسة وزراء وانتخابات برلمانية حقيقية على الطريقة المغربية.

يبقى موقف “حماس” وموقف “فتح” من المشروع.. الأولى ترى المتغيرات في الإقليم لصالحها.. وتراهن تبعاً لذلك على الزمن.. هي لن تتنازل مباشرة، ولن تقوم بتوقيع اتفاقيات مباشرة.. “حماس” و “التيار الإسلامي” عموماً، كما قلنا مرات عديدة، يرثون الاتفاقيات ولا يوقعونها لأسباب أيديولوجية صرفة لا علاقة لها بالسياسة، وبعد وراثتها، يمكن لهذه الاتفاقيات أن تعيش عقوداً إلى أن يغير الله من حال “الأمة.” ضمن هذا الفهم، “حماس” لن تقف فعلياً ضد هذا التوجه، ولن تسعى لإحباطه.

“فتح” وعلى الرغم من نهضتها المفاجئة في غزة، إلا أنها في وضع لا يمكنها من إحباط المشروع.. أقصى ما يمكنها الذهاب إليه هو حل السلطة.. ويبدو أن ذلك في ظل الحصار المالي والسياسي الحالي، هو رغبة عربية ودولية للتمهيد للمشروع الإسرائيلي- عودة الضفة.. أو أجزاء منها إلى الأردن.

السبيل، عمّان، 4/1/2013

مقالات ذات صلة