أرشيف المنتدى

الربيع العربي بين التشاؤم والتفاؤل ..!

الربيع العربي بين التشاؤم والتفاؤل

هل ما زال مُبكرا َالحديث عن ما يسمى بالربيع العربي من زاوية الربح والخسارة وإنعكاساته ألأيجابية والسلبية على المنطقة العربية والقضية الفلسطينية بشكل خاص .. !، قد يقول المتفائلون بنتائجه الأيجابية بأنه ليس بعد .. ، وأنا أميل لذلك .. ، ولكن ليس من زاويتهم التفاؤلية .. ، بل من منطلق تشاؤمي .. ! فحقائق المأساة لن نرى صداها وتتكشف معالمها إلا بعد مرور أكثر من خمس سنوات على إنطلاقة هذا الربيع الذي لُون بكل ألألوان ما عدى لونه ألأخضر .. !

أقول صحيح .. لم يحن الوقت بعد .. ، ولكن لن يُضير الربيع العربي ومتفائلوه أن نشير إلى بعض الحقائق والثوابت التي ترسّخت داخل العقول حول ما يجري أمام الكواليس ومن خلفها على الساحة العربية . وإليكم الحكاية على شكل مشاهد .

المشهد التونسي :

لقد حمل المشهد التونسي ملامح إيجابية لا بد من ألأشارة إليها .. ، وهي رحيل دكتاتور صنعته السياسة الغربية ..، دكتاتور كان حريصا ً على مظهرملابسه ألأنيقة أكثر من حرصه على سياسة الوطن ومعاناة المواطن في شتى المجالات . لذلك كان رحيله أملا وفرجا للمواطن التونسي .. وإنتكاسة لسياسة الدكتاتوريات الغربية ، وإنتفاضة على تراكمات الفقر والمهانة التي كان يعيشها المواطن التونسي . ورغم ذلك .. لم يُحدث رحيله قلقا َ كبيرا ُ لدى صُناع القرار في السياسات الغربية نتيجة لعدم إلتصاق تونس جغرافيا ً بمحور الصراع العربي الأسرائيلي ، ولبعدها عن منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط والموارد الطبيعية التي يسعى الغرب بشتى الوسائل لضمان إستقرارها .

والمتتبع لللأحداث في تونس يلاحظ قدرة رموز اتباع النظام السابق على إمتصاص زخم التغيير وتجميده عند حالة الرحيل لبن علي .. وترويض الشارع التونسي ليتعايش ما تبقى من رموز النظام السابق وكأنهم جزءٌ من الثورة ..! ، وبالتالي تجميد حلم الثورة الأقتصادي ورفع المعانات .. ليفسح المجال أمام صراعات حزبية متعددة تلهث خلف كرسي الحكم .. وما مهرجان ألأنتخابات الحالية .. وتدخلات الغرب فيها إلا دليل على نجاح سياسة ألألتفاف التي مورست من قبل بقايا النظام وحلفائهم في الخارج لضبط نهج الثورة وتدجينه . وخلاصة القول في المشهد التونسي ..، أن الثورة التونسية لم تُغير من الواقع التونسي ألذي عانى ولا يزال يعاني منه المواطن التونسي ولم تستطع أن تنجح في تغيير الوجه السياسي المترهل للدولةالتونسية .. أللهم غيررحيل الرئيس بن علي وإستبداله بوجه آخر . والله يرحمك يا بو العزيزي .. !

المشهد المصري :

لا شك أن الثورة المصرية أحدثت زلزالا ً وقلقا َ كبيرا ً في الدوائر الغربية الحليفة لنظام حسني مبارك .. بالمقابل أحدثت إنتعاشا َ وإنعتاقا ً من حالة الجمود الفكري ألأنهزامي ألذي سعى لتأسيسه نظام حسني مبارك داخل الشارع المصري والعربي بشكل عام .. ، ولا شك كذلك أن الثورة المصرية لها أنعكاساتها الواضحة سلبا وً وإيجابا ً على كل القضايا العربية والدولية .. لما تشكله مصر من ثقل سياسي وثقافي قادرعلى أن يرسم ملامح الحلم المصري والعربي في التأسيس لبناء المستقبل العربي الديمقراطي .. ، لذلك.. تجمهرت العقول والأنظار العربية والدولية بإتجاه ما ستؤل إليه الحالة المصرية من نتائج . وما أن تمت إزاحت الرئيس حسني مبارك عن الحكم .. حتى هرعت كل الأطراف السياسية الداخلية والخارجية لتصنع لها موطئ قدم في الملعب السياسي المصري القادم . مع ألأخذ بعين ألأعتبار الضغوط التي تشكلها إلأرتباطات السابقة لكل من تونس ومصر .. ، كما ذكرها الكاتب ألأسلامي المعروف فهمي هويدي في آخر مقالة له .. ” إن فرنسا حاضرة بقوة في تونس كما أن الولايات المتحدة لها حضورها المماثل في مصر”، بالأضافة إلى الرغبة الغربية المتوارثة في التدخل بشؤون مصر الدول العربية .. ، كل هذا سيوضح لنا حجم المواجهات ألقادمة بين الثورة المصرية وبين الكم الهائل من التبعية السياسية والأقتصادية الذي خلّفها نظام حسني مبارك ،

ولكن أين يكمن التفاؤل والتشاؤم في الحالة المصرية !؟ . ولكي نكون منصفين ، لا توجد هناك مؤشرات للتفاؤل نستطيع ألأستناد إليها سوى ما نضعه من طموحات وآمال على ثقافة الوعي التي تتحلى بها نخبة كبيرة من المثقفين المصرييّن التي تقود ألآن حركة التغيير معتمدة ً على مساندة الشارع المصري لها ..!. أما التشاؤم فحدث ولا حرج .

– لا يزال بقايا النظام السابق يتحكمون بالقرارت المصيرية الأقتصادية والسياسية التي ترسم التوجه العام لمصر ..

– لا تزال التحالفات السياسية الدولية التي رسمها نظام حسني مبارك هي التي تقود لعبة الديمقراطية ..

– لا تزال العلاقات الطائفية المتوترة بين المسلمين والأقباط تطفو على سطح المشهد ألأجتماعي المصري .. إذا لم نقل أنها قد زادت حدتها ..

– لا تزالت كثير من الرموز السياسية والأقصادية للنظام السابق بعيدة عن المسألة والمحاسبة .. ! إن نظام حسني مبارك ليس جمال وعلا وحبيب العدلي .. ! أين أبو الغيط والبقية ..!؟ .

– لا تزال القضية الفلسطينية تعيش أزمة الحصار على غزة .. وعدم فك الحصار نهائيا ً يؤكد أن نظام مبارك وسياساته الذي إشترك في جريمة الحصار لا يزال قائما وإن إختلفت ألأسماء والوجوه .. !

– لا تزال مصر كما هي .. وكأن الرئيس حسني مبارك قد قضى نحبه بحادث سير أو نتيجة إجراء عملية حراحية له في أحد المستشفيات الطبية .. أو أصيب بخرف العمر كما أصيب الحبيب بورقيبة في نهاية حكمه .. وليس بفعل الثورة .. !.

هكذا نرى ألأمور تسير في مصر .. رغم ما نأمله بصدق للثورة المصرية في الثبات والنجاح ..

المشهد الليبي :

لا أرى في المشهد الليبي غير ثلاثة أمور.. وكلها تدعو للتشاؤم .

ألأمر ألأول .. قتل معمر القذافي من قبل خلف الناتو بأيدي ليبية .. ، وهذا سيخلق حربا َ قبلية ثأرية بين أبناء الشعب الليبي ، إذا لم يتداركها العقلاء .. فهي ذاهبة لتصبح العراق بكل مآسيه .. !

ألأمر الثاني .. إحتلال الدول الغربية لليبيا .. لكي يتم تقاسم الثروات الكبيرة الموجودةعلى ألأرض الليبية فيما بينها .. وكعادة المحتل لا يقدم لأصحاب ألأرض سوى ما سيتبقى من فتات مخططاتهم الأستغلالية .. ! وبالتالي بقاء الشعب الليبي داخل متاهة البحث عن العيش الرغيد ..!

ألأمر الثالث .. ما كشفته وثيقة كُتبت باللغة العبرية .. تضمنت في مقدمتها عبارة “قوات الدفاع الإسرائيلية”، حصل عليها ضابط مخابرات أوكراني، عن فحوى اتفاق بين إسرائيل والمجلس الوطني الانتقالي الليبي في بنغازي تقضي بإقامة قاعدة عسكرية إسرائيلية على الحدود الليبية المصرية ..!

هذه ألأمور الثلاثة تكفي لسرقة ليبيا ونهب ثرواتها وغيابها عن المسرح العربي .. والتشاؤم إلى أجل ٍ غير مُسمّى ..!

المشهد اليمني :

إنه مشهد محزن ومأساوي بكل المقاييس .. ! من أشعلوه ندموا على ذلك .. ومن باركوه هربوا من لهيبه .. وما التخبط الخليجي في سياساته تجاه تنحي علي عبدالله صالح من عدمه .. إلا دليل على حسابات خاطئه .. والتخوف الخليجي من عاقبة غياب علي عبدالله صالح وإستلام المتشددون المتحالفون مع القاعدة ، جعلهم يعيدون الرئيس صالح إلى اليمن بعد ثلاثة أشهر من علاجه في المملكة العربية السعودية .. ! أما الحرية والديمقراطية المزعومة .. فهي أبعد ما تمت بصلة للمشهد اليمني .. بل هي أقرب إلى حرب داحس والغبراء من أيّ شيء آخر ..!

المشهد السوري القطري ..

إنه المشهد ألأكثر تعقيدا ً .. حيث أرى فيه معركة التوازنات ألأقليمية .. إنه مشهد وإن كان ظاهره الحرية والديمقراطية والمساواة .. إلا أنه يخفي في داخله حقيقة التحالفات ألأقليمية ..، وما إصرار الغرب على إسقاط النظام السوري .. إلا نتيجة المفاجأة التي أحدثها الشارع العربي بإزاحته لرموزهم الأساسيين في المنطقة العربية .. فكان لا بد من إعادة رسم الخريطة العربية بما يتوافق والمصالح للدول الكبرى .. ، أما لماذا أسميه ألمشهد السوري القطري .. فلأننا نلاحظ أن قطر قد دخلت نيابة عن ألغرب من خلال محطتها الجزيرة في حرب ٍ إعلامية مفتوحة على كل ألأحتمالات .. لأسقاط النظام في سورية ، وما نشهده من تحركات سياسية للجامعة العربية والتي تقودها قطر، ما هي إلا محاولة قطرية لجلب الجامعة العربية إلى مواقفها .. لتتمكن من عمل غطاء رسمي عربي لتحركها المدعوم من الغرب عبر الدوائر الدولية الرسمية في الحصول على قرار للتدخل العسكري الغربي في سوريا .. كما حصل في ليبيا .. ! . وهذا ما يدعو للتشاؤم .. حيث ألأقدام على عمل كهذا بشهادة البعيد والقريب سيجر المنطقة العربية والدولية إلى ما لا يُحمد عُقباه .. !!.

ويبقى التساؤل الذي أعياني جوابه .. وهو .. هل يقتصر الربيع العربي طيب الذكر ..على تغيير ألأنظمة في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا .. وسورية .. !؟ وإذا قال أحدكم يا سادة يا كرام .. بأن الربيع العربي سيشمل كل الأنظمة العربية .. ، ” بإعتبارها بشهادة الجميع أنظمة دكتاتورية ” فما رأي أمير دولة قطر قدس الله سره .. عندما تطأ النار أطراف عباءته …!؟ أم أنه ربيع عربي إنتقائي لبعض دولة المنطقة بعد أن كان صادقا ً في ثورته النونسية والمصرية .. قبل أن يُغيّر مساره !!؟.

نترك لك عزيزي القارئ مسألة تقدير ذلك .

ولنا لقاء

أبورياض